كشفت مصادر عليمة لـ(الإنتباهة) عن وصول عتاد حربي مصري لقطاع الشمال والحركات المسلحة عبر دولة الجنوب. ففيما هبطت (4) طائرات مصرية محملة بالعتاد الحربي الموجه لتلك الجهات عبر جوبا،
تعتبر جهات كثيرة أن الخطوة أبرزت العداء المصري في أوضح صوره المتطورة تجاه للسودان. وأكد مصدر مطلع أن وفداً عسكرياً فنيا مصريا أنهى زيارة أستمرت لأيام بدولة الجنوب التقى بعدد من مسؤولي الأمن وقيادات الجيش الشعبي في الدولة الوليدة كما أنه قام بإكمال ترتيبات عسكرية مع قيادات جنوبية لدعم الحركات المسلحة في دارفور وقوات قطاع الشمال والحركة الشعبية لمرحلة ما بعد الخريف. وأشار إلى أن الوفد العسكري رتب لكيفية إيصال المساعدات والدعم المصري الحربي للمتمردين.
وقبل عدة أشهر كشفت السلطات في الخرطوم تورط مصر في العمليات الحربية التي طالت مناطق من دارفور وأخرى على الحدود مع دولة الجنوب والجماهيرية الليبية, في وقت أنكرت فيه حكومة مصر التهمة الموجهة إليها من الخرطوم بيد أن افادات كبيرة موثقة ومعدات حربية مصرية تم ضبطها مع القوات التي اشتبكت مع القوات الحكومية في تلك المناطق ما جعل التهمة الموجهة لمصر واضحة المعالم والبيان بالدليل.
رأب الصدع
وقد أجرى البلدان مباحثات مشتركة عبر وزراء خارجيتيهما كشفا خلالها النقاب عن دواعي واستمرار العداء بين البلدين واستطاعوا أن يعبروا ببلديهما تداعيات تلك المرحلة الحرجة التي وصل فيها العداء مراحل بعيدة بالتضييق على مواطني كل بلد تجاه الآخر. بيد أن مصر التي أنكرت التهمة أردفتها الآن بخطوات سافرة العداء تجاه الخرطوم يرى من خلالها متابعون أن محطة العداء الأولى لم يتجاوزها البلدان رغم محاولات رأب الصدع التي ألمت بالعلاقات جراء موقف السودان الواضح من بناء سد الألفية في اثيوبيا الذي تعارضه القاهرة بقوة.
في الوقت الذي أقر فيه وزير مصري بوجود خلافات مع اثيوبيا حول (سد النهضة) وتتهم مصر وقوف السودان لجانب إثيوبيا حول قيام السد الذي ترى فيه مصر بالمهدد الأمني المائي لها, فيما ترى الخرطوم أن قيام السد من شأنه أن يستفيد منه كل بلدان حوض النيل وتحديداً السودان ومصر وإثيوبيا في تقليل كمية الطمي المنقول من أعالي المرتفعات الإثيوبية عبر مجرى نهر النيل لكل من مصر والسودان ما يساعد في نضوب النيل وردم المجرى الرئيس للنهر ما يشكل دائرة خطر مستقبلية لوادي النيل ,بيد أن جمهورية مصر ترى أن قيام السد سيقلل من حصة المياه المصرية المتفق بشأنها في اتفاقية تقسيم مياه النيل الموقعة بين البلدان الثلاثة في فترة سابقة بعيد الخمسينيات.
عبر الأزمان
بيد أن بعض مراكز البحوث والدراسات في المنطقة ترى أن تلك الاتفاقية التي وقعت في تلك الفترة قد شابها العديد من العيوب, فهي لم تضمن حقوق كل الدول بقدر ما استفاد منها شعب مصر الذي استطاعت الاتفاقية أن تحقق له رقما قياسيا في وارد المياه لم يكن يتوقعها خلال تلك الحقبة, ولذلك ترى هذه المراكز ان موقف مصر وتحركاتها في المنطقة بسبب هذه الدعاوى القديمة حول الأمن المائي الذي تحاول تأكيده عبر كل الأزمان.
