جعفر عباس

مواشي وأوادم


لأنني أكره أن يقوم الصديق موسى بتحذيري بأسلوب البخلاء بأنه ليس لدى »أخبار الخليج« مقال لي للنشر في اليوم التالي، )يتمثّل البخل في أنه يرسل إلي رسالة هاتفية نصية تتألف من كلمة واحدة هي »بح«، ولا أفهم السر في حرصه على ترشيد إنفاق الكلمات، لأنه من الناحية المادية فإن كلفة رسالة نصية من كلمة واحدة وأخرى من سبع كلمات سيم، سيم(، المهم تفاديا لـ»بح« تلك -قدر المستطاع- أجلس لساعات لأكتب عدة مقالات دفعة واحدة وأرسلها إلى الصحيفة )وهذا ما يؤدي إلى »بح« لأنني لا أحسبها جيدا بل أحسب مثلا أنني بعثت مقالات تغطي خمسة أيام لتأتيني »بح« في اليوم الخامس، فأدرك أنني أرسلت فقط أربعة مقالات(.

وتأسيسا على ما سلف من كلام أهنئكم بعيد الأضحى المبارك، كي لا يفوتني واجب التهنئة لأن رصيدي من المقالات لدى الصحيفة قد يكون كبيرا ويأتي العيد الكبير من دون أن أتمكن من تقديم التهاني لجميع المسلمين بادئا بقراء هذه الصحيفة.
وفي ذاكرة كلّ منا وقائع وحكايات غريبة أو طريفة تتعلق بشهر رمضان الكريم أو العيدين أو المناسبات العامة، وكتبت كثيرا عن تجربة صديقي الذي كان يعمل معي في صحيفة الاتحاد في أبوظبي ودخل عليه أول عيد أضحى وهو متزوج، وكنا نقف سويا في طابور طويل في المسلخ في صباح يوم العيد وكل منا ينظر الى خروفه الأسترالي بـ»فخر«، وعندما جاء الدور على خروف صاحبي، رفض أن ينهض من رقاده، فصاح فيه: هكذا حال الدنيا، ومن لم يمت بالسكين مات بغيرها، ولكن الخروف عاند وظل راقدا. المهم أن الجزار اكتشف أن الخروف قد مات، فصرخ صديقي: شو؟ شنو؟ وات؟ مات؟ مات نهائيا؟ مفيش أمل؟ فأبلغه الجزار الهندي: بابا كروف هادا واجد موت.. فينيش.. فانهال صاحبي على الخروف بالشلوت: يا تافه! ليه ما تموت في بلدك؟ جاي من استراليا عشان انا أشتريك فطيس؟

في نيوزيلندا التي تربطني بها علاقات عاطفية، )لأنها أعطت ابني البكر جواز سفرها(، أراد مهاجر عراقي أن يحتفل بعيد الأضحى كما يليق بمسلم فأتى بكبش فاخر، ثم استقبل القبلة: الله أكبر. وجز عنق الكبش، وأخذت السلطات علما بما حدث فتحركت قوات مكافحة الشغب ومعها كتيبة مدرعات، وحاصرت بيت صاحبنا العراقي، وفرضت عليه حظرًا جويًّا ونفطيًّا، وطالبته بتسليم السكين التي ذبح بها الخروف، باعتبار أنها من أسلحة الدمار الشامل، ثم اقتادوه إلى القيادة العامة للقوات المسلحة النيوزيلندية حيث مثل أمام محكمة عسكرية إيجازيه، حكمت عليه بغرامة قدرها عشرة آلاف دولار، بعد إدانته بارتكاب جريمة »بشعة« تمثلت في ذبح خروف بريء من دون تخديره، ومن دون الحصول على الموافقة على ذبحه من أمه »النعجة«!! وهكذا دفع صاحبنا قيمة أضحيات 75 سنة مقابل كبش واحد )حدث هذا فعلا ولكنني زدت جرعة البهارات(.

في هولندا والدنمارك ونيوزلندا وغيرها، لكل بقرة ونعجة ملف فيه شهادة الميلاد وشجرة النسب ووثيقة التأمين والشهادات المدرسية، وإذا ماتت إحداها، فلا بد من الحصول على شهادة وفاة تشرح أسباب موتها، وطريقة توزيع الميراث من روث وتبن على ذريتها، ولا بد من تسجيل أي عملية بيع للمواشي كي تكون السلطات على علم بالمكان الذي انتقل إليه الرأس المباع، وفي العالم العربي تحتجز السلطات آدميا، فيظل أهله ينتقلون من سجن إلى مخفر بحثا عنه من دون أن يعثروا على ورقة تشير إلى مكان احتجازه، وقد تقول السلطات إنه ليس محتجزا ثم تتصل بأسرته بعد ذلك ببضعة أيام لإبلاغها بأنه مات في السجن إثر نوبة قلبية أمهلته طويلاً.

وقد سبق لي أن سردت حكاية السوداني الذي كان يقيم في لندن واستدرج الحمام ليعشش ويفرخ ويبيض في شرفة بيته فضمن لنفسه وجبات شهية من فراخ الحمام التي كان يذبحها ويتخلص من فضلاتها داخل دورة المياه، وكان جيرانه البريطانيون يحبونه لأنهم حسبوا أنه يحب الحمام »لله في لله« ولو علموا بأمره لذبحوه في الشارع ونثروا لحمه للحمام!

زاوية غائمة
جعفـر عبـاس


تعليق واحد

  1. سلام عليكم
    بالرغم من أنني أؤيد الرأي الخاص؛ إلا أنني أول مرة أعرف أن الصحافة هي بالضبط ونسة المدرس في العشرة دقائق الأخيرة من الحصة!!!!!!!!!!!!!!!