الطيب مصطفى

أمن العاصمة والقنابل الموقوتة


لا أبالغ إن قلت إن عاصمتنا تتقلب في برميل من البارود سيما وأن الخرطوم ظلت منذ عقود من الزمان الهدف الأكبر الذي يقصده كل الطامعين سواء الباحثين عن الحكم بكل الوسائل بما فيها استخدام السلاح أو الراغبين في العيش الكريم هجرة إليها من مواطنهم داخل السودان أو من مواطن الاغتراب خارجه، وذلك نظرًا للتفاوت الكبير بينها وبين ولايات السودان الأخرى من حيث مستوى الخدمات أو الرقي العمراني والحضاري.

كل صاحب مال في السودان ضاق عليه العيش في مدينته التي نشأ فيها أو ولايته التي تجول في أرجائها وحام بين أريافها وحواضرها حتى أجدبت عواصم الولايات، أو كادت، من الأثرياء الذين باتوا يستكثرون إنشاء الدور والقصور في مواطن النشأة، ولست الآن بصدد الغوص في أسباب ذلك التفاوت الهائل بين ولايات السودان الأخرى والعاصمة القومية التي باتت تحتضن أكثر من ربع سكان السودان، وهو بلا أدنى شك خطأ بل خطيئة سياسية وتخطيطية ليس هذا مكان بحثها الآن بالرغم من أن معالجتها أضحت أمرًا ملحاً ينبغي أن يوضع على رأس أولويات الهم الوطني.

ما يعنيني الآن مهددات أمن العاصمة التي تحتاج إلى قرارات جريئة وعاجلة، ومن بين تلك المهددات الوجود الأجنبي الذي تتعامل معه الدولة بإهمال و(دروشة) لا تحاكيها فيه أي دولة في العالم.

خبِّروني عن دولة فقيرة تعاني من عجز كبير في اقتصادها ومن نقص كبير في خدمات الصحة والتعليم والكهرباء والمياه وغيرها وبالرغم من ذلك تفتح ذراعيها لكل وافد أجنبي قادم إليها بغض النظر عن أحواله الصحية أو المعيشية أو المادية أو عن علاقة دولته بالسودان حتى لو كانت في حالة حرب معه وكيد لم ينقطع منذ ما قبل الاستقلال؟!

أزعجني الحوار الذي نشرته صحيفة (الجريدة) مع مدير شرطة ولاية الخرطوم اللواء إبراهيم عثمان والذي كشف معلومات خطيرة عن التأثير السالب للنازحين نحو العاصمة والأخطار الداهمة التي يشكلونها، فقد قال ، لا فض فوه: (لا أريد القول إن الملف خارج عن السيطرة ولكن أصبح الوضع مقلقاً خاصة بعد الحرب الدائرة في دولة جنوب السودان ونزوح المواطنين)، وتحدث الرجل عن أن الخرطوم شهدت نزوح أعداد كبيرة يقيمون الآن بمعسكرات موجودة في أطراف المدن وداخل المدينة على الشريط النيلي بمسافة كبيرة كما كشف عن تردي الأوضاع بمعسكرات النازحين بمناطق أم بدة وجبل أولياء وشرق النيل، حيث تنتشر صناعة الخمور البلدية، كما تحدث عن وجود عصابات متفلتة، وعن الخطر الذي يشكله المشردون والمتسولون وعن وجود الحركات المسلحة داخل الجامعات وعن انتشار المخدرات وغير ذلك من أخطار مخيفة.

إقولها بإشفاق شديد إننا والله نتغافل عن أمر جلل ونتلهّى عنه بصغائر الأمور كمن يلعب بالنار بالرغم من أن العاصمة شهدت تفلتات خطيرة في سابق عهدها أوشكت أن تحيلها إلى حريق كبير كالذي لا نزال نشاهده في محيطنا الإقليمي المضطرب (سوريا، العراق، ليبيا، اليمن)، ومن ذلك مثلاً أحداث الإثنين الأسود في أغسطس 2005 وأحداث الأحد الدامي في عام 1964 وغير ذلك من أحداث جسام يشيب لهولها الولدان، ولكن مَن تراه يتّعظ أو يدق ناقوس الخطر؟!

أقول مذكراً إنه حتى الدول الرحيمة مثل تركيا التي راعت الظرف الإنساني القاهر للاجئين من جارتها سوريا أبقتهم في معسكرات أقيمت على حدود دولتهم حتى تسهل من عودتهم إلى بلادهم عند انجلاء الأزمة، أما نحن، مدمنو غمر الطين بالبلل بل بأنهار المياه فحدّث ولا حرج!

