الهندي عز الدين

إسلاميو السودان .. هذا المزيج الخاص !!


{لم تكن الحركة الإسلامية التي حكمت السودان منذ العام 1989م، عبر أكثر من واجهة، وأكثر من مرحلة، تتغير خلالها الوجوه ويبقى الأصل، تتبع يوماً للتنظيم الدولي للإخوان المسلمين.
{منذ وقت باكر في ستينيات القرن الماضي فارق الشيخ “حسن الترابي” بجماعته تنظيم (الإخوان المسلمين) في مصر، والكثير من أفكارهم ومشروعهم، واختار طريقاً مختلفاً يجمع بين السياسة والتربية والتحالف مع جماعات إسلامية أخرى، لتشكيل (جبهة) بدلاً من تنظيم صفوي محدود وضعيف.

{بعد (الإنقاذ) تطورت الفكرة أكثر وتوسعت المواعين، اتساقاً مع مسؤوليات ومهام دولة بحجم قارة، فدخل الجنوبيون (المسيحيون) مجلس قيادة الثورة من أول يوم لانقلاب 30 يونيو 1989م، ضباطاً ثلاثة مثلوا في الظاهر وحداتهم العسكرية، ولكنهم في الحقيقة كانوا يمثلون (الإقليم) ويعبرون بصورة أو بأخرى عن (الكنيسة) !!
{مثل هذه اللوحات التي شكلتها ريشة إسلاميي السودان بطبيعتهم الخاصة وفكرهم المختلف، فشل في رسمها (إخوان مصر)، فسقطوا سريعاً في تجربة الحكم بعد ثورة (25 يناير)، وغادروا المشهد، مخلفين خسائر سياسية وبشرية ونفسية هائلة، لا يمكن تعويضها لسنوات طويلة !!

{قدم الراحل الشيخ “الترابي” نصائح غالية لإخوان مصر، إحداها عدم تقديم مرشح في انتخابات رئيس الجمهورية، لكنهم بروح استعلائية أهملوا نصائحه، بل أخذوا شأنهم شأن (إسلاميي تونس)، يتبرأون للغربيين من تجربة الإسلام السياسي في السودان، ويعتبرونها تشويهاً للإسلام، وإساءة للإخوان !!
{فانتهى (إخوان مصر) آلافاً إلى السجون بمن فيهم المرشد العام ونوابه ورئيس الجمهورية السابق، وذاب (إخوان تونس) في سيل العلمانية الجارف في بلد “بورقيبة”، فلم تعد تفرق بين مواقف حركة “النهضة” وأي حزب علماني تونسي، إلا بلحية الشيخ “الغنوشي” !!
{الآن تتشكل في السودان .. مرحلة التخلق (الثالث) لدولة ( الإنقاذ) خلال الجهورية (الرابعة)، فقد جرت (4) انتخابات رئاسية وبرلمانية في الأعوام 1996م، 2000م، 2010م و2015م، والأخيرة تستمر مؤسساتها الدستورية حتى العام 2020 مع بعض التعديلات، وقد تم التراضي على تجاوز الانتخابات التي كانت مقررة في العام 2005م، لتقوم المؤسسات بالتعيين بموجب اتفاقية السلام الشامل ( نيفاشا) .
{التخلق الأول للإنقاذ تمظهر في عشريتها الأولى .. بفرض شرعيتها الثورية، وقد حكمت فيها القيادة (الروحية) لعشر سنوات، وسادت فيها شعارات الإسلام السياسي، وطغى فيها عنصر الدين على الحياة العامة بشكل لافت. وقد كانت لتلك الحقبة شعاراتها وأدبياتها الجهادية المؤثرة جداً .

{التخلق الثاني أفرزته (المفاصلة) الشهيرة بين القيادة (الروحية) من جهة، ورئاسة الدولة وهي خليط من العسكريين والسياسيين من جهة أخرى.
{شهدت فترة التخلق الثاني الكثير من التحولات والمتغيرات السياسية على صعيد العلاقات في الداخل ومع أطراف بالخارج، فتم توقيع اتفاقية السلام (نيفاشا) خلال هذه المرحلة، كما تم انفصال جنوب السودان، ودانت السلطة في هذا العهد بشكل كبير لرئاسة الجمهورية، استناداً إلى ميزتي الجمع بين صلاحيات رئاسة الحزب الحاكم وسلطات الشرعية الانتخابية .
{إذن .. البلاد مقبلة في الحقبة المقبلة على التخلق (الثالث)، بحلول الجمهورية (الخامسة) التي بدأت ملامحها تتكون بتسمية أول (رئيس وزراء) منذ نحو (28) عاماً وعلى مدى جمهوريات (الإنقاذ) الأربع !!

{هذه القدرة الفائقة، ولا نقول الخارقة، لإسلاميي السودان على التخلق، هي ميزة (سودانية) خالصة، ليست من بنات أفكار وقدرات (عسكريي الإنقاذ) .. بل هي فاعلية (المزيج الخاص) الذي حكم السودان طيلة العقود الثلاثة الماضية، فخلف كل (قائد عسكري) تجد (سياسي)، وخلف كل (سياسي) تجد (عسكري مدرب) !!
{وإذا انفصل (العسكري) عن (السياسي)، أو العكس، في أي مرحلة، سقطت الدولة قبل أن تكمل تخلقها (الثالث).

صحيفة المجهر السياسي