زهير السراج

القتل الرحيم في السودان !!

* أوردت صحيفة (آخر لحظة) بقلم الزميل (عمار محجوب)، النبأ التالي في عددها الصادر أول أمس: “دفع مواطن بطلب لمجمع الفقه الإسلامي لإصدار فتوى بالموت الرحيم لطفله البالغ من العمر عاماً ونصف، والمصاب بمرض ميئوس من شفائه، وعجز الأسرة عن سداد تكلفة علاجه، وعلمت (الصحيفة) أن الطلب تم تحويله للجهات المختصة بالمجمع للبت فيه، وقال والد الطفل زكريا بكري إنه تقدم بالطلب للمجمع بعد أن عجز عن توفير تكلفة علاج طفله بالهند التي قدرت بـ (7500) دولار حسب ما جاء في تقرير القومسيون الطبي، وأضاف أن وظيفته هي عامل يومية ولا يستطيع الاستمرار في علاج طفله، لافتاً إلى أن جرعة الأكسجين التي يحتاجها الطفل بصورة شبه يومية تتراوح مابين 1200 ـ 5000) جنيه، وقال إنه طرق كل الأبواب ولم يجد أي استجابة من الجهات الرسمية، مشيراً إلى أن شقيقة الطفل توفيت قبل نحو عام بذات المرض” إنتهى الخبر.

* لا شك أن الموضوع شائك ومعقد جداً، إذ تحرّم كل الأديان السماوية قتل النفس (ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما) قرآن كريم، كما تحظره الاتفاقية الدولية لحقوق الإنسان، ولا يتجاوز عدد الدول التي تسمح به (15) في كل العالم، ليس من بينها أية دولة إسلامية، وتضم سويسرا، بلجيكا، الدانمرك فنلندا، فرنسا، الهند، إيرلندا، إيطاليا، كولومبيا، المكسيك، الولايات المتحدة (بعض الولايات مثل واشنطن وأريغون)، بينما تحظره ألمانيا، ولكنها لا تعاقب من يساعد مريضا بطريقة غير مباشرة على الانتحار.

أول من استخدم مصطلح القتل الرحيم هو الفيلسوف الإنجليزي (فرانسيس بيكون) في القرن السابع عشر، وكان يعني به مصاحبة المريض في لحظاته الأخيرة، وإعطاءه جميع المسكنات المتاحة ليموت في سلام‏، ولكن أخذ المصطلح معنى مختلفاً في القرن التاسع عشر، وأصبح يعني استجابة الطبيب لرغبة مريضه بإنهاء حياته لمعاناته من آلام مبرحة لا يستطيع تحملها وميئوس من شفائها‏، ثم اتسع المعنى ليشمل مساعدة أهل المريض في تخفيف معاناتهم هم لمشاهدتهم مريضهم في حالة لا يرجى شفاؤها، والمشاركة في إتخاذ القرار بوضع حد لحياة مريضهم الميئوس من شفائه لم يكن في حالة تسمح له باتخاذ القرار!!

* ويجري الالتزام أثناء ممارسة القتل الرحيم بقواعد صارمة في مقدمتها أن تكون معاناة المريض لا تطاق، وليس هناك أي أفق في شفائه، كما يتوجب أن يُقَر هذا الأمر ليس فقط من قبل الطبيب المعالج وإنما أيضاً من قبل طبيب آخر مستقل، كما يتوجب إعلام المريض بوضعه الصحي بشكل دقيق ويتوجب على المريض وهو بوعي كامل منه طلب إنهاء حياته وأحياناً عدة مرات، أو أسرته إن لم يكن في وعيه، ويتم القتل الرحيم عبر طريقتين؛ الأولى بإعطاء المريض- الذي لا أمل من شفائه- حقنة تقضي عليه أو التوقف عن تقديم العلاج الذي يتناوله، ما يعجل بوفاته، ولا يشمل البالغين فقط، وإنما الأطفال في بعض الدول أيضاً مثل بلجيكا!!

* بالطلب الذي تقدم به المواطن السوداني الى مجمع الفقه الإسلامي، فإنه يكون قد لفت الأنظار بشدة الى وجود ما يتوجب أن يُنظر إليه بعناية فائقة بخصوص (القتل الرحيم) في دول مثل السودان، خاصة أن المسألة ذات شقين صعبين جداً، أولهما إستحالة الشفاء والمعاناة النفسية الحادة للأسرة، والثاني التكلفة الباهظة للعلاج التي لا يستطيع ولي الأمر تحملها مع رفع الحكومة يدها تماماً عن موضوع العلاج، فكيف سيتعامل مجمع الفقه مع هذه الحالة، وما رأي الأخوة القراء؟!

مناظير – زهير السراج
صحيفة الجريدة

‫2 تعليقات

  1. كفارة معقولة الناس فى الحظر اللعين تقول لى القتل الرحيم

  2. القتل الرحيم في الطب الحديث هل هو القتل الرحيم في الحديث النبوي؟
    القتل المحرم في الحديث النبوي لا ينطبق عليه مفهوم القتل الرحيم في الطب الحديث، فالآلام نعم هي نفسها، لكن الطرق المستعملة في الحديث النبوي ليست طرقًا رحيمة! بل هي طرق عشوائية يستعملها المنتحر كيفما اتفق، وحسبما يبدو له لحظة الانتحار! وقد لا تؤدي إلى الموت! بل تؤدي إلى إصابات وأمراض أخرى بليغة تزيد الأمر سوءًا وألمًا!
    أما الطرق المستعملة في الطب الحديث فهي طرق علمية رحيمة مدروسة من قبل الأطباء المختصين، وليست طرقًا وحشية في التخلص من الحياة كيفما كان! بحجر أو حديدة أو ما شابه ذلك!
    والأسباب الداعية للانتحار غير مقبولة، فهي قرار طائش من لاعبٍ وحكَم في آن معًا، في لحظة غضب ويأس وجهل!
    أما الأسباب في القتل الرحيم فلا بد أن تكون كافية ومقبولة، ليس في نظر المريض فحسب، بل في نظر طرف ثالث مؤهل علميًا وخلقيًا، وعندئذ يكون القتل الرحيم مباحًا، وربما مستحبًا، وفق ضوابط وشروط وآليات محددة في الفقه والقانون.
    قال تعالى:
    (ولا تقتلوا النفسَ التي حرّم اللهُ إلا بالحقّ) الأنعام 151، والإسراء 33.
    فالقتل نوعان: قتلٌ بحقّ، وقتلٌ بلا حقّ، والقتل الرحيم من باب القتل بالحقّ.
    والله أعلم بالصواب.
    ***
    الأربعاء:
    23 ربيع الآخر 1439هـ
    10 كانون الثاني 2018م
    رفيق يونس المصري