نظمه اتحاد الكتاب السودانيين محجوب شريف.. حينما يتحول الشعر لمهرجان ودوزنة
اختتم بدار اتحاد الكتاب السودانيين مهرجان محجوب شريف للشعر وذلك عبر (مؤتمر قضايا الشعر وتجارب الشعراء)، وتم تداول العديد من الأوراق، فقد قدم الأستاذ مجذوب عيدروس دراسة للشاعر محمد محيي الدين )المغامرة الشعرية والالتزام) ودراسة لقصيدة (السجن( لإنريكوالا.. ترجمة القدال، فيما قدم الأستاذ عالم عباس ورقة بعنوان( المحطات الحنينة القصرت مشوار سفرنا)، وقد أعقب المؤتمر قراءات شعرية ومشاركات من الجامعات كجماعة الشروق الأدبية بجامعة النيلين، (ظلال الثقافية) بجامعة السودان، (السنبلاية) و(رزاز الثقافية).
قراءة في مراثي محجوب شريف
ومن خلال ورقته أكد د. مصطفى الصاوي احتفاء محجوب بالأصدقاء والأحباب من خلال المراثي وكثير من هذه الأشعار تحتفظ بالمناحة، يلتمسها الصاوي في البنية الفنية لتلك الأشعار مثل مرثية(للسيدة بتول أم صديقة وديموقراطية) (ماما مع السلامة) وتركز قصيدة محجوب على الشخص وصفاته ودائماً ما تؤخذ من صفات فردية إلى صفات جماعية إضافة إلى تقنياته العالية كإشارته لفتات مطمئنة وإشارته إلى الآية الكريمة(يا أيها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية). واجترح أيضاً تقنيات خاصة به مثل محاولته إحياء الشخص الذي توفي وهو مصدر أسطوري باعتبار أن هؤلاء الموتى لا زالت أرواحهم تطوف من حولنا ويتعامل محجوب مع الشخصية في حراكها اليومي والعادي كما في (مبارك لقمان) وأيضاً في رثائه للفنان مصطفى سيد أحمد جامعاً عليه العديد من الصفات وهو يقول يا زول يا حالي مع ملاحظة الصاوي لقلة استخدام مفردة حالي وهي تعني هنا (حلاوة) الشخصية، ويضيف الصاوي بأن أحد مصادر محجوب في تلك المراثي هو الأدب الشعبي وهي حصيلة تراكم كبيرة وخبرات وممارسات استلهمها محجوب شريف من بيئته مثل المثل الشعبي (آخرتا كوم تراب) ومفردة (واحلالي .. واحلالي) إضافة إلى فنياته العالية في اختيار شكل المناحة ومفرداتها مثل كلمة (عشاي) و(غناي) وهاتان المفردتان وليدتا الذاكرة الشعبية ويلجأ في بعض الأحيان إلى طقوس العبور (عريس الحنة المجرتق بالرصاص) و(ختة الموت ضريرة)، ومن عبقرية المرثية عنده تعدد التقنيات اليومية وهو يأسر الأبطال ويتصاعد بهم إلى ذرى عالية والتسامي أيضاً في ربط الميثولوجية المسيحية، ومن ثم لعبه على أوتار البساطة وهو ينحاز إلى العاديين من الناس ومن سماته أيضاً التشخيص الذي يستخدم فيه الحوار والتنوع في الصورة الشعرية مثل (يا نجمة واسمها سوركتي) (عبد الكريم ميرغني يا حليك ويا حليل الحكاوي) والعديد من المهارات في إظهار الحزن والتفجع على الميت.
الخيل والحواجز (على عبد القيوم)
وفي دراسة لديوان (الخيل والحواجز).. جرداق للوطن تحدث البروفيسور مهدي بشرى عن إنسانية عبد القيوم ودوره في القصيدة الحداثية باعتباره من الذين شكلوا قفزات ضافية إلى القصيدة الحديثة في الوطن العربي، ولكن هذا لا يذكر في السودان، فأغلبهم يرجعون رفع بوارق الحداثة مثل السياب ونازك الملائكة وعبد المعطي حجاري وآخرين.
