تحقيقات وتقارير

“فكر في البدائل” بغض النظر عن طبيعة القرار الأمريكي المرتقب.. ماذا بعد صدوره وما استراتيجيات التعامل مع المستقبل؟

الأربعاء الثاني عشر من يوليو اليوم الذي انتظره السودانيون بصبر طويل، ستكون فيه القلوب معلقة والأنظار شاخصة تجاه واشنطن، رغم فارق التوقيت إلا أن عصر اليوم بتوقيت الخرطوم وصباح واشنطن ربما يحمل النبأ السعيد، فإما أن يصدر القرار المرتقب أو تضيع الآمال المعقودة أدراج الرياح، وستحمل ساعات اليوم (الأربعاء) النبأ الأكيد في ما يتعلق برفع العقوبات الأحادية المفروضة على البلاد من قبل الولايات المتحدة الأمريكية، وبعدها ربما تبدأ مسيرات الفرح والابتهاج إذا ما نفذت الإدارة الأمريكية وعدها وأصدرت القرار المأمول، أو تنصب سرادق الحزن والعزاء حال لم يتم رفع العقوبات.
وأياً كانت طبيعة القرار المرتقب، فإن السؤال المهم الذي يجب الإجابة عليه، مفاده: ثم ماذا بعد صدور القرار واستراتيجيات التعامل مع المستقبل؟، وبحسب مراقبين للسعي في اتجاه إحداث الإصلاح المطلوب على المستوى السياسي والاقتصادي وبقية القطاع، سواء تم رفع العقوبات أو لم يتم، فالبلاد تحتاج إلى إعادة ترتيب بيتها الداخلي أولاً حتى تتمكن من إقناع العالم بأهليتها وقدرتها على جذب رؤوس الأموال والشركات الكبرى، وذلك يحتاج إلى إجراء معالجات حقيقية في السياسات الخارجية والداخلية والتركيز على توحيد الصفوف وشحذ الهمم لتحقيق الإنتاج الذي لا يتأتى إلا بالاستقرار السياسي والاجتماعي وإعلاء قيمة الوطن على المصالح الضيقة. ومن المعلوم الدور الذي قامت به الحكومة وصولاً إلى هذه الخطوة الكبيرة التي سيكون لها تأثير إيجابي على الاقتصاد السوداني، إذا تمت، وبلا شك فإن القرار ستكون له فوائد عاجلة وآجلة، كالنتائج السياسية التي ستجني البلاد والحكومة ثمارها، ربما بصورة سريعة جدا وترفع أسهمها وتعاونها مع الولايات المتحدة الأمريكية، وفي الموقع الجيو سياسي بالمنطقة والإقليم، إضافة إلى الفائدة المرجوة من رفع العقوبات مقترنة برفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، ليتمكن من الاستفادة من التدفقات الاستثمارية الأمريكية والقروض الدولية من صندوق النقد والبنك الدوليين، فضلاً عن إعفائه من الديون الخارجية، ولكن على المستوى الاقتصادي، فإن الأمر لن ينقلب بين ليلة وضحاها إلى العكس، على الرغم من أنه سيتيح استعادة التبادل التجاري والاقتصادي بين السودان وبقية العالم الغربي، عن طريق تسهيل العمليات والإجراءات المصرفية لحركة الصادر والوارد، وتوفير السلع ومدخلات الإنتاج الأساسية، والخدمات الصحية والتعليمية، بالإضافة للاستفادة من كافة التسهيلات البنكية والمصرفية الموجودة في العالم، والتقنية الأمريكية والغربية المتطورة، وفتح مجالات التعاون مع مؤسسات التمويل والاستثمار الدولية، خاصة بالنسبة للقطاع الخاص السوداني، إلا أن التقدم سيكون تدريجياً ويحتاج إلى بناء ثقة لتصحيح الصورة الشائهة عن واقع الاستثمار والاقتصاد في البلاد والتي تأثرت كثيرا بالعقوبات المفروضة، وتضررت منها قطاعات متعددة في التعدين والصناعة وغيرها، نتيجة لمنع البلاد من استجلاب التكنولوجيا الحديثة، إلى جانب التمويل والتحويلات المصرفية التي كانت موقوفة، مما أثر على الشركات العاملة في تلك القطاعات، وينتظر أن يحقق رفع العقوبات للقطاع الصناعي فرصاً كبيرة في التطور والاستفادة من الطاقات الموجودة حالياً، والخامات الوطنية في المجال الزراعي والمعادن والموارد الأخرى، بعد إتاحة التقانات الحديثة التي تسهم في تحقيق القيمة المضافة المطلوبة وتمويل الموارد الكبيرة على مستوى الموارد المحلية والأجنبية، كما أن رفع الحظر الاقتصادي المالي والتجاري