تحقيقات وتقارير

القومسيون الطبي يكشف عن إصدار “50” ألف فيزا في شهر واحد للعلاج بالهند فقط

قبل فترة كانت غضبة سودانية توجه سهامها نحو الجارة الشمالية مصر، وذلك في أعقاب تعرض مواطن سوداني لعسف من السلطات المصرية، كانت قصة المواطن السوداني يحيى زكريا الذي ذهب برفقة ابنه بحثاً عن العلاج في مشافي القاهرة، لكن يحيى يحكي وقتها تعرضه للضرب في قسم عابدين عقب اقتياده من أمام إحدى الصرافات في وسط البلد، حيث كان من الممكن تجاوز كل ذلك لو أن الصغير وجد علاجاً داخل مستشفيات بلاده، وبالطبع تمثل قصة يحيى واحدة من ملايين القصص التي تحدث لسودانيين غادروا البلاد في رحلة البحث عن العلاج.

(1)
بالنسبة للحكومة فإن معالجة مثل هذه المشكلات تتم عبر سلوك طريق ضرورة توطين العلاج بالداخل، وبالطبع مناقشة (ظاهرة العلاج بالخارج.. المشاكل والحلول)، وهو ما كان عنواناً لورشة انعقدت بالخرطوم أمس وخاطبها وزير الصحة الاتحادي بحر إدريس أبو قردة الذي أكد على اهتمام الدولة بتوفير العلاج بالداخل وتوطينه، وذلك عبر توزيع الاختصاصيين بالولايات، حيث بلغ عددهم في غضون أربع سنوات (1261) اختصاصيا، ضمن الكشف الموحد وتوطين (9) تخصصات. ووصف أبو قردة ظاهرة العلاج بالخارج بالأساسية والطبيعية مهما قدمت الدولة من خدمات لتوطين العلاج بالداخل، مقرا بوجود تحديات تواجه العلاج بالخارج تتطلب عقد ورش ومؤتمرات علمية لحلها، ولفت إلى استمرار الوزارة في تدريب وتأهيل الأطباء والكوادر المساعدة، وهو أمر من شأنه أن يوفر على الدولة عملة حرة يمكن توظيفها في مشاريع إنتاجية.
واعتبرت إبتسام الريح رئيسة لجنة الصحة بالمجلس الوطني أن عملية العلاج بالخارج أصبحت من القضايا المؤرقة والتي تحتاج إلى حلول ناجعة وجذرية، مشيرة إلى تمتع السودان بكوادر طبية على مستوى عالمي وبنية تحتية طبية مؤهلة، وهو ما يمكن اعتبارها بيئة صالحة لتمزيق فواتير العلاج خارج حدود الوطن، وأوصت بضرورة تطبيق توصيات الورشة التي تمثلت في الاهتمام بتوطين العلاج بالداخل ومعالجة نقص الكوادر الطبية، بجانب توفير الأجهزة التشخيصية والاهتمام بالنبى التحتية مع التركيز على معايير وأسس الجودة، إضافة إلى أهمية المراجعة المعملية لمتطلبات العلاج بالخارج ومراجعة آلية اللجان الاستشارية.

(2)
وللإجابة على سؤال: لماذا يغادر المواطنون بحثاً عن العلاج؟، يكشف ياسين عباس وداعة، مدير القمسيون الطبي القومي، عن زيادة في طلب العلاج بالخارج، مشيرا إلى إصدار سفارة الهند بالخرطوم لـ(50) ألف فيزا في شهر واحد، ما يعادل أضعاف ما أصدره القمسيون الطبي خلال (10) أشهر، معتبراً أن عدم توفر المعينات العلاجية لهذه الحالات بالإضافة للأطر الصحية المدربة والمؤهلة وعدم مقدرة الدولة على شراء الأجهزة الحديثة للتشخيص، والدور السلبي للإعلام في تناول المشاكل الطبية وترصد الأخطاء، بجانب الثقة العمياء في أطباء الخارج، من أهم أسباب طلب العلاج بالخارج، وكشف عن وجود بعض حالات النصب والاحتيال وسماسرة العلاج والوقوع ضحية لتجارة الأعضاء، بالإضافة لتركيز بعض المؤسسات العلاجية بالخارج على العائد المادي. ودعا وداعة الدولة لتوقيع اتفاقيات مع المؤسسات العلاجية بالخارج لضمان حقوق المريض، وأوضح أن أكثر الأمراض طلبا للعلاج بالخارج (السرطان، أمراض القلب، وجراحة المخ والأعصاب).

