الطيب مصطفى

المشردون يا والي الخرطوم


حق لصحيفة (السوداني) أن تبرزه مانشيتاً عريضا يقول : (ضبط (29) طفلاً سرقوا (38) سيارة بالخرطوم) فهو نسخة أخرى شبيهة بالخبر الأنموذج (عض الرجل كلباً) الذي يقدم لدارسي الإعلام.دعونا نحاول تفكيك الخبر وتحليله في سبيل إيجاد المعالجة الاجتماعية والسلوكية المطلوبة.

يقول الخبر إن مباحث شرطة ولاية الخرطوم ضبطت أربع مجموعات مختلفة من الأطفال تخصصت في سرقة السيارات الملاكي بالخرطوم وأوقفت الشرطة (29) طفلاً متهماً أقروا بسرقة (38) سيارة بالخرطوم.

عندما يتجمع ويتنظم أطفال صغار بهذا العدد الكبير وتبلغ بهم الجرأة أن يقوموا بسرقة (38) سيارة في قلب العاصمة فإن ذلك ينبغي أن يجعلنا ندق ناقوس الخطر ونجد في سبر غور الظاهرة الخطيرة لنسعى إلى إيجاد المعالجات اللازمة لوأدها قبل أن تتفاقم.

انظروا بالله عليكم شمالاً ويميناً وأنتم تتوقفون بسياراتكم أمام إشارات المرور في أي من شوارع العاصمة ..أطفال يتسولون وآخرون ينقضون (بفوطهم) على زجاج السيارات دون إذن أصحابها وآخرون يتعاركون .. لو حسبت أعدادهم في مختلف مناطق العاصمة لوجدتهم بالآلاف.

أرجو أن أنقل إليكم خبراً آخر منشوراً في (الانتباهة) بعنوان : (أمن المجتمع : (الأجانب يسيطرون على مهنة التسول) .. ويقول متن الخبر إن شرطة أمن المجتمع توصلت إلى معلومات خطيرة حول ظاهرة التسول التي تديرها شبكات متخصصة في تهريب البشر واستغلال النساء فضلا عن دخول طالبات جامعيات في دائرة التسول المنظم وان شرطة امن المجتمع شكلت غرفة مشتركة للتصدي للظاهرة التي تنشط في خواتيم رمضان(!

هناك تصريحات سابقة من مسؤولين حكوميين اكدت ان الاجانب يشكلون (80)% من المتسولين!

بالله عليكم هل تسمح أية دولة في العالم بأن يفعل بها الأجانب هذه الأفاعيل؟ الجنوب يواصل إدخال الآلاف من مواطنيه إلى بلادنا كل يوم أو كل حين وهم يعانون من الكوليرا والأيدز والسل وغيرها من الأوبئة وبدلاً من حجزهم في مخيمات قريبة من حدود بلادهم يتسللون إلى كل ولايات ومدن السودان بما في ذلك الخرطوم بالرغم من أن بلادنا تعاني جراء العدوى القادمة مع أولئك اللاجئين من إسهالات مائية في العديد من المدن السودانية كبدتها خسائر اقتصادية واجتماعية كبيرة.

لن أستفيض في الحديث عن الحرب التي تشنها علينا دولتهم من خلال دعم المتمردين أو الخمور البلدية التي ينشرونها من مخيماتهم المنتشرة في محليات ولاية الخرطوم.

الأطفال المشردون الذين يتحلقون حول إشارات المرور ويقيمون في الأسواق أو حول صالات المناسبات ، ينامون في الشوارع وأمام الكباري .. لا دولة ترعاهم أو بيوت أو أسر تأويهم ناهيك عن مدارس تزيل أميتهم وتهذب سلوكهم وتعلمهم فرائض دينهم … لا أجد وصفاً لهؤلاء المساكين أدق من أنهم (قنابل موقوتة) نرى بين الفينة والأخرى نماذج مشينة من انحرافاتهم وإضرارهم بالمجتمع وبالدولة حتى قبل أن يبلغوا الحلم ويكفي خبر السيارات المسروقة دليلاً ساطعاً على ذلك فبربكم ماذا سيصبح هؤلاء عندما يشبون؟!

