نقوش علي جدار الوطن
*أو تذكرون لماذا زُرعت كل مساحات صحافتنا الخرطومية منذ نحوشهور قليلة، بتلك التقاوي، التي قالت إنها (عديمة الإنبات) وتحديداً تقاوي (القمح صنف إمام) المستورد من جمهورية تركيا.
* وقبل أن نمضي بعيداً، أنا لست هنا بصدد إعادة إنتاج تراجيديا تلك التقاوي، فقط أود أن أخدم وجهتي وفكرتي التي خرجت إليها اليوم من بعض مسوغات ذلك الحدث..
* علماً بأن (إمام) هذا الذي أطلقت الدولة التركية اسمه على عينة قمحها هو محض عالم سوداني، اكتشف هذه العينة في بادئ الأمر فى ردهات إبحاثنا السودانية وأطلق عليها اسمه، ثم أستوردت فيما بعد الدولة التركية هذه العينة الأمامية وأضافت عليها بعض مقومات الإنتاج ثم سجلتها كاختراع رسمي في سجلات التقاوي العالمية، وبهذا استحقت حق حصر امتيازها..
* وذهبنا نحن بعد ذلك لنستورد (تقاوي إمام التركية)، السودانية الأصل، وهذه تذكرني بواقعة قصة غلام بسطام، قيل أن غلاماً قد خرج من مدينة بسطام تاركاً وراءه العالم البسطامي الشهير، ولما طرق أسوار مدينة بعيدة سأله أحدهم، من أين أنت قادم يا غلام! قال قادم من بسطام، قال وما الذي أخرجك من بسطام؟ قال خرجت فى طلب العلم يا مولاي، قال (إن الذي خرجت لأجله قد تركته وراءك ببسطام، ذلك فى إشارة للعالم البسطامي الشهير، فما أشبه (عالم بسطام بإمام السودان)”!
* المهم فى الأمر أن البنك الزراعي السوداني كواحد من مؤسسات الدولة التي تأثرت (بقضية التقاوي) تلك، قد اضطر فى وقت لاحق إلى أن يسير قافلة مكونة من خمس عشرة عربة ذات دفع رباعي، قيمة العربة الواحدة تتراوح ما بين سبعمائة مليون إلى مليار وثلاثمائة مليون جنيه. ولماذا لم يلجأ البنك الزراعي إلى حمل العشرين صحفياً هؤلاء ببص سياحي واحد، ذلك لأن الرحلة التي استهدفت مظان وحقول محصول القمح أمام تتوغل داخل مشروع الجزيرة عبر طرق غير معبدة لا تصلح لها إلا السيارات ذات الدفع الرباعي.
* قال لي يومها أحد الإخوة ونحن على متن سيارة يراوح سعرها المليار جنيه، إن كلفة هذه الوثبة تذهب إلى الخمسة عشر مليار جنيه (بالقديم).. ألا يثير هذا بعض التساؤلات والهواجس؟، فقلت لصديقي هذا: إن رفع قدسية مؤسسات الدولة، ذات العبارة التي قالها الدكتور فى مؤتمر الاتحاديين، تستحق أن ينحر لأجلها (كرائم اللاندكروزرات) ويقطع لأجلها الأميال، فالبنك الزراعي هو مشروع دولة بامتياز وليس مشروع نظام وحكومة، فتذهب الأنظمة وتبقى مؤسسات الدولة.. فقد أوشكت تلك الحملة المليارية أن تعيد كثيراً من الثقة التي أبطات بها التقاوي.
* أود أن أصل إلى هذه ابنقطة، أن البنك الزراعي وحكومة ولاية القضارف قد أخذنا ذات يوم إلى حفير مياه هائل وسط البطانة، كواحد من المشروعات الاستثمارية الرائدة التي يمولها البنك..
* تساءلت يومها، هل هذا الحفير يمتلكه شخص، قيل نعم بل ويأخذ مبلغاً معتبراً مقابل سقية أي رأس، فلئن كنت تملك قطيعاً يتشكل من ألف رأس لن يكون بمقدورك دفع ثمن سقيته لموسم كامل، وإنك تدفعه بمغالبة ورهق قد يطيح بمشروعك الحيواني هذا.
* قلت هذا جيد، أن نرى استثمارات نوعية بهذا الحجم، لكن الأجود من ذلك أن يكون هذا (مشروع وطن)، أن توفر الدولة المياه مجاناً لصالح المزارع الحيوانية.
* مخرج.. نحتاج في الحكومة والمعارضة أن نفرق بين شيئين اثنين، بين الحكومة والدولة، أن نضع مؤسسات بعيداً عن التجاذب وأيضاً الاستحواذ.. أن نختلف على كل شيء إلا الدولة ومؤسساتها.. جيشها هيبتها مصارفها..
ملاذات آمنه – صحيفة اليوم التالي