داليا الياس

(شرطاً يكون إنسان…ومن جامعة في السودان)


المتأمل في العديد من المناصب المهمة والحساسة والمؤثرة في شتى بقاع الأرض… يشعر بالفخار والسعادة القصوى حين يكتشف أن معظم شاغريها من السودانيين العباقرة !…أولئك البارعون في الحسابات والعلوم والطب والمنطق وحتى الأدب وعلم الإجتماع.. إنها الأجيال المخضرمة… التي تمتعت بكل المزايا اللازمة ليصبحوا نابهين ومميزين… لا سيما مع تمام استعدادهم لذلك النبوغ الذي يهيئون له المراقد والحشايا من مثابرة وإجتهاد، وأخلاق حميدة وتقوى وتثقيف للذات، وسعى حثيثاً للحاق بركب العالم المتقدم..

ثم تحولوا بعد ذلك لأسباب منطقية جداً لأسراب من الطيور المهاجرة التي لا تفكر في العودة… أو لثلة من زمار الحي لا يطربون حيهم، كوننا لا نعرف حقيقة قدرهم ولا نحتفى بهم كما يجب ولا نفكر جدياً في الإستفادة من طاقاتهم وقدراتهم وعلاقاتهم!! الآن… لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تفرخ الجامعات السودانية أمثال أولئك النوابغ!!… فكل المؤشرات تمضي بعيداًعن ذلك… بدءاً بطبيعة الدروس وشكل التدريس والتعريب وإمكانيات الجامعات الذاتية… مروراً بشخصية المعيد ودوافعه وأسلوبه.. وإنتهاءً بنفسية الطالب ورغبته واستعداده وأهدافه من الدراسة الجامعية، التي لم تعد في كثير من الأحيان تعدو كونها (برستيج) إجتماعي… أو تحصيل حاصل…أو مكان لتمضية الوقت وإهداره في أمور أبعد ما تكون عما أنشئت له!! تراجعت مكانة الجامعات السودانية عالمياً… وماعادت جامعة الخرطوم على سبيل المثال من الجامعات الرائدة التي يغني إنتماء الطالب لها عن الكثير، ولاعاد السوداني مطلوباًعلى رأس قائمة الوظائف الخارجية، كونه ماعاد يتمتع بالعلم الوفير أو الذكاء الكافي، وتراجعت حتى معدلات أخلاقه وأمانته واحترامه للوقت وللغير!! داخلياً… حدث ولاحرج.. الجهل والفوضى يسيطران على الموقف.. ويندر جداً أن تجد الرجل المناسب في المكان المناسب…

كل شيء يمضى دون منهجية أو أولويات.. المناصب يتقلدها الجاهلون بتوطين أمورها والعاجزين عن تصريف شؤونها… فيظل أحدهم في تخبط مستمر من حيث القرارات والإنجازات… حتى ما اكتنز كرشه… مضوا به الى مأكلة جديدة!!! والمؤسف ألا أحد يعترف بجهله فيتقي الله في عبادة ويعتذر عن الوظيفه المعروضة عليه!! كلهم يدعون تمام المعرفة… والدراية… وحسن الإدارة! وكلهم يداهنوننا بدعاوي الإنجازات القادمة وقبضة الحديد التي سيحكمونها حول المؤسسة المعنية لتحقيق خير البلاد والعباد!!! يعشموننا بالأمل الأخضر… والمشاريع العظيمة التي ستحلق بنا في سماوات الرخاء والرفاهية والحياة الكريمة… ثم يكتفون بالتصريحات والإحتفالات ودعوات الغداء الفاخرة! لقد إنحدر بنا الحال حتى أصبح الجهل يسيطر على معظم عقولنا…أما عقول أبنائنا.. فحدث ولاحرج عن خوائها، رغم إكتظاظها بتطبيقات الإنترنت وكيفية التعاطي مع العولمة… غير أنهم يوظفونها في (الفارغه) ليس إلا!!! فهل يحق لنا بعد كل هذا أن نحلم بعالم سعيد!!…هل يمكن للسودان أن يعتلي منصات التتويج والتكريم في مجالات العلوم والإبتكارات والإختراعات؟!هل يتسنى لنا يوماً أن نتقدم لاجتياز معاينات كبرى لوظائف مهمة كان من بين شروطها للمتقدمين أن يكون أحدهم… إنسان.. ومن (جامعة فى السودان)؟!! تلويح: هل يمكننا أن نستفيد من الكوادر المؤهلة التي تخدم أحلام الآخرين في شتى أصقاع الأرض… دون أن تكون عودتهم للديار سبباً في ندمهم وإستيائهم وفرصة لبثهم أحقادنا والنيل من تميزهم؟!

اندياح – داليا الياس
صحيفة آخر لحظة