وزير الدولة للتربية والتعليم أعلن مراراً أن عدد الأميّين في السودان يتجاوز العشرة ملايين ولم تفعل الدولة شيئاً لمواجهة هذه المشكلة الكبرى التي تستحق إنشاء وزارة كاملة كالتربية ذلك أن تعليم الكبار يعتبر ، في نظري ، أكثر أهمية من تعليم الصغار ..ذلك أن أمية الكبار تفوق تداعياتها وآثارها الكارثية آثار أمية الصغار وقد قلتها في البرلمان أن حروب داحس والغبراء التي تحتدم بين القبائل السودانية تتأثر كثيراً بالأمية التي تجثم بكلكلها على صدر المجتمع السوداني.

جبت كثيراً من الدول الأفريقية سواء شرقها أو غربها أو جنوبها وأقولها بكل صدق إنه ما من ظاهرة كانت تحفر صورة ذهنية سالبة لديّ عن أي من الدول مثل التسول فلا شيء يشوه صورة الدولة مثل رؤية المتسولين في الشوارع وإشارات المرور .

معلوم أن كثيراً من المتسولين يبدون في أشكال تستدر عطف المحسنين ففيهم المعوقون والصم والبكم والعميان ممن يثيرون مشاعر العطف مع مشاعر أخرى تسيء إلى سمعة ومكانة الدولة في نفوس الأجانب الذين رأيت بعيني رأسي كيف يتدافع المتسولون نحوهم طالبين العون منهم.

يبدو لي أن الدولة عجزت عن حل مشكلة المشردين والمتسولين رغم قانون التسول فلا هي أرجعتهم إلى أسرهم التي ينبغي أن تخضع لعقوبات صارمة جراء تقصيرها في حق أطفالها ولا أدخلتهم إلى إصلاحيات صالحة لتعليمهم وتدريبهم على مهارات تمكنهم من العيش الكريم فقد نقلت من قبل خبراً يقول إن (80)% من نزلاء إصلاحية كوبر متهمون بالاغتصاب و(20) % بالقتل ويقول الخبر إن الشرطة (كشفت عن ارتفاع جرائم الاعتداءات الجنسية من أطفال ضد أطفال بينما انخفضت اعتداءات الكبار ضد أطفال بسبب العقوبات الرادعة)!

فتش عن قانون الطفل الذي يعامل ابن وابنة السابعة عشر على أساس أنها طفلة حتى لو كانت أما لطفلين أو ثلاثة وحتى لو كان ابن السابعة عشر طالباً جامعياً وشاباً مفتول العضلات!

نبحنا و(كوركنا) ولم يحفل بصراخنا أحد فقوانين (سيداو) أقوى من أن يقترب منها أحد كائنا من كان بعد أن حلت محل قوانين (المشروع الحضاري)!

هؤلاء المتسولون والمشردون عار على جبيننا جميعا فهل يفعل والي الخرطوم شيئاً لايوائهم أو معالجة مشكلاتهم من خلال إيجاد آلية دائمة تتصدى للمشكلة على مدار الساعة؟

*نُعيد نشر المقال لأهميته ولنفاد المطبوع من الصحيفة في ذلك اليوم

الطيب مصطفى
صحيفة الصيحة


تعليق واحد

  1. استاذي الجليل الطيب مصطفي
    لقد اسمعت ان ناديت حيا ولكن لاحياة لمن تنادي . استاذي انا مهندس مدني اقيم في دول الخليج لطبيعة عملي اتنقل من دولة الي اخري فالشعار الغير معلن هناك يا غريب خليك اديب . واذا حدث اي مشكلة مع مواطن كما حدث لي فوالله لن ينصفك الا رب العزة . اول كلام يقوله لك الضابط اذا ما تحترم مواطن البلد غادر الان . فهذا البلد للسعوديين اما انت اما تحترم اصحاب البلد او تغادر . الا نحن في السودان نهان من الاجانب في بلادنا ونسرق من الاجانب في بلادنا . هل هذا الوطن ملك مواطنيه ام للاجانب بالله ياستاذي اطرق هذا الموضوع حتي نحس بان لنا وطن يحمينا . تلميدكم الفجوع بوطنه والتغرب قسراً بدر الدين