تحقيقات وتقارير

(تجارة الاعضاء البشرية).. إشاعة أم حقيقة؟

نقل الأعضاء.. (تجارة) على صفحات الجرائد لا علاقة لها بالواقع اختصاصيون: المستشفيات غير مجهزة لنقل الأعضاء فكيف يحدث ذلك في معامل متحركة؟ لا يختلف اثنان في أن من يمارس مهنة تجارة الاعضاء البشرية، من المستحيل أن يكون قد تربي في أسرة سوية غذَته بالقيم الفاضلة والأخلاق الحميدة، فجريمة الاتجار في الأعضاء البشرية تعد من أبشع الجرائم التي تتنافى مع الخلق الإنساني، وتتفق كل الأديان السماوية في تحريمها، ولا يتخلف قانون في العالم في أن لا يضع لها عقوبة. مهنة بهذه البشاعة هل تُمارس في السودان؟ وهل يوجد لها سوق داخلي؟ وكيف تمارس وهي تحتاج لمعامل متكاملة وفريق طبي متكامل؟ يبدأ بسحب العضو وحفظه وزرعه، وهل العضو المسحوب تم سحبه إجباراً؟ أم بمقابل مادي.. أسئلة كثيرة ومتداخلة طرحتها (آخر لحظة) على مختصين وخرجت بالحصيلة التالية: تحقيق :محمد بابكر شائعات:عدد من الأطباء جلست اليهم آخر لحظة رأوا أنه من الاستحالة أن تمارس مهنة تجارة الأعضاء في ظل ظروف السودان الحالية، لجهة أن ممارستها تحتاج لامكانات ودقة عالية، حتى لا يفسد النسيج أو الخلية المنقولة. يقول استشاري التشريح بمستشفى أم درمان التعليمي البروفيسور جمال يوسف أحمد: إن عمليات نقل الأعضاء في السودان تتم وفق قانون (1978م) والذي تم بموجبه تأسيس المراكز القومية للكلى بمستشفى ابن سينا وأحمد قاسم، جازماً باستحالة نقل الأعضاء في ظروف عادية.وأوضح أن عملية نقل العضو تتم بعد خضوع المريض والمتبرع لفحوصات تطابق الأنسجة، وتكون العملية في مستشفيات متخصصة، ومن ضمن شروط اجراء العملية أن يكون المتبرع له صلة قرابة بالمريض، ونيته التبرع لا البيع.البروفيسور جمال يوسف أحمد يؤكد وبوضوح عدم وجود عملية اتجار للأعضاء في السودان، خلال السنوات الثلاث الماضية لم تستقبل مشرحة أم درمان جثمانا مشوهاً أو مسلوبة منه الأعضاء، ويضيف قائلاً مثل هذه التجارة تحتاج لامكانيات عالية لابد من معامل توفر درجة برودة عالية وبمقدار محدد للعضو المنقول، وتوفر المعامل الحديثة المجهزة بأحدث التقنيات وغيرها، مشيراً لعملية التحمض التي تحدث بعد الوفاة مباشرة، والتي تؤدي لعدم الاستفادة من الجثامين وهذه النظرية تدحض شائعات تجارة الأعضاء.امكانيات: اختصاصي جراحة الكلى والمسالك البولية بمستشفى ام درمان محمد المنتصر يقول في إفادته لـ(آخر لحظة)، إن عملية نقل الأعضاء وخصوصاً الكلى تحتاج الى امكانيات عالية، وتستغرق عملية استئصال الكلية (4) ساعات، محدداً مستشفيات بعينها تقوم باجراء هذه العمليات الحساسة. وقبل إجراء العملية يقول د. المنتصر: نطلب من المريض والمتبرع فحوصات متعددة ودقيقة، ومن أهمها فحوصات الأنسجة التي تحدد توأمة وتطابق الأنسجة لاجراء العملية، وفي الغالب تكون العينة غير مطابقة للمريض حتى إذا كان المتبرع من أشقائه، ومن ثم يتم ادخال المريض والمتبرع في غرفتين منفصلتين بحضور طاقم من قسم الجراحة والممرضين والمخدرين، ويجب أن ينقل العضو المراد زراعته في غضون دقائق بعد حفظه داخل محاليل لتفادي عملية التلف. ويزيد المنتصر: من المحتمل أن يرفض الجسم العضو الجديد، وهذا ما يتطلب متابعة دقيقة للمريض وعناية فائقة، وقد تلاحظ أن المرضى الذين تزرع لهم هذه الكلى التجارية يتعرضون لجرعات هائلة من أدوية المناعة حتى تبدو الكلية وكأنها تعمل بصورة طبيعية. ويختم الدكتور المنتصر افادته قائلاً: ما يقال تجارة الأعضاء يجزم بعدم حدوثها بالمستشفيات السودانية، وما يتم تداوله في وسائل التواصل ليس له أساس من الصحة.