تحقيقات وتقارير

الخـرطوم وطرابلس..تعاون في الحقل ولا خـلاف على البيـدر


تأخر طائرة الضيف الليبي, لم تخصم كثيراً من أهمية زيارة رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني الليبية فائز السراج للخرطوم, ثالث ضيف مهم يحل على السودان في أقل من أسبوعين, الضيف الليبي وصفت زيارته بالمهمة حتى وسط الصحافيين,

وغابت في مرات نادرة إحساس الصحافي بأن الأمر مجرد تغطية روتينية لزيارة ما لضيف.
الزيارة المهمة التي قام بها السراج للخرطوم تأتي في إطار دعوة مسبقة من رئاسة الجمهورية، فيما توجد أيضاً ضمن جولة للسراج نفسه في عدد من دول المنطقة بعد عملية التقارب مع اللواء حفتر واجتماعي الإمارات وفرنسا, اللافت في الزيارة أن الوفد الليبي لم يكن بحجم كبير وهي فرضية ربما صنعتها الأوضاع الليبية التي تمر بمرحلة حرجة رغم الجهود الإقليمية والدولية لحصارها ونقلها لمرحلة الاستقرار, عموماً الزيارة كان جيدة. وأظهر السراج في تصريحات مشتركة مع الرئيس البشير عقب جلسة مباحثات استمرت زهاء الساعتين, أظهر تماسكاً كبيراً في تشخيص الحالة الليبية، وتطرق الى العلاقات مع الحكومة هنا في الخرطوم, وطلب مزيداً من تقويتها رغم حالة المد والجزر التي ظل يعتريها طوال الحقب السياسية السابقة.
هذه الزيارة رغم قصر فترتها الزمنية المقدرة بيوم واحد بحسب برنامج الضيف الليبي الذي يغادر صباح اليوم, إلا أنها بقياس التواصل بين البلدين، تعد فرصة جيدة في ظل تقلبات عنيفة واتهامات كالتها أجهزة ليبية للحكومة في الخرطوم بتسليح جماعات ليبية، وهي تهمة نفتها وزارة الخارجية ورأت أنها غير صحيحة البتة خاصة وأن الاتهامات صيغت بطريقة مخلة في تسمية الأشياء, وانتقلت التقلبات بعد ذلك بإغلاق قنصلية السودان في الكفرة الليبية من قبل الطرف الآخر في ليبيا, هذه الملفات رغم عدم تطرق الرئيسين لها إلا أنها بكل تأكيد كانت محور الحديث في مجمله بينهما , وربما تشهد الأيام المقبلة عنواناً جديداً لتلك التقلبات , وتنجح جهود هنا وهناك في إعادة فتح القنصلية وسحب تلك الاتهامات.
«1»
عقب هبوط طائرة السراج، وانتهاء مراسم وبروتكول الاستقبال الرسمي الذي قام به الرئيس عمر البشير للضيف الليبي, أكد وزير الخارجية إبراهيم غندور، موقف السودان الداعم لاتفاق الصخيرات، ووقوفه مع حكومة ليبيا المعترف بها شرعيا من قبل المجتمع الدولي، مضيفاً أن السودان يدعم أمن وسلامة ووحدة ليبيا وإنهاء حالة النزاع ووضع السلاح بين الفرقاء الليبيين.
وأضاف غندور للصحافيين بمطار الخرطوم , أن السودان ظل يحمي الحدود الليبية، ويسهم في منع عمليات الهجرة غير الشرعية ودخول المتفلتين من الحركات المسلحة. وابان في ذات الأثناء أن أهمية الزيارة تأتي من منطلق أن ليبيا تشهد مرحلة دقيقة من تاريخها, مجددا موقف السودان الثابت مع أمن وسلامة ليبيا ووحدة فرقائها.
وأضاف غندور أنه خلال الزيارة ستتم مناقشة عدد من الملفات، أهمها دعم واستقرار الأوضاع في ليبيا، لأن السودان ظل يحرس الحدود السودانية الليبية التي تمر بها كل أشكال الظواهر السالبة. ونبه إلى وجود حركات متمردة سودانية، دخلت ليبيا بعد دحرها في دارفور، واحتضنتها بعض الجهات الليبية الخارجة عن الشرعية وعن الحكومة الليبية.
«2»
عمق العلاقات كان بداية حديث الرئيس عمر البشير, فبعد جولة مباحثات بين الطرفين استمرت ساعتين أو أكثر, عقد الرئيسان مؤتمرا صحفيا مشتركا, أكد فيه الرئيس البشير عمق الروابط التاريخية بين السودان وليبيا, وهي روابط دينية وعرقية وثقافية وسياسية، ورأى البشير ان هنالك توافقاً بين الشعبين الليبي والسوداني تحكي عنه بعض القبائل المشتركة عن هذا الترابط، وأضاف ” كثيرون منا اطلعوا على مذكرات الإخوة الذين كانوا في قوة دفاع السودان في الحرب العالمية الثانية، وهناك تعاون وحركة مستمرة بين السودان وليبيا وظل هذا التعاون مستمراً رغم وجود الصحراء”.
«3»
ونوه الرئيس البشير الى أن الثورة الليبية وجدت وقفة إلى جوار الشعب الليبي. وقال”عندما قامت ثورة الشعب الليبي ما كان لنا إلا ان نقف إلى جوار الشعب الليبي, وكنا كلنا أمل ان تكون نتائج هذه الثورة هي حقيقة لتلبية تطلعات الشعب الليبي في تحقيق الأمن والاستقرار والتنمية والطمأنينة والرفاهية لما تتميز به ليبيا من موقع إستراتيجي وموارد تقدم للمواطن الليبي الاحتياجات الخدمية والمعاشية والأمنية.
