منوعات

الأكياس البلاستيكية تهمة كالمخدرات عقوبتها قاسية بهذه الدولة


طوينها في بعض الأحيان داخل حمالات الصدر، أو يخفينها في الملابس التحتية، أو يلفها المُهرِّبون بإحكامٍ حول أذرعهم.

إنها ليست مخدرات، ولا حتى ذهباً أو ماساً مِمَّا يُنقَّب عنهما بطريقةٍ غير قانونية، وتُهرَّب في كثيرٍ من الأحيان عبر الحدود إلى داخل رواندا. لكنها على الأقل في نظر حارس الحدود اليقظ، إغيد مبراباغابو، كما لو كانت شيئاً شَائِناً.

تلك السلع المهربة التي تعد من الموبقات هي الأكياس البلاستيكية.

قال مبراباغابو، وهو أحد ضباط الحدود الـ12، الذي يتمَثَّل عملهم في إلقاء القبض على المُهرِّبين والتخلص من البلاستيك المحظور الذي يُعثَر عليه: “إنها سيئة مِثلها مثل المخدرات”.

هنا في رواندا، يعد استيراد، وإنتاج، واستخدام وبيع الأكياس البلاستيكية والمُغلَّفات البلاستيكية أموراً غير قانونية، إلا إذا كانت ضمن صناعات مُحدَّدة مثل المستشفيات والمستحضرات الدوائية، حسب تقرير لصحيفة نيويورك تايمز الأميركية.

وتُعد البلاد واحدةً من أكثر من 40 دولة في جميع أرجاء العالم حظرت، أو حَدَّت أو فرضت غرامات على استخدام الأكياس البلاستيكية، بما في ذلك الصين، وفرنسا وإيطاليا.

لكن نهج رواندا إزاء هذا الأمر يجري على مستوى آخر. فالمُهرِّبون الذين يُلقَى القبض عليهم وهم يحملون البلاستيك المحظور يكونون عُرضة للغرامة، أو السجن أو الإجبار على الاعتراف بالأمر علانيةً.

وقد يُحكَم على المُهرِّبين بعقوبةٍ تصل إلى السجن ستة أشهر. وقال مسؤولون إن المديرين التنفيذيين للشركات التي تحتفظ بالأكياس البلاستيكية المحظورة أو تُصنِّعها يمكن أن يُسجنوا لمدة تصل إلى عام. وأُغلِقَت محال وفُرِضَت عليها غرامات لتغليف الخبز في ورق السلُوفان، وأُجبِرَ مالكوها على التوقيع على رسائل اعتذار، كل ذلك جاء كجزءٍ من حملة تنظيف البيئة التي يتبناها البلد.

مشكلة عالمية

وتُعد الأكياس البلاستيكية، التي تستغرق مئات السنوات لتتحلَّل، مشكلةً عالمية كبرى، وتُلقى عليها بلائمة انسداد المحيطات واحتضار الأحياء البحرية.

وينتهي الحال بالكثير من الأكياس البلاستيكية في المحيط فتخنق السلاحف والطيور البحرية وتملأ بطون الدلافين والحيتان بالنفايات إلى أن تنفق بسبب الجوع، حسب تقرير لوكالة رويترز.

ووضعت كينيا شهر سبتمبر/أيلول الماضي 2017 قانوناً قيد الإنفاذ سيُعَاقَب بموجبه أي شخصٍ يُصنِّع، أو يبيع أو يستورد الأكياس البلاستيكية، بالسجن لمدة قد تصل إلى أربع سنوات، أو دفع غرامة قدرها 19 ألف دولار.

وقال حبيب الهبر وهو خبير في النفايات البحرية يعمل لدى برنامج الأمم المتحدة للبيئة في كينيا “إذا بقي الحال على ما هو عليه فسيكون البلاستيك أكثر من الأسماك في المحيط بحلول عام 2050”.

وأضاف أن تحلُّل الأكياس البلاستيكية يستغرق ما يتراوح بين 500 وألف عام، كما تدخل السلسلة الغذائية للإنسان من خلال الأسماك وحيوانات أخرى، حسبما نقلت عنه رويترز.

إغراق المحاصيل

في رواندا، تقول السلطات إن الأكياس البلاستيكية تسهم في إغراق المحاصيل وتُعرقِل نموها، لأن مياه الأمطار لا يُمكنها اختراق التربة عندما تنتشر بها الأكياس البلاستيكية.

ويبدو أن سياسة عدم التسامح مطلقاً مع الأكياس البلاستيكية تؤتي ثمارَها، وفقا لتقرير نيويورك تايمز: فالشوارع في العاصمة كيغالي، وفي كل مكان آخر عبر ذلك البلد الجبلي المكتظ بالسكان، نظيفة فعلياً. والرجال والنساء يُرَون على جانبي الطريق بصورةٍ دائمة وهم يرفعون القمامة، ويُطلَب من المواطنين مرة كل شهر المشاركة في الجهود المكثفة لتنظيف الأحياء، بما في ذلك الرئيس.