(3)
أن يطلب (50) ألف مواطن سوداني (فيزا) للعلاج بالهند، فإن الأمر يؤكد على أن ثمة اختلال واضح في مؤسسات توفير العلاج بالداخل على مستوى البنية التحتية لمؤسسات الصحة أو على مستوى توفر الكادر العامل انتقالاً لنظرة كلية تتعلق ببيئة تقديم الخدمة الصحية، وبحسب وزارة الصحة الاتحادية فإن أكثر الأمراض طلبا للعلاج بالخارج (أمراض السرطان، والقلب، وجراحة المخ والأعصاب، وزراعة الأعضاء)، وذلك نسبة لعدم توفر هذه التخصصات بالداخل، بجانب أن الموجود لا يفي بحاجة المرضى نسبة لقلة الاختصاصيين والكوادر المتخصصة، لمعالجة الأزمة في شكلها النظري، وهو الأمر الذي تطلب بدوره وجود رؤى تفضي في نهاية المطاف لإيجاد معالجات لها، وهو ما برز من خلال الأوراق التي تم تقديمها في المؤتمر حيث ناقشت عدد من الأوراق تمثلت في ورقة العلاج بالخارج، ورقة تمويل علاج الحالات المحولة للخارج، ورقة الأجنحة الخاصة بالمستشفيات الحكومية ودورها في توطين العلاج، ورقة توطين العلاج بالداخل.. الفرص والمعالجات، وورقة السياحة العلاجية، جميع الأوراق كانت من مؤسسات حكومية تسعى إلى توطين العلاج بالداخل عبر مؤسسات الدولة، إلا أن الورقة التي كانت مختلفة هي ورقة السياحة العلاجية التي قدمها الدكتور نزار خالد، وهي الورقة الوحيدة التي تطرقت لدور القطاع الخاص في توطين العلاج، بالإضافة إلى جلب وفتح فرص السياحة العلاجية للمرضى من دول الجوار، حيث أشارت الورقة إلى التحديات والمعوقات التي تعترض المؤسسات العلاجية في القطاع الخاص، باعتبار أن اتجاه الدولة يشير إلى تمكين القطاع الخاص من تقديم الخدمات، حيث أشارت الورقة إلى عدم وجود مجلس اتحادي يعنى بالسياحة العلاجية، يخطط بطريقة مدروسة ويعمل على حل الإشكاليات والتحديات، بجانب ضعف التغطيات التأمينية والقوانين المنظمة وصعوبة الحصول على الأراضي المتميزة بشروط ميسرة والتمويل العقاري، وصعوبة الحصول على التمويل الميسر للمعدات الطبية، لعدم وجود رؤية لدى البنك المركزي تجاه تمويلها وضماناتها، كما أشارت إلى هجرة الكوادر البشرية المدربة، وعدم وجود لوائح تنظم إعادة تسجيل رخصة الاختصاصيين وعدم وجود بعض التخصصات المساندة، كالإدارة الطبية كتخصص ملزم، ولفتت إلى ضعف شركات المعدات الطبية والكادر العامل بها، وغياب الاستراتيجية الواضحة للشراكات الزكية وما يتبعها من آليات وكوادر وسياسات، وحملت الورقة بعض السلوك الإعلامي الذي وصفته بأنه يضر بسمعة البلاد الطبية، وعرجت على غياب الاستراتيجية تجاه استثمارات المنظمات الطوعية التي حادت عن أدوارها الرئيسة تجاه منافسة القطاع الخاص، إضافة إلى بروز ظاهرة الكيانات الاستثمارية الخاصة داخل المستشفيات الحكومية وتداعيات الحظر الأمريكي والحرمان من التدريب، وتحدثت الورقة بشكل واضح عن عدم استقرار اللوائح المنظمة لصناعة الخدمات الطبية.
وطالب الدكتور نزار في ورقته بتأسيس مجلس للسياحة العلاجية يضم الوزارات ذات الصلة، يعنى بوضع السياسات الاستراتيجية والخطط ويهتم بالسياسات المصرفية، الأراضي، تنظيم سوق المعدات الطبية والمستهلكات، السياسات أو التشريعات الإعلامية ذات الصلة، تسهيل إجراءات التأشيرات وخطوط الطيران، تجويد صناعة الخدمات الصحية المصاحبة، قوانين التأمين الطبي)، ودعت الورقة إلى إحكام التنسيق مع التعليم العالي، مجلس التخصصات الطبية، مجلس المهن الصحية، لمواكبة سوق العمل والحاجة التدريبية، بجانب سياسات استقطاب واستبقاء الكوادر والكفاءات النادرة، مع ضرورة وضع السياسات حول الشراكات الزكية، وتفعيل نظم اعتماد المستشفيات، وتفعيل نظم المراقبة والمحاسبة المهنية بالمجلس الطبي ومجلس المهن الصحية، وتفعيل نظم تجديد رخصة التخصص الطبي، وإحكام اللوائح المنظمة لصناعة الخدمات الطبية بالمجالس الاتحادية والإدارات الولائية بشكل يحفظ التوازن بين الانضباط والمرونة والشفافية، وتوقيع البرتوكولات الطبية مع دول الجوار ودول العالم الأول ذات التكلفة العالية.