ويصف بشرى، على عبد القيوم بأنه شخص متعدد المواهب فهو صاحب كتابات في السينما والمسرح، وقد قسم عبد القيوم ديوانه هذا لثلاثة أجزاء مثل قصيدة جرداق للمطر وهي في رأي مهدي بشرى جرداق للوطن والمطر والإنسان وهي قصيدة غزلية بل تعد من قصائد السونيتات إضافة إلى (ضائع يبحث عن ضائعه) و(من ترى انطق الحجر)، وتتفق قصيدة علي عبد القيوم وتعريف سلمى الجيوشي للقصيدة الحديثة التي وصفت عناصرها على مستويي الشكل المضمون وأعادت ذلك إلى تأثيرات الشعر الأوربي والموشحات، ثم التشكيل النصي وتداخل الأجناس من درامية، قصيدة النثر، المسرح والقصصية وكلها أصوات متعددة تعود إلى موهبة الشاعر ثم إضافة الوحدة الموضوعية والتناص وقد ظهر التناص عند (علي عبدالقيوم) في رثائه لعلي المك، فقد أخذ من قصيدة علي المك (ما هو عارف قدمو المفارق) وما يجمع هذين في القصيدة الكثير من المتشابهات منها أن ثلاثتهم من أمدرمان أو ما أسماه الطيب صالح (بالتحضر الأمدرماني)، واستطرد بشرى قائلاً بأن هنالك إنجازاً هاماً جداً يوجد عند علي عبد القيوم وهي القصيدة الثورية الملتزمة التي لم يفقدها النصاعة الشعرية لأنه يحافظ على جوهر الشعر كمضمون إنساني ونموذج ممتاز لهذه الحداثة.
دراسة أيديولوجيا الشعر
وتحدثت ورقة د. هاشم ميرغني عن الأيديولوجيا في قصيدة محجوب الشريف مستنداً على مرتكزاتها الأساسية التي تتحدث عن طبيعة السلطة المعقدة واستراتيجيتها المختلفة التي تستلزم بالضرورة إيجاد خطاب شعري موازٍ حتى لا يقع في فخاخ السلطة متسائلاً عن كيفية تأسيس آليات القصيدة من خلال ديوان النفاج وهي تفلت من فخاخ الآيديولوجيا وكيف تم تصعيد الآيدلوجيا داخل النص إلى مصاف المعرفة مضيفاً بأنه رغم ذلك لا يتنازل عن جماليات المفردة، شبراً واحداً مثل الآيدلوجية الذائبة في غضاريف اللغة كـ(بيني وبينك الضحكة ورحيق الشاي ..الخ) ، ومن ثم أشار ميرغني إلى مناوشة الدارجية والفصحى في قلب العامية، وهذه المناوشة، المختلفة التي يبرز فيها دخول الفصيح في العامية مدللاً بالعديد من القصائد والمضامين.
حكايات من حلتنا
أما الأستاذ محمد علي مخاوي فقد تحدث من خلال ورقته (سعد الدين إبراهيم.. تجريب مستمر في كتابة النص) عارضاً من خلال ذلك تلك الهوة التي ملأها سعد الدين من خلال ربطه بين الشعرية والتأليف الإذاعي واستفادته من دراسة علم الاجتماع وذلك على مستوى الكتابات، فقد قدم ستة مسلسلات للإذاعة، وقد نشرت أيضاً بمجلة الدوحة، أما المنجز الأكبر لسعد الدين فقد تمثل حكاية من حلتنا والتي استمرت كبرنامج درامي أسبوعي لمدة 7 سنوات لم يتوقف إلا بوفاة البطل عبد العزيز العميري، ويضيف مخاوي بأنه قد ظل متذكراً أنه شاعر وهو يسد الفراغات في الدراما من خلال التفاصيل الصغيرة بكل صدق. كما قدم الأستاذ عثمان عبد الله فارس ورقة بعنوان (الشاي في شعر محجوب شريف)، وصاحب المهرجان غناء للفنانين عامر الجوهري وعاطف أنيس.
فعاليات مهرجان محجوب شريف
الجدير بالذكر أن فعاليات المهرجان قد احتضنتها مدينة بورتسودان في 21 مارس في دار اتحاد الأدباء والفنانين وبتشريف رئيس رابطة الأدب والدراما والأستاذ فيصل محمد صالح والأستاذة أميرة الجزولي رفيقة درب (محجوب شريف). ومن ثم انتقل البرنامج إلى ولاية الجزيرة مدينة الحيصاحيصا في برنامج اشتمل على قراءات شعرية لكل من (القدال) و(إيمان آدم) (زهير أبوالقاسم) (الصافي محمد الصافي) وعرض تشكيلي للفنان إسلام بدر الدين.
الخرطوم: آيات مبارك
صحيفة الصيحة