كل هذا الهراء ..!
“هنالك مواقف تبدو جادة لدرجة أن المرء لا يسعه إلا أن يضحك عليها” .. فيرنر هايزنبرغ ..!
ممثل هوليوودي شهير – برع في أداء أدوار البطولة الثانية – سئل ذات حوار تلفزيوني لماذا لا ترفع سقف طموحك إلى تمثيل أدوار البطولة المطلقة، فقال “أُفَضِّل أن أكون أول الثانين على أن أكون ثاني الأولين» .. تذكرت هذه السفسطة الهوليوودية أيام زيارتي للعاصمة التشادية إنجمينا .. الاحترام الذي يحظى به السودان في تشاد – وفي غيرها من دول الجوار الإفريقي – عظيم .. والمكانة التي يحتلها في عقول وأفئدة وضمائر ساكنيها هو ثروة قومية مهدرة، تأخر حسن استغلال السودان لخيرها العميم ..!
عقلنا الجمعي – حكومة وشعباً – لا يزال يبحث عن أدوار البطولة المطلقة على مسرح الوجود العربي، متوسلاً بعروبة ثقافية ووشائج دينية، لم تشفع لنا وحدها لنكون في طليعة الأولين (معيار الأفضلية هنا تحكمه نظرتنا نحن إلى معنى الصدارة)،وعوضاً على أن السعي لكي نكون أول الثانين– بحسب ذلك الافتراض –نرضى بل نطمحلأن نكون في ذيل قائمة الأولين ..!
إليك مثالين لموقفين إعلاميين يدللان على وجهة نظري .. الأول هو موقف الإخوة والزملاء القائمين على شأن إذاعة وتلفزيون تشاد، الذين عقدوا معنا اجتماعاً موسعاً وحميماً، تشاركنا فيه الآراء وتبادلنا المقترحات حول سبل تفعيل اتفاقيات التعاون الإعلامي والثقافي بين البلدين .. وتلك اللفتة الرائعة التي أسعدونا بها عندما وجدنا في اسقبالنا بعض الإعلاميين الذي تخرجوا في كلية أم درمان الجامعية لتكنولوجيا الصحافة الطباعة .. وتلك الصور التاريخية المشرقة التي يحتفظون بها عن بلادنا .. وكأنهم يؤكدون بذلك ثقتهم في ريادة السودان، واعتبارهم إياه قدوة مهنية ومنارة أكاديمية في مجال الإعلام ..!
نأتي إلى «عكار الدم» الذي يثيره المثال أو الموقف الثاني .. وهو رأي خائب لصحفية من بلاد الشام تحمل أفكاراً عنصرية، تدعى «سهى الجندي» تضمنه مقالها الذي نشرته صحيفة إيلاف الإلكترونية ذائعة الصيت بعنوان «تأثير الطبيعة على طبائع الشعوب» .. وفي ذلك المقال تتحدث الكاتبة عن نظرية «مونتسكيو» التي تؤكد أن سكان شمال الكرة الأرضية هم أهل العصف الذهني والنشاط وحب الاستطلاع والمغامرة بينما يغلب الكسل وحب التكاثر والضعف الفكري على سكان جنوب الكرة الأرضية ..!
وللتدليل على إيمانها بصدق نظرية مونتسكيو ساقت الكاتبة مثالين هما ميناء عيذاب على الحدود المصرية السودانية – كما تقول هي – وميناء عكا في شمال فلسطين على ساحل البحر الأبيض المتوسط .. وكيف أن كلا المدينتين – بحسب الرحالة ابن جبير – كانتا مرفأً للحجيج والتجار في ما مضى .. لكن سكان عكا كانوايتمتعون بالسلام والأمن واللطف الإنساني .. بينما كان سكان عيذاب يتصفون بالغلظة والجشع وعدم مراعاة حرمات الحجيج ..!
