الطريق إلى توتيل (2-1)
مكالمة هاتفية كريمة من أستاذنا الجليل (إمام محمد إمام) تدرجني ضمن قائمة الوفد الإعلامي رفيع المستوى المتوجه لولاية كسلا.. الرفقة الميمونة التي اطلعت على أسمائها تمنحني الحماس اللازم وتدفعنى للالتزام. هكذا ببساطة واختصار.. ولم أكن أتوقع أنها ستكون الرحلة الداخلية الأجمل والأنبل في حياتي حتى الآن!! يممنا وجوهنا عبر مطار الخرطوم الدولي صوب ولاية كسلا وفي ذهني تحتشد عشرات الصور التي استقيتها من قراءات وأخبار وأحاديث قديمة عما هي عليه من جهل ومرض وصراعات قبيلية وفقر مدقع ! كانت هذه هي زيارتي الأولى..
ولم تفلح كل قصائد الحلنقي وروضة الحاج وأغنيات عبد العظيم حركة في تغيير انطباعاتي المكتسبة من هنا وهناك.. علماً بأن صديقي الجميل عبد الوهاب هلاوي كان ضمن القائمة بكل ما عرفته عنه من تسامح وإبداع ورهافة غامرة وهو في الأساس من أبناء المدينة، والذي كثيراً ما باغتني بالإدهاش ودفعني للتساؤل عن ماهية تركيبته الإنسانية والشعرية المبهرة. وما كنت أعلم أنني سأجد الإجابة الحاسمة على ضفاف القاش وبين جنبات جبل توتيل ! ولن أحدثكم عن حفاوة الاستقبال وكرم الضيافة وفخامة السكن وتسابق الجميع لخدمتنا والحرص على راحتنا، فهذا أحسبه ديدن كسلا وأهلها وقياداتها، ولن أحدثكم عن الوالي (آدم جماع) وذكائه الاجتماعي وإلمامه بالتفاصيل ورؤاه المستقبلية المبشرة وتواضعه الجم وعلاقته الوطيدة بمواطنية والتفاف الجميع حوله بالإجماع.. ولكني سأحدثكم عن الخضرة التي تكسو المكان والنهضة العمرانية التي بدأت تنتظم المدينة والحداثة والتطور على صعيد المباني والمعاني والصحوة الشاملة التي تعيشها كسلا لتبدأ عصر النهضة والفاعلية وتستعيد بالمقابل ما كانت عليه حين كانت ملاذاً للعشاق وملهمة للشعراء ومتكأ لكل باحث عن الراحة والاسترخاء والجمال.
تجولت فى كسلا لمدة ثلاثة أيام متتالية تزدحم بالزيارات الميدانية المفيدة للوقوف على حجم التحدي الذي ينتظم عموم الولاية ويساهم فيه الجميع دون الالتفات لفوارق الجنس والقبيلة والدين والانتماءات السياسية. كل الولاية تترقب بلهفة بزوغ نجم الدورة المدرسية المقبلة في سمائها!! وكلنا يعلم ماذا تعني استضافة ولاية ما لتلك الفعالية القومية وما يترتب عليها من تكاليف ومسؤوليات وأعباء على كافة الأصعدة.. وهو ما وجدنا إنسان كسلا يعيه تماماً ويلتف حول قيادته الرشيدة على أمل كسب التحدي الكبير وتحقيق الأهداف النبيلة المرجوة. ثم إن رحلتنا الميمونة هذه – والتى كفلت لي شخصياً المزيد من التواصل الحميم والتعرف على أساتذتي الكبار عن قرب – كانت تضج بالدعوات الكريمة والولائم الطيبة..
فالجميع يتبارى لإكرامنا قبائل وإدارات.. وظلت الحفاوة تحفنا من كل الجوانب بينما نستعرض الإنجازات الأمنية الكبيرة التي تحققها اللجنة الأمنية بمختلف عضويتها في مكافحة التهريب والمخدرات وتهريب البشر الذي سنعود له لاحقاً بالتفصيل كونه يعتبر جريمة دولية ترتكب في حق الإنسانية ويعتبر السودان واحداً من دول المعبر المهمة فيها. إن النسيج الاجتماعي المتلاحم الذي يميز هذه الولاية الوادعة الواعدة على تباين سكانها يدل بوضوح على نجاح رمزية (آدم جماع) ونجاحه في لم الشمل وتوحيد الصف من أجل ضمان تكاتف كافة الجهود والخروج بولاية كسلا من مأزق التراجع والتردي، لأنها تستحق أفضل مما هي عليه دون شك. وحين تقف على معدل التغيير الإيجابي الذي انتظم الصحة والتعليم وطال جامعة كسلا الرائدة، ستدرك أنهم ماضون في الاتجاه الصحيح بحسب ترتيب الأولويات والعمل عليها بتؤدة وتركيز، مع استصحاب كافة التفاصيل الدقيقة. باختصار..
كسلا ولاية تعلمك أن النهضة تبدأ بالإنسان كقائد وتنتهي عنده كمواطن يؤمن بقيادته ويتعاون معها.. ووالي ولاية كسلا رجل يترجم معاني البساطة والتواضع والرغبة الأكيدة في خلق واقع أفضل لمن هم تحت ولايته، مراهناً على صدقه وإخلاصه وأسلوبه الخاص في التعاطي مع الآخرين. تلويح: نمشي لي توتيل نزورو .. والجبل نعسان خدارو..
اندياح – داليا الياس
صحيفة آخر لحظة