وذكر البشير أنه وبكل أسف سارت الأمور عكس ما نريد, و”حصل ما حصل في ليبيا”، مؤكداً أن الجهد ينصب في خانة الاستمرار في دعم الشعب الليبي والأمن الليبي، وأضاف ” عندما نشأت حكومة الوفاق نتيجة لحوار ليبي لفترة استبشرنا خيرا بأن هناك حكومة معترف بها إقليميا ودولياً وبداية مطلوبة لاستقرار ليبيا ومتفق عليها من الشعب الليبي، وعندها الاعتراف والسند الإقليمي والدولي، لكنا ما زلنا نعايش المشاكل داخل ليبيا وكلنا أمل ونتطلع لمكونات الشعب الليبي بدعم من الأشقاء من دول الجوار القريب والبعيد لتعمل على دعم الاستقرار وجمع الكلمة ووحدة الصف في ليبيا”.
ولفت البشير الى تأثر السودان بشكل مباشر بالأوضاع في ليبيا , منوهاً في ذات الوقت الى تأثر السودان وشعبه بكل ألم للشعب الليبي وسعادته بسعادتهم. ورأى أن عدم الاستقرار في الساحة الليبية كلفته عالية على السودان لجهة محاربة الهجرة غير الشرعية والاتجار بالبشر والجريمة العابرة التي تحاول جهات استغلال الفراغ الداخلي في ليبيا في أن يكون السودان أحد هذه البوابات والمعابر.
«4»
وجود الحركات المسلحة السودانية في ليبيا كان جزءًا من حديث الرئيس البشير الذي قال إن وجود مرتزقة سودانيين من المقاتلين في ليبيا يشكل تهديدا مباشرا للسودان. وأبدى بالمقابل أمله في أن تكون الزيارة قاعدة لانطلاقة جديدة في علاقات البلدين. وتابع بالقول إن السودان يؤكد ان ليست لديه أجندة، ومضى قائلاً ” أجندتنا في الساحة الليبية وحدة واستقرار وطمأنينة وأمن ليبيا وأن تحل كل مشكلات الشعب الليبي, ونؤكد ليست لنا أجندة خاصة غير مصلحة الشعب الليبي ووحدة الشعب الليبي أولا وثانيا وأخيراً.
«5»
السراج قدم في مستهل حديثه شكره للسودان على مواقفه الداعمة للشعب الليبي. وقال إن الزيارة تأتي في إطار التشاور مع الدول الشقيقة والصديقة.
وأوضح السراج أن المباحثات ناقشت التحديات الموجودة وتطورات الوضع السياسي في ليبيا والتحديات التي تواجه ليبيا سياسيا واقتصاديا وأمنيا لحل الأزمة الراهنة وتحقيق مصالحة وطنية تنهي حالة الانقسام وتوحد مؤسسات الدولة لتصل إلى انتخابات تشريعية ورئاسية.
«6»
وكشف السراج عن تطرق الحديث إلى أهمية العمل المشترك لتأمين الحدود المشتركة وتفعيل الاتفاقيات الامنية على وجه الخصوص , وبحثت العلاقات الثنائية ودعم العلاقات في عدد من المجالات الحيوية والاقتصادية وتفعيل اتفاقيات التعاون المشترك والتكامل الليبي السوداني لتشجيع الاستثمار.
وذكر السراج, أن السودان دولة جارة إلى ليبيا , وتشكل عمقا إستراتيجياً، ومرت العلاقات خلال الفترة الماضية بحالات مد وجزر، إلا أن العلاقات الشعبية بين البلدين لم تتأثر بالتقلبات السياسية، وأضاف “نحن نعمل على الاستفادة من أخطاء الماضي وبناء علاقات قوية وإستراتيجية في حاضر ومستقبل البلدين”.
«7»
ونبه السراج، إلى أنه منذ توقيع اتفاق الصخيرات الذي كان نتاجاً لحوار استمر أكثر من سنة ، توج بإعلان حكومة الوفاق، ومنذ بدايتنا طرقنا كل الأبواب مع كل الأطراف الليبية لتوسعة أرضية التوافق لأطراف العملية السياسية، وكانت هناك انسدادات في الفترة الماضية وعرضنا مبادرتنا الأخيرة وخارطة الطريق التي تنادي بمحاربة الإرهاب وتوحيد المؤسسات المدنية والعسكرية والدعوة لانتخابات تشريعية ورئاسية وبرلمانية في أقرب فرصة حتى نخرج من حالة الانسداد التي تمر بها ليبيا . وأضاف إن هناك أجساماً أخرى وقعت على اتفاق سياسي لمجلس النواب ومجلس الدولة , نأمل أن هذين الجسمين أن يتحملا مسؤوليتهما التاريخية ويقوما بالإجراءات اللازمة حتى نعبر المرحلة الحرجة التي تمر بها ليبيا.
«8»
وفي غضون ذلك, وقع البلدان على مذكرة إنشاء لجنة للتشاور السياسي بين السودان وليبيا على مستوى وزيري خارجية البلدين بحضور الرئيس عمر البشير ورئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني الليبية فائز السراج. ووقع عن السودان وزير الخارجية إبراهيم غندور، فيما وقع عن الجانب الليبي وزير الخارجية محمد الطاهر سيالة.

هيثم عثمان
الانتباهة