وبعد هذا اللصق والترقيع التاريخي، غير المنهجي، تخلص الكاتبة إلى أن بعض الحكايات المستدعاة من أحد مراجع الجغرافيا التاريخية والبشرية لسكان فلسطين وسكان السودانتؤكد على نحو جازم بأن أهل فلسطين هم الأذكى والأكثر ثراء والأقوى حباً للاستطلاع من أهل السودان الأكثر كسلاً وغلظة والأضعف فكراً ..!
ومع ذلك .. مع كل هذا الهراء – ورغم كل ما يشبهه أو يتفوق عليه من هراء أقل احتراماً أو أكثر عنصرية – يبقى السودان سعيداً بتذيل القوائم في عوالم هؤلاء، وزاهداً في تصدر القوائم في عوالم زاخرة أكثر قرباً واحتراماً ودفئاً، وأقل استكباراً وتمنعاً ودلالاً .. فهل من مُذَّكِر ..؟!
هناك فرق – منى أبو زيد
صحيفة آخر لحظة
يا منى يا ابنت أبي زيد، رغم تفرد فكرة المقال؛ إلا أنك أوحيت لنا بأن لفظ (العروبة) إلى (الأفرقة) هو الأجدى بنا لنكون الأوائل لا أصحاب المراكز الأخيرة أو الدنيا، نحن كما قال أديبنا الطيب صالح لا نستجدي بطاقة هوية لعروبتنا، ولا يهمنا اعتراف الآخرين بنا أو إزراءهم لنا، فنحن لسان عربي، ننطقها بفصاحةونكتبها بسلاسة، ولا يستطيع كائن من كان أن يسلخ جلدتنا أو قيمنا، أو يلغى عقليتنا، السوداني بطمح ـ بل هو بالفعل ـ في مقدمة الهويتين عربيًّا وأفريقيًّا، ومثل طروحات الكاتبة الشامية «سهى الجندي» ما هي إلا سقط متاع، ومحاولة منها لإثبات ثقافتها عبر قراءة معكوسة للتاريخ، والإتيان برؤى مضللة تطمس تاريخًا ناصعًا، لا يمكننا يا أستاذة أن تتخلى عن هويتنا الثقافية وتذويبها لصالح الأفريقية، كلاهما سيان، وفرسا رهان يمتلكان الريادة غصبًا عن كل كتاب وسياسي العرب، نحن نعتز باللون الأبنوسي، والسحنة الأفريقية، واللسان العربي، والعقيدة الإسلامية، ولا يضيرنا ما يتقيأ به أي كاتب أو كاتبة شامية كانت أو مغربية.
فهمت من مقالك دعوة لإلغاء الثقافة العربية لصالح الأفريقية، بعد أن استحوذ عليك احترام وتقدير التشاديين للسودان، وأعضبتك عنصرية تلك الشامية، لا نحن أصحاب ريادة، ولنا علماء أجلاء ومفكرين وروائيين واقتصاديين وأدباء وأطباء وعباقرة في كل أنحاء العالم.. فدعي هؤلاء يرفعون العقيرة بالنباح، ولن يؤثر فينا نزف أقلام مريضة… وتحية لك قدرتك على استنباط فكرة فريدة من باطن موقفين متناقضين
مقالك كله مبني علي فرضية : أن تكون متصدرا قائمة قوما خيرا، خيرا لك من أن تتزيل قائمة آخرين …
وهذه الفرضية ليست صحيحة دائما، فالمسألة نسبية، مثلا : أن تتزيل روليت الدوري الانجليزي لكرة القدم خير الف مرة من تتصدر دوري جزر الأخطبوط الرمادي بالمحيط الهادي…
بعدين الناس مزاجها شرقي …. يعني عشان استضافوكم في برنامج و جابوا ليكم بروستد و بيبسي، الناس تغيير اتجاهها غربا، و لاّ كيف !! (بهظّر) .
أقرب ناس لينا هم الأثيوبين و الارتريين، قد يكون السبب هو أن كلانا نتاج هجرات شرقية اختلطت بافارقة، فكان التشابه في السحنة و المزاج و قعدة القهوة / الجبنة !! و ليس في الأمر هراء .