رأي ومقالات

الإمام والتخندق بالتوضيحات

شهدت دار حزب الأمة بمدينة ودمدني في الثامن عشر من شهر مارس الماضي انطلاقة تدشين أولى لقاءات الإمام الصادق المهدي رئيس حزب الأمة القومي الجماهيرية بعد عودته للبلاد من مصر (الخديوية)، وكعادة الإمام في المراوغة ووضع العراقيل أمام الحلول الآنية المطروحة للخروج من النفق المظلم والأزمة السياسية المزمنة والتحديات، التي تهدد مصير البلاد في إيقاف الحرب لتحقيق السلام والاستقرار والحفاظ على الوحدة والتنمية المتوازنة، وبالتالي إتاحة الحريات وإنطلاقة العمل السياسي المفتوح المنظم والمرشد وفق القانون الذي تتوافق عليه كافة الأحزاب والقوي السياسية في البلاد.. ولما كانت مسألة الحوار الوطني التي شاركت فيها معظم الأحزاب السياسية والعديد من الحركات المسلحة باستثناء حزب الأمة القومي برئاسة الإمام الصادق والحزب الشيوعي وقوى أخرى ليس لها وزن جماهيري يماثل حزب الأمة، إلى جانب بقية الحركات المسلحة وإزاء هذا الحوار الوطني والذي تبلور عنه مشروع (الوثيقة الوطنية) أو الحل الوطني المتاح، الذي يؤمل منه أن يحقق مرحلة التحول الديمقراطي بحلول عام 2020م.

لقد صبر الناس على الإنقاذ لأكثر من ربع قرن فماذا يعني التململ والضيق وعدم الصبر لثلاثة أعوام، وإزاء هذا الواقع كان المأمول أن يعلن الإمام الموافقة على مخرجات الحوار الوطني كوسيلة وليست غاية للتحول (الناعم) للديمقراطية التي ينشدها الإمام لاسيما، وأن ذلك يقترب بل ويتطابق مع إعلانه معركة الهجوم عبر القوى الناعمة وهو بلاشك يعني اللجوء للعصيان المدني، والذي سبق تجريبه وأثبت فشله خاصة وأن المحاولة الثانية كانت أكبر إخفاقاً من الأولى وأجمع الكثير من المحللين إلى أن عدم استجابة المواطنين لنداء العصيان المدني تعود إلى المخاطر والمخاوف من نتائج العصيان والثورة في ظل التجارب الماثلة لإسقاط الأنظمة في بعض الدول العربية، فضلاً عن قناعة المواطن السوداني وزهده ويأسه من الأحزاب بحالتها الراهنة، عدم قدرتها على تحقيق التحول الديمقراطي من خلال التجارب المريرة التي عاشها لاسيما خلال فترة الديمقراطية الثالثة، وإبان تقلد الإمام رئاسة الحكومة في تلك الحقبة، والتي كان بعدها الفشل الذريع سياسياً واقتصادياً وعسكرياً، حيث وصل التمرد على مشارف كوستي وهدد خزان الروصيرص!.

لقد أخبرني مؤخراً أحد ضباط القوات المسلحة وهو برتبة عميد في المعاش، والذي وصف حال القوات المسلحة آنذاك بالبائس وعلى سبيل المثال ذكر أنه وثلاثة من زملائه الضباط في منطقة بانتيو كان نصيبهم أربع علب بسلة في الأسبوع، أما عن الإمداد العسكري فلم يكن أحسن حالاً من التموين الغذائي ويكفي أن أوضح أن هذا الضابط ينتمي لكيان الأنصار وحزب الأمة أباً عن جد، كما شهد عهد الإمام الصادق رئيس الحكومة في الأشهر الأخيرة من حكمه، وقبيل انقلاب الجبهة القومية الإسلامية شهدت إعلان وتلويح أكثر من عشر نقابات بالإضراب، مطالبة بتحسين الأوضاع لمقابلة ارتفاع تكاليف المعيشة وشح السلع الضرورية، وصعوبة الحصول عليها فما كان من الإمام إزاء هذا الموقف الحرج إلا الاعتراف بالوضع المأزوم طالباً من النقابات والهيئات وكافة شرائح المجتمع إيقاف المطالب، في خطاب بثته وسائل الإعلام معللاً ذلك بأن البلاد تحتاج لإنقاذ ومن هنا التقطت الجبهة القومية الرسالة وأسمت انقلابها (ثورة الإنقاذ) اعتماداً على اعتراف رئيس الحكومة والذي وصف الرأي العام قراره بإيقاف المطالب بالدكتاتورية المدنية!!

