الشيخ الكلباني يطالب بتعيين فقيهات نساء
طالب الشيخ السعودي عادل الكلباني، إمام جامع المحيسن في العاصمة الرياض، بالسماح بتعيين نساء فقيهات يتحدثن في الأمور الفقهية، تزامنًا مع صدور أمر بالسماح للمرأة بقيادة السيارة.
وأكد الكلباني في مقال نشرته صحيفة ” الرياض ” السعودية أن وجود نساء فقيهات سيعود بفائدة كبيرة على النساء السعوديات، قد لا يحققها الرجال.
وكشف الكلباني ، في مقاله الذي حمل عنوان “غياب الفقيهات”، أن التفقه في الدين يعم الرجال والنساء، مستدلا على ذلك بفقه أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها، والتي بلغت درجات عظيمة بهذا العلم.
منوها إلى أن فقه النساء يحتاج إلى من يلم بتفاصيل حياتهن ويقدر على تفهم احتياجاتهن، وهو ما لا يحسنه كثير من الرجال، مطالبًا بضرورة إفساح المجال لتفقه النساء.
وأضاف الكلباني أن عائشة رضي الله عنها كانت لا تقتصر على تعليم النساء، بل كانت أيضاً تفتي الرجال وتناقش أفكارهم وتصوب مخطئهم وتنصح غافلهم وتفقه جاهلهم.
تاليا النص الكامل للمقال
” إن ما نقرره اليوم نظرياً، من ضرورة اشتراك الجميع في نشر العلم والفقه، قد كان واقعاً ملموسًا في حياة السلف، في صورة نقلت للعالم آنذاك حضارة جديدة تهتم بالعلم والمعرفة..
الحديث عن المرأة، يتلقفه الكثيرون بعناية، وبسابق حكمٍ عن المتحدث، فبين مسيءٍ ظنه بكل من يذكرها أو يكتب عنها، لهالةٍ قد أحاطت بأفكاره، نسجها الجهل حول الحديث عن المرأة، وبين منتظرٍ زلة قلم، ولو بتأويل على غير قصد، توافق انطباعه ومراده، فيطير بها يمنة ويسرة، وبين هذا وهذا تخفت فقهيّات لا تجد من يذكي نورها، وينشر بريقها، في مجتمعاتنا العربية، التي رجحت العادة فيها كفة الرجال في أبواب كثيرة مما حقه في الشرع أن يكون مشتركاً شائعاً، بين «الرجال والنساء» ولا أريد الاستطراد، فقط أريد أن ألفت النظر إلى «الفقه في الدين» الذي تكاد الفقيهات أن تختفي من ساحته، مع حاجة المجتمعات اليوم إلى الفقيهات من النساء لأسباب كثيرة!
ولست بحاجة إلى ذكر عموم فضل الفقه، فلا يختلف اثنان في أن فضل التفقه في الدين يعم الرجال والنساء، وأيضاً لست بحاجة إلى ذكر نساء بلغن في الفقه درجات منيفة، فلو لم يكن منهن إلا عائشة -رضي الله عنها- لكانت وحدها تكفي لتكون قدوة تسير في خطاها المسلمات، في التفقه في الدين ونشر العلم والإرشاد والإفتاء، فكيف إذا كانت كتب السير والتاريخ طافحة بالعالمات والفقيهات والمحدثات، وهذا أشهر من نار على علم.
إن ما نقرره اليوم نظرياً، من ضرورة اشتراك الجميع في نشر العلم والفقه، قد كان واقعاً ملموسًا في حياة السلف، في صورة نقلت للعالم آنذاك حضارة جديدة تهتم بالعلم والمعرفة، وتعطي العقل مجاله للنظر والتأمل واستنباط الأحكام من الكتاب والسنة.
وفي الوقت الذي تحتفي فيه بلادنا الغالية بالمرأة وتأذن لها بقيادة السيارة، وكانت قد تبوأت منزلة عالية من العلم والمنصب، لتبرز لنا الإنجازات العظيمة التي جعلت بلادنا في مصاف الأوائل من الدول، وأظهرت تفاني حكام هذه البلاد في خدمتها والتقدم بحضارتها وشعبها، نجد أن حاجتنا كبيرة لإحياء بعض الصور التي محي رسمها ولم يبق منها إلا بعض أطلال قد غُميت في بطون الكتب والأسفار، عن مجتمع كان يجتمع في ساحاته المئات بل الآلاف، ليستمعوا لتلك الفقيهة، ويأخذوا من علم تلك العالمة، ويرووا ما تحدث به تلك المحدثة، وقد تعجز بعض العقول أن تتصور تلك المجالس كواقع وحقيقة التمست، رغم الصعاب وشظف العيش، وتباعد الأزمنة والأمكنة، لكنها لا تجد بدًّا من قبول الصورة بكل زواياها، حين تجد أن ممن روى كتاب البخاري «كريمة المروزية» وتتلمذ على يدها فقهاء وراوة.
إننا حين نكتب في مثل هذا، لا نكتب لمجرد الكتابة، بل لعلمنا ومعرفتنا لما نتلوه ونقرؤه من كتاب الله ومن سنة رسول الله، وإدراكنا تمام الإدراك أن حاجة المجتمع لمعرفة فقهيات الشريعة لا يكفي أن يقوم بتقريرها الرجال دون النساء، فهناك كثير من المسائل يجب أن يكون فيه صوت الفقيهات حاضراً ومسموعًا، ويعطى المساحة الفقهية الكاملة، حتى لا يظللن رواكد على ظهر يم الفقه، يتهامسن بقول أحد المتخاصمين (وعزني في الخطاب)!
بالإضافة إلى أن كثيرًا من فقه النساء حين يتصدره الرجال، تنزع منه فطنة الإفهام، ونوازع الاستجابة والتطبيق، وقد لا يحسن الخوض في تفاصيل فقههن إلا الندرة، ولا أعني أن ينفردن أو ينفرد الرجال كلّ بفقهه، ولكني أعني إفساح المجال لفقيهات النساء وتشجيعهن، فرب امرأة أفقه من ألف رجل، وقد كانت عائشة -رضي الله عنها- لا تقتصر على تعليم النساء، بل كانت تفتي الرجال، وتناقش أفكارهم، وتصوب مخطئهم، وتنصح غافلهم، وتفقه جاهلهم، وصار ما تفتي به مرجعاً لمجتمعها وللمسلمين، وفي الوقت الذي تيسر في زمننا الإعلام، وتقارب الزمان والمكان، وحشرت وسائل العلم والمعرفة في كف أحدنا، نجد غياب الفقيهات مسيطرًا على الساحة الدعوية، فلا ندري أهو قصور يعتري العقول، أم حال الجهل والعادات بين فقيهاتنا والمجتمع؟! هذا، والله من وراء القصد. ”
صحيفة البيان