وما يؤكد هذا الاتجاه, هو أن العلاقة بين البلدين مصر والسودان كانت سمناً على عسل إبان مؤتمرات دول حوض النيل التي حاولت ان تأخذ من الاتفاقية التي وقعتها مصر واثيوبيا في ذلك الزمن لولا وقوف السودان المستمر مع مصر وتفويته فرصة وسانحة إجهاض تلك الاتفاقية التي تقاتل من أجلها مصر السودان هذه الأيام قبل ان تدور الدوائر. في وقت ما زالت تؤكد فيه حكومة الخرطوم أن موقفها ثابت تجاه تقسيم مياه النيل التي أعطت مصر نصيب (الأسد) اضافة لتنازل الخرطوم عن 18% من حصتها لجمهورية مصر التي تعاني كثيراً من ندرة المياه ومياه الأمطار تحديداً , وتؤكد الخرطوم أن هذا الموقف لن تتزحزح عنه رغم تأييدها لقيام سد النهضة في اثيوبيا بعد أن رأت أنه لن يؤثر في قسمة مياه النيل التي تراهن عليه القاهرة , بينما كانت التوجسات التي واجهت بها الخرطوم قيام السد هي حول الرؤية الفنية التي قد تسبب هاجساً كبيراً لحكومة الخرطوم. ولكن الرؤى الفنية عبر اللجان المناط بها قيام السد أزالت وأماطت الكثير من سوء الفهم الذي كانت تواجه به الخرطوم قيام السد في وقت ما زالت فيه مصر ترى أن السد هو المحدد الوحيد لأمنها وإستراتيجيتها المائية.
الزخيرة (الفشنك)
موقف مصر تجاه مياه النيل قديم قدم العلاقات الثنائية التي لا يراها مراقبون للأوضاع إلا وأنها قد بنيت على هذا الأساس لضمان مصر حصتها في مياه النيل عبر الموقف المشترك للبلدين في مجلس حوض النيل , وبحسب المصادر التاريخية أن القاهرة كثيراً ما حاولت تطويع الخلافات بينهما لصالحها عبر الضغط عن هذا الكرت الذي تعتبره رابحاً في الكثير من الأوقات ومثال ذلك إبان حكومة الأحزاب ودعمها للمعارضة الجنوبية المسلحة حينما رأت الحكومة التي يرأسها الصادق المهدي البعيد أيدولوجياً عن السياسة المصرية (بعداً تاريخياً) ما جعلها تقف بصلابة مع عدو حكومة الخرطوم الحركة الشعبية برئاسة جون قرنق. وقد ضبطت وقتها المخابرات السودانية الكثير من المساعدات المصرية للحركة الشعبية في وقت كانت تكافح فيه موقف الخرطوم وتتمنع في منح المساعدات العسكرية للقوات المسلحة السودانية بيد أن معظم تلك المساعدات التي قدمتها للسودان كانت بغير فعالية وتحديداً (الزخيرة الفشنك) التي دعمت بها حكومة الأحزاب وهي تقاتل المعارضة المسلحة التي بلغت أوجها وقاربت الوصول لمناطق مركزية مهمة , وأصبحت تهدد مدن كبرى وذاع صيتها وقتئذٍ لولا استدراك الجيش السوداني والشعب السوداني لموقف مصر المخزي وقتها وتورطها في الشأن السوداني بالمؤامرة الشهيرة وهي تفتح أراضيها للمعارضة وقتها.
(الجواسيس) (البحارة)
ويقول الخبير الإستراتيجي الأمين الحسن لـ(الإنتباهة) إن تباين المواقف بين البلدين هو الذي أدى لمثل هذه التراجعات في العلاقات الثنائية عبر قرارات خطيرة اتخذتها مصر من قبل, وقد كشفت عن مساعٍ لها في مجلس الأمن بجنيف تعيق فيها السودان. بيد أن الحال الدبلوماسي بين البلدين قد مضى بعيداً في حالة التردي، ففي وقت قريب تردد أن الخرطوم تدرس إلغاء قانون الحريات الأربع، فيما سارعت مصر إلى مراجعة الموقف العقاري للسودانيين بمصر في اتجاه لتمصيرها ، موضحة أن السودانيين ليس لهم صفة تفضيلية في موضوع التملك عن الأجانب بمصر بجانب اعتقالات كثيرة ضد بعض المعدنين السودانيين داخل الأراضي السودانية بجانب الأزمة في حلايب. في وقت كشفت فيه تقارير متقدمة عن بعض التقدم في مسار العلاقات المصرية السودانية ومحاولة مصر لقيامها ببعض التراجعات بشأن قرارات قديمة اتخذت في إطار العلاقات الثنائية بينها والسودان. ولكن رغم كل هذا الذي يحدث إلا أن ما تقوم به مصر من دعومات متكررة للمعارضة السودانية, من شأنه أن يضع علامات استفهام كبيرة تجاه العلاقات الثنائية التي باتت واضحة تحكمها لغة الكروت الضاغطة لكل من البلدين بعد أن أثارت في وقت سابق أزمة (الجواسيس) (البحارة) المصريين الذين دخلوا إلى المياه الإقليمية السودانية بالبحر الأحمر العام الماضي كمقدمة للحرب الباردة التي بدأت تشنها القاهرة تجاه الخرطوم بعد أن تجاوزت لغة المصالح المشتركة مداها إلى لغة الكروت الضاغطة.
عبد الله عبد الرحيم
الانتباهة