يحقق للقطاع فرصاً كبيرة في التطور والاستفادة من السوق الكبير المفتوح، ويشكل تحدياً للقطاع الصناعي للاستفادة من الإمكانيات المتاحة لتطوير مجالات صناعات النسيج والأدوية والصناعات الجلدية والهندسية وصناعات الآليات المختلفة المربوطة بالتطور العالمي، وتوفير التمويل من المؤسسات العربية والإقليمية والدولية، وإتاحة الفرصة للقطاع الصناعي بأن يحصل على ما يحتاجه من تقانات وتمويل بصورة سهلة وتكلفة معقولة يحقق عبرها أهداف البرنامج الاقتصادي، ووضع الصناعة كقاطرة للتنمية، ولكن القطاعات الإنتاجية تعد الأكثر استفادة من رفع العقوبات، وسيكون القطاع الزراعي الأكثر استفادة من الرفع. هذا القطاع يمثل القاعدة الإنتاجية الرئيسة للاقتصاد، فاستعادة انسياب واردات المدخلات الزراعية من قطع الغيار والأسمدة والتقاوي والتقنيات الحديثة، سيرفع من إنتاج وإنتاجية القطاع، مما سينتج عنه زيادة الصادرات وعائدها من العملات الصعبة بعد خفض تكلفة الإنتاج ورفع تنافسية المنتجات السودانية، شريطة أن تتبنى الحكومة السودانية تدابير وسياسات جديدة تعزز التنافسية والإنتاج المحلي.
كما أن نهوض القطاع الصناعي لحل مشكلة البطالة وخلق فرص جديدة للشباب، إلى جانب ذلك، فإن رفع العقوبات سيسهم في تطوير قطاع النقل الجوي والبري والبحري، ويطالب خبراء بأهمية تغيير المناخ العام للاستثمار لجذب المستثمرين والشركات ورجال الأعمال، لتحقيق زيادة الإنتاجية وفرص التنمية الاقتصادية بصورة أفضل بعد القرارات والقوانين المتعلقة بالاستثمار في السودان وإعداد مؤشرات الاستثمار في البلاد.
وينصح البعض الحكومة بوضع وتنفيذ حزمة جديدة متكاملة من الإجراءات لإصلاح البيئة الاقتصادية بوجه عام، وتحقيق الاستقرار في السياسات الاقتصادية الكلية والمالية على الآماد (القصير والمتوسط والطويل)، بهدف استعادة الثقة في مصداقية الحكومة في اتخاذ خطوات جريئة وحاسمة لمعالجة مشكلات الاقتصاد بصورة جادة، ووفق رؤية واضحة المعالم وجدول زمني محدد يراعي معقولية التدرج في تنفيذ السياسات.
لكن لا بد أولاً من وقف الصراعات المسلحة ووضع وتنفيذ سياسات لإصلاح المالية العامة، مع البدء في إصلاحات هيكلية لتحسين أداء السياسات الكلية، خاصة غلاء الأسعار وسعر صرف العملة الوطنية. فالحكومة الآن بين خيارين، إما الإصلاح للاستفادة من الفرصة الذهبية التي يتيحها القرار، وإن لم تفعل ذلك فينبغي لها أن تحتاط للأمر جيداً، من خلال البحث عن شركاء دوليين تستند إليهم لمصلحة البلاد، والبحث عن البدائل، ويرون أن زيارة الرئيس عمر البشير إلى روسيا ربما تأتي في إطار البديل حال فشل المساعي السودانية في إقناع الإدارة الأمريكية برفع العقوبات، أو عدم الاستسلام ومواصلة الجهود من أجل إزاحة كل ما يعرقل عملية الحوار مع واشنطن، ورفع العقوبات عن السودان ما إذا كان القرار عكس ذلك، ستكون كل الخيارات مفتوحة أمام البلاد، ويمكن التوجه إلى الدول ذات الوزن الاقتصادي مثل الصين وروسيا والبرازيل، ومن خلالهم يمكن تعويض ما يفقده حال استمرار الحظر الاقتصادي.

اليوم التالي

تعليق واحد

  1. الحل هو السعي لرفع العقوبات وبصبر علي لوبيات الضغط في امريكا ،لان البديل لايساوي شيئ مع العلاقة الاقتصادية مع أمريكا فمثلاً الصين دمرت إقتصاد أي دولة تعاملت معها إقتصادياً والسودان واحد من تلك الدول ،وذلك بإغراق الدولة بالسلع الفاسدة والغير مطابقة للمواصفات ،ومن ثم تتحول الدولة لأكبر مستهلك للمنتجات الصينية. أما فيمايتعلق بروسيا فالعلاقة معها مهمة من حيث الجوانب الأمنية وذلك بعمل قواعد روسية في دار فور وإحتواء ليبيا قبل إحتواءها بواسطة مصر وأمريكا.هذه يجب وضعها كرؤية لتنفيذها في فترة لاتتجاوز السنتين.