إن ضعف حكومة الإمام والذي جاءنا بعداوة الدول القريبة والشقيقة من أجل خاطر دولة الفرس قليلة الإحسان، وقد أغرى الوضع المتدهور للدولة التفكير في إسقاط النظام الديمقراطي من عدة جهات القيادة العامة، مجموعة الضباط برتبة العقيد حزب البعث والذين سبقتهم الجبهة الإسلامية بسويعات، بل واستفادت من التنوير الذي أبلغت به قيادة القوات المسلحة وحداتها، وقد سمعت ذلك من حديث أدلى به الراحل الفريق فتحي أحمد علي القائد العام حتى 30/6/1989م لاحدى الإذاعات قائلاً ما معناه إن الانقلابيين أرسلوا برقيات لكافة الوحدات العسكرية تفيد بأن الجيش استولى على السلطة الأمر الذي أدى إلى نجاح الانقلاب!!

ونعود بعد هذا الاستطراد إلى موقف الإمام الصادق، الذي كشف عنه أمام الجماهير في اللقاء آنف الذكر بمدينة ودمدني، بأنه ليس ضد الحوار الوطني ولكن بمستحقاته والتي أجملها في عدة محاور تتمثل في كفالة الحريات، تحقيق إجراءات بناء الثقة، إطلاق سراح جميع المعتقلين أن تقتصر مهام جهاز الأمن الوطني والمخابرات في جمع وتحليل المعلومات، وإلا يكون له أي دور تنفيذي وانسياب الإغاثة للمحتاجين. وهي بالطبع مطالب تعجيزية القصد منها عدم الموافقة على مخرجات الحوار الوطني، وهذا هو نهج الإمام الذي أفشل به من قبل اتفاقية (الميرغني قرنق) وأضاع بذلك فرصة ذهبية لتحقيق السلام في البلاد والحفاظ على وحدة أراضيه، ولم يمنعه عن ذلك مانع سوى الغيرة الحزبية، فكانت كلمة السر في إفشال الاتفاقية هي (توضيحاتها) كما جاءت كلمة السر في رفض المشاركة في انتخابات عام 2010م (مطلوباتها)، ولا نعدو الحقيقة بقولنا إن الإمام مع احترامنا الكامل لشخصه وتقديرنا لعلمه ومكانته، فهو رجل متذبذب المواقف ولو وقف مع نفسه وراجع حساباته وقيَّم ما كان يقوله، ونظر إليه نظرة الفاحص الخبير لوجد فيه اختلافاً كبيراً على أرض الواقع! فما معنى أن يطلب الإمام من قادة الحركة الشعبية، عدم التفكير في تقرير المصير ويحذرهم من ذلك في خطابه الجماهيري بمدينة ودمدني، وهو الذي ظل بجانبهم ومعهم ويعرف تماماً أهدافهم الحقيقية لتقسيم البلاد تنفيذاً لأجندة دول الاستكبار وقد حذرهم من ودمدني من المصير الذي آل إليه جنوب السودان بعد الانفصال واصفاً ما يجري في دولة الجنوب بجر التمساح.. وعلى الرغم من ذلك يكاد الإمام يمتدح مواقف قائد الحركة عقار والحلو ولم يبق للإمام إلا وصفها بالوطنية ! ثم لماذا يضع الإمام وصول الإغاثة للمحتاجين ضمن مستحقات الموافقة على الحوار الوطني، وهو يعلم علم يقين أن قادة الحركة هم الذين يعرقلون وصول الإغاثات للمواطنين المحاصرين من قبل قوات الحركة الشعبية، وهذا وحده يكفي لتجريد قيادات الحركة من الوطنية، بل ومن الإنسانية فيا سيدي الإمام لماذا لا تطلب من قيادات الحركة الشعبية إيصال الإغاثة للمحتاجين، بدلاً من وضع ذلك ضمن شروط قبولكم مخرجات الحوار الوطني !!!
ذلك هو المطلوب وهو الأولوية لإنقاذ حياة هؤلاء الناس وأنت أدرى بذلك، أليس كذلك ؟!!

راي:مصطفي الجيلي خواجة
صحيفة آخر لحظة

تعليق واحد

  1. هذا الرجل اُصيب بالزهايمر وللاسف لا أحد يستطيع ان يقول له كفاك ترجل واعطي الفرصة حتى لابنتك مريومه ، ربما تكون بناظير السودان !!!