لقاءات الشعبي ..مبادرات سلام أم محاولات تقارب مع حلفاء الأمس
لا يبدو أن المؤتمر الشعبي سوف يضع عصا ترحال لقاءاته (المكوكية) مع القوى السياسية المشاركة في الحكومة والمعارضة – قريباً- حتى ينجز ما يهدف إليه وفق خطة تبدو واضحة لسرعة وتتابع تلك اللقاءات مع زعماء القوى السياسية، فبعد سلسلة لقاءات أمينه العام د.”علي الحاج” مؤخراً بالأحزاب والقوى السياسية المعارضة التقى على نحو مفاجئ أمس، رئيس الجمهورية “عمر البشير”، بمكتبه في القصر الجمهوري أمس (الاثنين)، وتناول اللقاء سبل إنفاذ مخرجات الحوار الوطني وتحقيق السلام والتنمية في ربوع البلاد كافة.
وقال “علي الحاج” في تصريحات صحفية عقب اللقاء، إن مبادرته الخاصة بالسلام وإيقاف الحرب تأتي في إطار الجهود المبذولة لتحقيق السلام بالبلاد ودعم مخرجات الحوار الوطني. وأشار إلى أن اللقاء تطرَّق لعدد من القضايا التي تشهدها الساحة السياسية، معلناً مواصلة الجهود للاتصال بالممانعين والحركات والقوى السياسية بالداخل والخارج للحاق بعملية الحوار الوطني. وكان “الحاج” قد أجرى في وقت سابق سلسلة لقاءات حول السلام مع قيادات حزبية معارضة في الحزبين الشيوعي والبعث، يجئ لقاء الرئيس بـ”علي الحاج” في وقت تشهد فيه الساحة حراكاً على مستويات مختلفة وحديث عن بطء تنفيذ مخرجات الحوار الوطني وأداء حكومة الوفاق الوطني التي يشارك فيها المؤتمر الشعبي، ووفقاً لتصريح سابق لـ”علي الحاج” أن اجتماع اللجنة التنسيقية العليا للحوار انعقد بعد مضي ستة أشهر – تقريباً – من اجتماع اللجنة السابق وتم النقاش حول تكوين المجلس الأعلى للسلام الذي يتبع لرئاسة الجمهورية يختص بتحقيق السلام .
لقاء طارئ
الملاحظ أن اللقاء بين الرئيس و”علي الحاج” جاء بعد فترة طويلة، ويدل على أن هناك موضوعات طارئة وعاجلة، والدليل على ذلك أن اللقاء الأخير بينهما تم بعد التعقيدات التي شهدها موضوع الحريات مؤخراً.
في الصعيد ذاته يبدو أن موضوع السلام لازال يؤرق مضاجع المؤتمر الشعبي، ولم يُفعَّل بالصورة التي شارك من أجلها الحزب في موضوع الحوار وحكومة الوفاق، كما أن قضايا الاقتصاد والمعيشة التي تضمنتها محاور الحوار لم تشهد تغييرات تبشِّر بإصلاحات ولم يكتمل تأسيس المفوَّضيات، كذلك في أكتوبر 2016م، تقريباً، تحددت غايات وأهداف الحوار الوطني من خلال خارطة طريق وتضمَّنت الاتفاق على التأسيس الدستوري والسياسي والمجتمعي في إطار توافقي بين السودانيين ينشئ دولة عادلة وراشدة ونظاماً سياسياً فاعلاً والتناصر والتعاون بين جميع السودانيين لتجاوز أزمات السودان، بجانب التوافق على دستور وتشريعات قانونية تكفل الحريات والحقوق والعدالة الاجتماعية والاتفاق على نظم مستقلة لحماية تلك الحقوق والتوافق على التشريعات والإجراءات الضرورية لقيام انتخابات عادلة تحت إشراف مفوَّضية مستقلة.
قضايا مهمة
عدم تفعيل بنود إيقاف الحرب وتحقيق السلام وبسط الحريات يكون أمراً مُلِحَّاً دعا المؤتمر الشعبي لإطلاق مبادرته التي طالب فيها بوقف الحرب وإحلال السلام والشروع مباشرة في الاتصال بالأحزاب الممانعة والدخول في مبادرات معها، حيث التقى الأمين العام للمؤتمر الشعبي بزعيم حزب الأمة القومي بمنزله بالملازمين بغرض المعايدة، ودفع “علي الحاج” بمبادرة حزبه، مؤكداً أن زعيم حزب الأمة القومي “الصادق المهدي” رحَّب بالمبادرة، وأكَّد أن أهل السودان قادرون على أن يلتقوا على كلمة سواء، مبيِّناً أن أهل السودان لديهم خبرات سياسية عريقة وعميقة ولهم تراث للتسامح يسمح لهم أن يتفقوا في إيجاد مخرج للبلاد لتحقيق السلام العادل الشامل والتحوُّل الديمقراطي الكامل. وهذا الترحيب من “المهدي” يمكن أن يكون عجَّل بلقاء الرئيس و”علي الحاج” خوفاً من أن يقود مستقبلاً للتنسيق في المواقف بين حزبَيْ الأمة القومي والمؤتمر الشعبي.
