أحمد هارون وصناعة التاريخ
ونحن لا نزال نستنشق عبير التفاؤل الذي أحدثه قرار الإدارة الأمريكية برفع العقوبات المفروضة على السودان ووضع الإصر والأغلال التي فرضتها علينا على مدى عشرين عاماً حسوماً والتزمها العالم المنصاع لجبروتها وطغيانها تكبيلاً لخطونا وتعويقاً لمسيرنا نحو المستقبل المنشود أجدني أردد عبارة حفرت من قديم في ذاكرتي من خلال التأمل في سيرة من قادوا مسيرة البشرية عبر التاريخ.
تقول تلك العبارة (إن التاريخ عربة يقودها العظماء من الرجال) فتخيلوا الأرض بدون قادة يصنعون الحياة والحضارة ويوجهون مسيرة التاريخ وتمعنوا في قوله صلى الله عليه وسلم :(الناس كإبل مائة لا تكاد تجد فيها راحلة) أو كما قال الرسول الكريم.. أي أنه من الصعب أن تجد قائداً فذاً بين كل مائة شخص كما أنه من الصعب أن تجد الناقة (الراحلة) القائدة بين كل مائة من الإبل ولذلك لا غرو أن يدعو الرسول الخاتم لأن يعز الإسلام بأحد العمرين فانحاز إلى قافلة الحق والخير الفاروق عمر بن الخطاب ليصنع التغيير ويقود الأمة ويقهر وثنية فارس وضلال الروم ويقيم دولة الإسلام التي سادت العالم أجمع.
قصدت بهذه المقدمة أن أقول إننا بين يدي تغيير كبير بعد أن أزيح عنا الحصار الظالم في وقت نشهد فيه تحولاً يأتي من تلقاء الحوار الذي نؤمل أن ينقل بلادنا إلى مرحلة جديدة نستدبر فيها الحروب ونحتكم فيها إلى مسار ديمقراطي يسوده السلام والحكم الراشد..ذلك يحتاج إلى القيادات العمرية التي تصنع التاريخ لا إلى لوردات الحرب من شياطين الإنس والجن.
هذه ليست المرة الأولى التي أكتب فيها عن مولانا أحمد هارون ولن يجرؤ أحد كائناً من كان أن يزعم أني (أكسر التلج) للرجل فبيني وبينه محاكم وقضايا ساقني إليها عندما هاجمته حين كان نائباً لوالي جنوب كردفان بوابل من مقالات قادحة فقد اختلفت وجهتا نظرنا في معالجة العلاقة بقطاع الشمال التابع للحركة الشعبية لتحرير السودان.
عندما تولى أحمد هارون منصب والي شمال كردفان رأيت عجباً واكتشفت ما كان مخفياً عني من قدراته حين قاد ذلك النفير المدهش الذي أحدث به ثورة حضارية فريدة في تلك الولاية.
لم استعجل الحكم إنما انتظرت حتى رأيت تطابق القول والفعل بزيارة لمدينة الأبيض لأشهد الدورة المدرسية قبل نحو عام وزرت وقتها بعض مواقع التغيير من خلال منشآت خدمية غير مسبوقة في مجالات الصحة والتعليم والمياه والطرق والبنيات التحتية ورأيت عجباً .
ليس ذلك هو الوجه الأكثر إدهاشاً فيما فعله أحمد هارون إنما كان المثير تلك القدرة العجيبة على إقناع البسطاء والمعدمين على الانبهار بشخصيته والتفاعل معه لينفقوا من فقرهم وعوزهم ويشاركوا في تغيير واقعهم البائس ، فكان أن اندفعت ستات الشاي وماسحو الأحذية والجزارون وكل فئات المجتمع الكردفاني في ملحمة تذكر بما فعله الرسل وهم يقدمون القدوة ويضعون المثال ليتأسى بهم الناس ويدخلوا في دين الله أفواجاً .
زرت شمال كردفان قبل أيام لأشهد افتتاح جزء من طريق بارا- جبرة – أم درمان وأشارك في المهرجان الخطابي المقام في جبرة الشيخ احتفالا بافتتاح الجزء الأول من طريق بارا- أم درمان (100كم).