قوانين:يؤكد نائب اختصاصي الجراحة د.خالد حسن أن عملية نقل الأعضاء تتم في ظروف بالغة التعقيد، وتكلف مبالغ مالية طائلة، وأن امكانات الدولة لا تسمح باجراء مثل هذه العمليات، ولكن هنالك عدد من المستشفيات المتخصصة في السودان كمستشفى أحمد قاسم، ومستشفى مدني لأمراض الكلى، حيث تتم عمليات نقل الكلى داخل هذه المستشفى ووفق قوانين وشروط وبعد موافقة ذوي المريض، إذا كانت الدولة لا تستطيع القيام بهذا العمل، فكيف بالتجار المزعومين، إذا كان الأمر يتم في دول أخرى يمكن أن نصدقه أما في السودان فلا.معامل: فني المعامل الدكتور أمير محمد، فقط سحب العينة من دم المتبرع والوصول الى نتيجة فحص الأنسجة تأخذ أكثر من (15) يوماً داخل المعمل، فكيف بمعامل متحركة في عربة- كما يقال عن تُجار الأعضاء- الأمر بالنسبة للدكتور أمير يدخل في خانة الاستحالة بالنظر الى ظروف السودان، ويقول، يعتبر تطابق الأنسجة من أهم عوامل نجاح العملية، حيث تسبق عملية نقل العضو المراد زراعتة عدة فحوصات لا يمكن أن تتم إلا في معامل مجهزة. ويضيف من الاستحالة أن تمارس تجارة الأعضاء في السودان نسبة لعدم توفر الظروف الملائمة وطبيعة التعقيدات والاجراءات التي تصاحب هذا النوع من العمليات، بجانب ندرة المعامل المتخصصة في الكشف عن التطابق الدقيق، ونقل عضو غير مطابق لمريض قد يؤدي لمضاعفات خطيرة، لافتاً لجهات تروج للإشاعات قد يكون الغرض منها سياسية لزعزعة الأمان، ولكن تدخلت الدولة ووضعت اجراءات احترازية.ظاهرة إعلامية:على الرغم من هذه الخطط والاحترازات، إلا أن تجارة الأعضاء أصبحت ظاهرة منتشرة في الآونة الأخيرة تتناولها الوسائط الحديثة، وهي تشكل عائقاً وتزعزع الأمن القومي- حسب قول الدكتور أمير محمد-ويضيف: العملية تتم على أيادي خبراء ومختصين في مجال الطب البشري بتخطيط كامل على يد شبكة من الخبراء المختصين في الجراحة، ومجال الطب البشري هل كل هذا متوفر للتجار!؟.فتوى:من جهته رئيس الرابطة الشرعية للعلماء والدعاة الشيخ الأمين الحاج أفتى بعدم جواز المتاجرة بأعضاء البشر كالكلى أو الدم، لأنها ملك الله تعالى ولا يحق للمؤمن أن يبيع أعضاء جسمه على اعتبار أن هذا الفعل شروع في قتل النفس. فيما يتعلق بالتبرع لانقاذ حياة شخص، يقول الشيخ الأمين الحاج، اجاز العلماء التبرع بالأعضاء في سبيل الله، وقد أجاز كثير من أهل العلم ذلك إذا دعت الحاجة، وقرر الأطباء أن لا خطر على صاحبها إذا نُزِعَت منه، وأنها صالحة لمن نزعت من أجله، وكانت نية المسلم بذلك الإحسان لأخيه، وتنفيس الكرب عنه، وابتغاء الثواب من الله، وإذا جاءه بعد ذلك شيء من المال مكافأة فلا ضير في ذلك، ويشمل التبرع بالكلية والقَرَنِيَّةِ بعد التَأَكُّد من موت صاحبها، وزرعها في عين إنسان معصوم مضطر إليها، وغلب على الظن نجاح عملية زَرْعِهَا، ما لم يمنع أولياء الميت.. وأشار الحاج لوجود سماسرة أعضاء يروجون لمثل هذه التجارة. وأعتبر خبير حقوق الإنسان حسين كرشوم عملية الاتجارة بالبشر جريمة بشعة، يعاقب عليها القانون وجميع الأعراف والقوانين الدولية، التي تنص على المحافظة على كرامة الإنسان التي بموجبها تحرم الاتجار بالبشر.وأشار كرشوم الى أن السودان عضو فعال في منظمة مكافحة الاتجار بالبشر.. داعياً جميع الدول الأعضاء اتخاذ الاجراءات القانونية اللازمة، إذ توفرت لديها مصادر عن تجارة الأعضاء، مبيناً أن عملية زراعة الكلى في السودان تسير وفق لوائح القوانين المنصوص عليها دولياً، حيث يتم التبرع بالعضو من ذوي المريض نفسه دون مقابل مادي.

اخر لحظة