وينتشر حراسٌ معيّنون لمراقبة استخدام الأكياس البلاستيكية في كل مكان، من المطار إلى القرى، وهؤلاء المخبرون يُحذِّرون السلطات بشأن العمليات المشبوهة لبيع البلاستيك أو استخدامه.

هذا ما تفعله النساء

ومؤخراً في فترة بعد الظهيرة في أحد الأيام، كان ضابط الحدود مبراباغابو، يراقب إحدى نقاط العبور الحدودية مع الكونغو، حيث كان يتدفَّق ذهاباً وإياباً آلاف الأشخاص والبضائع والحيوانات، يتخلَّل ذلك أصوات الصُّراخ والبُكاء وهمهمات الحيوانات.

كانت أطباق غسيل بلاستيكية تمتلئ بالبصل والباذنجان والجزر وموز الجنة والبفرة تتهادى على رؤوس النساء اللواتي سِرن عن عمدٍ قاصدات أماكن بعينها، وساعيات وراء أموالٍ لكسبها، وأفواه لإطعامها. وقال مبراباغابو إنه في مكان ما بينهن، توجد مئات الأكياس البلاستيكية تُدَس في كثيرٍ من الأحيان في ملابسهن الداخلية.

وقال: “الحالات الأكثر غرابة هي السيدات”، وأضاف بخجل: “ليس من السهل أبداً تفتيشهن”.

فضح أمرها

وعرض ضابط هجرة يعمل إلى جانب مبراباغابو مقطعاً مُصوَّراً على هاتفه الجوَّال لامرأةٍ في منتصف العمر، ضُبِطَت وهي تَنقل أكياساً بلاستيكية ملفوفة حول ذراعيها. وفي مقطع الفيديو كانت المرأة تبكي بحرارة وتعتذر، وتخفي عينيها من الكاميرا كما لو كانت تاجرة مخدرات فُضِحَ أمرها خلال عملية مُدبرة تُبَث على التلفزيون.

وعرض الضابط -مبدياً خليطاً من الرهبة والإحباط للمدى البعيد الذي يمكن للمُهرِّبين بلوغه- مقطعاً مُصوَّراً آخر يُظهِر كرسياً مُتحرِّكاً لديه قاعدة زائفة تخفي حِزَماً من الأكياس البلاستيكية المُعبَّأة بإحكام. واعتراه الشموخ وهو يروي كيف اكتشف الحيلة.

الأكثر نظافة

رواندا في الأغلب الدولة الإفريقية الأكثر نظافةً، وهي ضمن البلدان الأكثر احتفاظاً ببساطتها في العالم.

ورغم أن 15 دولة إفريقية على الأقل قد سَنَّت نوعاً من الحظر، فإن الكثير منها لا يزال لديه أكياس بلاستيكية متناثرة عبر الطرقات، وعالقة في أنابيب الصرف، أو مشتبكة بالأشجار. وتموت الماشية جراء تناول الأكياس لأنها تُعيق عملية الهضم. في المستوطنات العشوائية في بلدان مثل كينيا، تُستَخدَم الأكياس البلاستيكية أحياناً كـ”مراحيض متنقلة” تحتوي على فضلات بشرية.

كينشاسا، عاصمة الكونغو، لديها الكثير من القمامة معظمها يُحتَفَظ به داخل أكياسٍ بلاستيكية، إلى درجةٍ دفعت سكان المدينة لتلقيبها باسم “بوبيل”، التي تعني “سلة النفايات”.

في غوما، وهي مدينة كونغولية على الحدود تماماً مع رواندا، توجد القمامة البلاستيكية في كل مكان، والأمر الذي جعلها أكثر وضوحاً هو أن الأرض هناك مُكوَّنة من الصخور البركانية السوداء. وتتداخل أكوامٌ من البلاستيك المُلوَّن مع الأرض كأنها نباتاتٌ غريبة تخرج منها.

وقال ريتشارد مومبر، وهو سائق سيارة أجرة كنغولي: “رواندا نظيفة للغاية، هنا في الكونغو الشوارع قذرة جداً، حكومتنا ليست مُنظَّمَة، ولذلك فهي تضر بالبيئة”.

صعوبات

بالعودة إلى رواندا، فإن فرض الحظر، الذي جرى تبنيه للمرة الأولى عام 2008، يتضمَّن مئات القواعد التي يَصعُب اتباعها، على أقل تقدير.

يقول مسؤولون إن الواردات غالباً لا تُزال مغلفاتها البلاستيكية في الجمارك، إلا إذا كان ذلك سيَضر بالسلع. وفي هذه الحالة، يُطلَب من المتاجر إزالة الأغلفة قبل تسليم البضائع للزبائن.

والطعام المُغلَّف بالسلوفان مسموحٌ به فقط بالفنادق، وفقط إذا لم يُؤخذ خارج المبنى.

وتقول الحكومة إنه يُسمَح باستخدام الأكياس القابلة للتحلُّل فقط في حالة اللحوم والأسماك المُجمَّدة، وليس لأي أطعمة أخرى كالفواكه والخضراوات، لأن هذه الأكياس لا تزال ستستغرق ما يصل إلى 24 شهراً لتتحلَّل.