وفي إطار تسويق المؤتمر الشعبي لمبادرته كان قد التقى كذلك أول أمس، الأمين العام للمؤتمر الشعبي دكتور “علي الحاج” بالسكرتير العام للحزب الشيوعي “محمد مختار الخطيب”، وبحسب بيان مشترك من الحزبين أن الاجتماع خلُص إلى أن قضية الحريات شرط أساسي ومدخل لحل قضايا الوطن، واتفقا على أن الوقف الشامل للحرب لن يتحقق بدون معالجة الأسباب التي أدت إليها، وبالنظر إلى هذه القضايا نجد أنها تمثِّل أولوية بالنسبة للمؤتمر الشعبي، فقبل ذلك تبنَّى الشعبي في جلسات الحوار الوطني قضية الحريات حتى تم تضمينها في المخرجات، لكن اللجنة الطارئة للدستور التي كوَّنها الرئيس برئاسة “بدرية سليمان” قامت ببعض التعديلات في موضوع الحريات أغضبت قيادات المؤتمر الشعبي، فليس مستبعداً أن يكون القصد من هذه الزيارات تقوية موقف الحزب في التمسُّك بهذه القضية، خاصة أن القيادي بالحزب، رئيس كتلة الشعبي بالبرلمان، “كمال عمر” ظل يتحدَّث عن أن المؤتمر الشعبي لن يتخلَّى عن قضية الحريات وفق الرؤية التي طرحها في الحوار، بالنسبة لمبادرة وقف الحرب، فكل القراءات تشير إلى أن المؤتمر الشعبي يسعى إلى الدخول في مسألة التفاوض مع أحزاب حكومة الوفاق الوطني وطرح رؤية هذه الأحزاب ومن بينها الشعبي بدلاً من أن تختصر المسألة على رؤية المؤتمر الوطني، كما كان يحدث من قبل، وعلى ضوء أن المؤتمر الشعبي تربطه علاقات بحركات مُسلَّحة رافضة للحوار.
والتقى المؤتمر الشعبي بحزب البعث السوداني ممثلاً في الأستاذ “يحيى حسين”، فيما رهن حزب البعث الأصل بقيادة “محمد ضياء” لقاءه بالشعبي بالاتفاق على إسقاط النظام أولاً. هناك ثمة ملاحظة أن المؤتمر الشعبي ابتدر لقاءاته بالأحزاب المعارضة للحوار الشيء الذي يمكن أن يفهم في سياق أن المؤتمر الشعبي ربما شعر ببطء تنفيذ مخرجات الحوار وأراد أن ينتهج مبدأ التكتيك السياسي من خلال اللجوء إلى الأحزاب المعارضة للحوار الوطني وتنشيط العلاقة مع حلفاء الأمس، حتى يؤكد للمؤتمر الوطني أنه يمكن أن ينفض يده في أية لحظة من حكومة الوفاق الوطني، ولهذا السبب جاء لقاء “علي الحاج” بالرئيس.
ورغم أن دكتور “علي الحاج” كان حريصاً على توضيح أن هذه اللقاءات لا تخرج عن إطار الحوار الوطني مستصحباً معه التطمينات التي بعث بها الشعبي، ممثلاً في أمينه العام للحزب الحاكم وحلفائه، إلا أن ثمة استفهامات تعلن عن نفسها وعن جدواها، خاصة وأن من التقى بهم المؤتمر الشعبي حتى الآن ليس لهم علاقة بالحوار الوطني، فهل أراد المؤتمر الشعبي بهذه اللقاءات وطرح مبادرات جديدة إيقاف الحرب وتحقيق السلام وتنشيط علاقته مع الأحزاب المعارضة للحوار، خاصة أنها تضم أحزاب كبيرة مثل: حزب الأمة القومي والحزب الشيوعي، أم أن هذا يتم في إطار التكتيك السياسي لتحقيق مكاسب للحزب.
تقرير : فاطمة مبارك
المجهر السياسي