صدّقوني إني، رغم فقرنا المدقع، لست رافضاً لقيم الإحسان إلى أصحاب الحاجة مما حضّ عليه ديننا الحنيف ففي كل كبد رطبة أجر، سيما وأن الكرم قيمة مركوزة في الشخصية السودانية، لكن ينبغي أن يتم ذلك بالمعروف الذي لا يهدد أمننا القومي والاقتصادي والصحي والأخلاقي، ذلك أننا مأمورون بأن نفر من الطاعون كما نفر من الأسد، ولذلك فإن علينا أن نواجه قضية الوجود الأجنبي الذي ظللنا نحذر منذ زمن من آثاره السالبة على بلادنا، بما تستحقه من اهتمام.

فقد قرأت خبرين مهمين في هذا الاتجاه أولهما أن ولاية الخرطوم قررت إبعاد اللاجئين الجنوبيين إلى الولايات المتاخمة لحدود بلادهم، وذلك بإقامة معسكرات تأوي جميع النازحين الجنوبيين بالقرب من حدود بلادهم بعيدًا عن قرى المواطنين السودانيين، وأرجو ألا تتوانى الولاية وواليها الهمام في إنفاذ هذا الأمر الذي أعلن عنه قبل فترة، وليت المجلس التشريعي يُخضع هذا القرار لمتابعته حتى يتم إنفاذه في مدى زمني لا يتجاوز نهاية هذا العام، فمشكلتنا الكبرى على الدوام تتمثل في إنفاذ القرارات لا في اتخاذها.

الخبر الثاني أن جهاز الأمن والمخابرات الوطني كشف عن اتجاه لسن قوانين وتشريعات جديدة لضبط ورقابة الوجود الأجنبي .

لقد بُحّ صوتنا ونحن ننادي بأن تؤول قضية نزوح اللاجئين من دول الجوار إلى سلطة مركزية بدلاً من منحها للسلطات الولائية، سيما وأنها باتت أحد أكبر مهددات الأمن القومي بمعناه الشامل ومن شأن إيلاء الأمر إلى السلطات الولائية أن يؤدي إلى فشل ذريع يُفاقم من المشكلة بدلاً من علاجها بصورة جذرية.

التعامل الولائي مع قضية النزوح يتفاوت من ولاية إلى أخرى حسب انفعال سلطة كل ولاية بالأمر، وإذا تشددت ولاية وتساهلت أخرى مجاورة، فإن من شأن ذلك أن يحوّل النازحين إلى الولاية التي يسهل اختراق إجراءاتها فضلاً عن أن هذا الأمر قد لا يأتي على رأس أولويات الصرف الحكومي الولائي، فلكل ولاية ظروفها الضاغطة التي تختلف عن الأخرى، أما الصرف المركزي من خلال آلية محددة بموازنات محددة وخطة وسياسات موحدة في كل السودان فهو الكفيل بقطع دابر هذه المشكلة الخطيرة.

الطيب مصطفى
صحيفة الصيحة


تعليق واحد

  1. كلام عنصري باهت وقديم لا معنى له. الاجانب من عبروا الحدود وبفعلون الافاعيل في هذه البلدة التي اهنتم انسانها فاصبح بلا هوية
    على الاقل هؤلاء برغم انفصالهم نعرف عاداتهم وتقاليدهم . اما القادم الجديد فلا شي سوى انه ينطق اللغة وابيض البشره . و الله والله والله لو كنت انت اسود البشرة لكانت كتابتك غير ذلك .
    ولو كان فيهم خيرا لاحتضنهم جيرانهم واللبيب بالاشارة يفهم .
    وبعداك قبل ان تتشدق بالحرب الضروس عليهم اسال نفسك اولا لما انفصلوا ؟
    اوتدري لماذا . لانهم عانو التهميش والاحتقار من كل السودان شرقا وغربا وشمالا , شمالا حيث اعتبروا عبيدا وغربا وشرقا لانهم اعتبروا كفارا .
    اما هؤلاء القادمون من هناك بيض البشرة وينطقون بلسان القران هل عاشرتهم , عاشرهم وستجد انه لا يصلون ولايات الله لا يرتلون وللوعود مخالفين وخداعين وستثبت الايام ذلك . اما الجار الذى كان يسكن في داره قبل ان يفصله حزبك اليهودي هذا ,معروف عنه انه صريح بالرغم من انه لا يعرف من القران الا الاسم

    اذهب قاتلك الله انت وعنصريتك وتخلفك الى غير رجعة
    الله يمهل ولا يهمل , اذا لم ترجع الى الانسانية قبل الدين الذي هو براء منك سترى كيف ان الله سيذلك في هذه الدنيا قبل الاخرة