ويُسمح بتعبئة رقائق البطاطس وأطعمة أخرى في عبوات بلاستيكية فقط، إذا منحت الحكومة تصريحاً للشركات التي تُصنِّعها، بعد أن تعرض الشركات خطةً عمل تفصيلية تتضمَّن كيف تُخطِّط لجمع أكياسها وإعادة تدويرها.

أفضل من أوروبا

وتظهر نتائج جهود رواندا بوضوح في نظافة البلد، لكن قد لا يكون من السهل تكرارها. ففي الولايات المتحدة وأوروبا، على سبيل المثال، هناك نزاعٌ بين علماء البيئة وممثلي الصناعات البلاستيكية الذين يقولون إن الأكياس المصنوعة من موادَ بديلة، مثل القماش، لها بصمة كربونية أكبر من تلك البلاستيكية، وليست صديقة للبيئة كما يعتقد الناس.

ويجادلون بأن الأكياس البلاستيكية يجب إعادة استخدامها وتدويرها بدلاً من ذلك. وبصمة الكربون هي إجمالي الغازات الدفيئة الناتجة عن الانبعاثات الصناعية أو الخدمية أو الشخصية.

وترفض السلطات في رواندا الانتقادات بشأن غياب مثل تلك النقاشات في البلاد. ويقول المسؤولون إن القوانين هناك تستند إلى البحوث العلمية واسعة النطاق والمسوحات العامة. ومن السهل قبول إنفاذ تلك القوانين في بلدٍ ذي توجهات استبدادية ومجال محدود للمعارضة.

لماذا هذه الصرامة؟

وبدافع القلق العميق إزاء الأمن القومي، كرَّر الرئيس الرواندي بول كاغامي مراراً أهمية وجود مجتمع مطيع ومنظم، من المواطنين الملتزمين بالقانون والخائفين منه، الذين اعتادوا على حكومة قوية بعد الإبادة الجماعية التي وقعت في عام 1994، والتى قُتِلَ فيها حوالي مليون شخص في 100 يوم.

والتنفيذ الصارم للقانون هو الأسلوب المميز لكاغامي، حتى عندما يتعلَّق الأمر بتطوير بلده. ويطلب من جميع الروانديين ارتداء الأحذية، علاوة على أنه قضى على الأكواخ ذات الأسقف المصنوعة من القش، وحظر استيراد الملابس المستعملة، لأنه يقول إنها تنطوي على انتقاصٍ من الكرامة.

ويتعلَّم الأطفال في المدارس عدم استخدام الأكياس البلاستيكية والحفاظ على البيئة.

وأجرى مسؤولان بهيئة إدارة البيئة في رواندا مؤخراً تفتيشاً مفاجئاً على محال تجارية في كيغالي، حيث ادعيا أنهما زبائن. وبنهاية ساعة من التفتيش، كانا بالفعل قد أغلقا ثلاثة محال، وغرَّما أصحابها بضع مئات من الدولارات لكل منهم، لبيعهم الخبز ملفوفاً في السلوفان، ولاستخدامهم أكياساً قابلة للتحلُّل في بيع الخضراوات والكعك، أو لبيعهم دقيقاً مُعبَّأً في أغلفةٍ بلاستيكية بدلاً من الورق.

وقالت مارتين أويرا، وهي أحد المفتشين، وهي تحدِّق من أعلى في عاملٍ بأحد المحال وتضع إصبعها على رغيفِ خبزٍ ملفوفٍ بالبلاستيك: “هذا سيِّئ للغاية”.

وناشدها العامل قائلاً: “سامحينا، لم نكن نعلم، لم نكن نعلم”. وتَمتَمَت زميلته بالمحل قائلة: “هذا ليس عدلاً”.

وأُزِيلَت أرغفة الخبز المحظورة من على الأرفف ووُضِعَت في سلةٍ، حيث قال المسؤولون إنها ستُوزَّع على المستشفيات والجمعيات الخيرية ودور الأيتام. وأُغلِقَ المتجر مؤقتاً لحين دُفِعَت الغرامة، ووقَّع المالك رسالة اعتذار.

وعانى متجران في المنطقة من مصيرٍ مماثل، لكن أحدهما لاقى مصيراً أسوأ بشكل خاص، حيث جرى تغريمه وخسر إيرادات بقيمة 650 دولاراً، وهو مبلغٌ كبيرٌ هنا. وحاول مالكه، إميل ندولي، وهو خبازٌ يدير عملاً تجارياً، التفاوض مع المفتشين واندلع جدال. وقال إن الخبز الملفوف في ورق يفسد بصورةٍ أسرع من الخبز الملفوف في البلاستيك. وأضاف إلى جانب ذلك أن الزبائن “يختارون ما يرونه جيداً”.

وقال وهو ينظر خِلسةً إلى المفتشين الذين وقفوا للاستماع له بعناية: “ما تفعله رواندا صحيح 100%، لكن أنا أيضاً رجل أعمال وأريد حلاً دائماً لا ينطوي على خسارة المال”.

هافغنتون بوست