الطريق مولته الحكومة وبقي منه (237 كلم) وعد وزير النقل مكاوي محمد عوض بإنجازها في ستة أشهر ليكتمل الطريق الذي سيربط كل غرب السودان حتى الحدود مع تشاد ويصل مناطق الإنتاج في كردفان ودارفور بالخرطوم ثم إلى ميناء بورتسودان فما أعظمه من إنجاز وصدقوني أنه لو لم يكن هناك أحمد هارون لما قام الطريق فعلى قدر العزم تأتي العزائم فهو المحفز ، وحق له ، لتفاعل المركز معه.
زرنا خلال زيارتنا هذه كذلك توسعة لمحطة كبرى للمياه بشرنا أنها مع أخرى أقيمت بالفعل في مكان آخر ستجعل مدينة الأبيض تودع مشكلة المياه إلى غير رجعة إن شاء الله…كذلك فقد قام مشروع (نادك) لزراعة القمح في شمال كردفان افتتحه النائب الأول الفريق أول ركن بكري حسن صالح.
لن أغرق في ذكر المنشآت التي أنشأها أحمد هارون ولكني أشير إلى المعاني الكبار في مسيرة الرجل وأسلوب إدارته للشأن العام.
تنشأ مشكلة من أحد مرؤوسيه أو معتمديه يثور من أجلها الناس فتجد أحمد هارون منغمساً فيها محشوراً بين (الثائرين) بدون حواجز ليهدئ من روعهم وينزع فتيل الغضب ..يثور طلاب جامعة كردفان فتجد أحمد هارون بينهم في دقائق معدودة ليطفئ اللهيب في مهده.
راينا كيف صنع بعض الولاة (الناجحين) وأصحاب الانجاز معارك ضارية حتى مع مجالسهم التشريعية وقيادات وقواعد حزبهم الحاكم ولكننا لم نجد من يصنع صنيع أحمد هارون الذي يجيد بأسلوب السهل الممتنع (حلحلة) المشكلات مهما اشتد ضرامها.
حدثني دكتور محمد محجوب هارون الذي جاورني في رحلة البص إلى جبرة الشيخ عما فعله أحمد هارون في قريته الصغيرة في جنوب كردفان عندما كان نائبا للوالي من خدمات في مجال التعليم والمياه وغيرها فكيف كان ما فعله في المدن؟.
يبدو أن مؤهلات الزعامة وصفات القيادة طبع أصيل وجبلة مركوزة في شخصية الرجل وهذا ما ينبغي أن يجعلنا نعيد النظر في اختيار القيادات الجماهيرية فهناك فرق بين أن يتولى القائد الجماهيري منصباً في وزارة أو أن يحتل موقعاً بين الناس وقيمة كل امرء ما يحسنه.
لم أكتب ذلك إلا إحقاقاً للحق فنحن نحسن التبشيع بمن يخطئ وعندما نجد من يحسن نحجم عن الصدع بكلمة الحق في مؤازرته خوفاً من تهمة (كسير التلج) التي أريد بهذا المقال وبغيره أن أدفنها إلى غير رجعة فمن لا يشكر الناس لا يشكر الله وقد وصف رب العزة سبحانه الرسول الخاتم بأنه بالمؤمنين رؤوف رحيم ووصف أبا الأنبياء إبراهيم بالحليم الأواه المنيب وهكذا.
أود أن أشد على يد أحمد هارون مهنئاً داعياً الله ان يبارك له في سعيه ويوفقه في مقبل الأيام.
الطيب مصطفى
صحيفة الصيحة
إنه المواطن السوداني البسيط حينما تقوده قيادة حقيقية فيؤمن بها ويطمأن لها فهو قادر على فعل أي شيئ …. حتى زراعة القمح وأين ؟! …. في الصحراء !!!!!!!
أعطوه النيل ومثل هذه القيادة وإنتظروا ما سيصنع لكم ! …. حتما ستصابون بالزهول .
احمد هارون رجل انسان في المقام الاول يعمل في صمت ولا يتباهي بما عمل يحبه جميع اهل السودان لاخلاقه العاليه وبساطته في التعامل مع الناس والقضايا هو الرجل المناسب في المكان المناسب وكذلك الوالي ايلا كثر الله من امثالهم.