(4)
بدت ورقة السياحة العلاجية وكأنها انقلاباً في المشهد برمته، فبدلاً من خروج المرضى عبر صالة المغادرة يجب انتظارهم في صالة الوصول، وهو ما يجعل السودان يستقبل عملة حرة بدلاً من أن يفقدها، وهي أمور تبدو إيجابية من حيث المنطلق النظري ولكنها ستجد نفسها مواجهة بتحديات أخرى كثيرة جداً لا تتجاوز البيئة المحيطة في ما يتعلق بتقديم العلاج وتوفير مقوماته، كما أنها ستجد نفسها مواجهة بتحدٍّ آخر يتعلق بحمل الأطباء أمتعتهم (مهاجرين) دون أن يشغل هذا الأمر وزارة الصحة التي تقول إنها تدعم هجرة الكوادر، باعتبار أن مكاسبها أكثر من مضارها.

اليوم التالي.

‫2 تعليقات

  1. [[ أن يطلب (50) ألف مواطن سوداني (فيزا) للعلاج بالهند، فإن الأمر يؤكد على أن ثمة اختلال واضح في مؤسسات توفير العلاج بالداخل على مستوى البنية التحتية لمؤسسات الصحة]]…وفيم الاستغراب؟ ألم يُصرح د. مأمون حميدة قبل سنوات قليلة بأن هجرة الاطباء لا تؤرقه؟ بينما ((يكشف ياسين عباس وداعة، مدير القمسيون الطبي القومي، عن زيادة في طلب العلاج بالخارج، مشيرا إلى إصدار سفارة الهند بالخرطوم لـ(50) ألف فيزا في شهر واحد، ما يعادل أضعاف ما أصدره القمسيون الطبي خلال (10) أشهر، معتبراً أن عدم توفر المعينات العلاجية لهذه الحالات بالإضافة للأطر الصحية المدربة والمؤهلة وعدم مقدرة الدولة على شراء الأجهزة الحديثة للتشخيص))…وطبعا عندما تنفض اية دولة يدها مما تقدمه من خدمات للمواطن بديهي ان يلتفت المواطن للخارج لعله يجد ما يفقده داخل بلده. وقال[[الدور السلبي للإعلام في تناول المشاكل الطبية وترصد الأخطاء،]]…بديهي ان يكشف الإعلام تلك الاخطاء ليعرف المواطن ما يُخفى عنه وأكيد سيسبب هذا الأمر بفقدان المواطن للثقة بعلاج الداخل<>… ولكن هل كل المواطنين ممن يقدر
    على العلاج بالخارج؟…..إذن في نهاية المحصلة على الدولة ان تبذل ما وسعها لتوطين العلاج داخل البلد وذلك من اصغر واجباتها للمواطن. والله من وراء القصد.

  2. [[ أن يطلب (50) ألف مواطن سوداني (فيزا) للعلاج بالهند، فإن الأمر يؤكد على أن ثمة اختلال واضح في مؤسسات توفير العلاج بالداخل على مستوى البنية التحتية لمؤسسات الصحة]]…وفيم الاستغراب؟ ألم يُصرح د. مأمون حميدة قبل سنوات قليلة بأن هجرة الاطباء لا تؤثر على مستوى اداء المستشفيات؟ بينما ((يكشف ياسين عباس وداعة، مدير القمسيون الطبي القومي، عن زيادة في طلب العلاج بالخارج، مشيرا إلى إصدار سفارة الهند بالخرطوم لـ(50) ألف فيزا في شهر واحد، ما يعادل أضعاف ما أصدره القمسيون الطبي خلال (10) أشهر، معتبراً أن عدم توفر المعينات العلاجية لهذه الحالات بالإضافة للأطر الصحية المدربة والمؤهلة وعدم مقدرة الدولة على شراء الأجهزة الحديثة للتشخيص))…وطبعا عندما تنفض اية دولة يدها مما تقدمه من خدمات للمواطن بديهي ان يلتفت المواطن للخارج لعله يجد ما يفقده داخل بلده. وقال[[الدور السلبي للإعلام في تناول المشاكل الطبية وترصد الأخطاء،]]…بديهي ان يكشف الإعلام تلك الاخطاء ليعرف المواطن ما يُخفى عنه وأكيد سيسبب هذا الأمر بفقدان المواطن للثقة بعلاج الداخل<>… ولكن هل كل المواطنين ممن يقدر
    على العلاج بالخارج؟…..إذن في نهاية المحصلة على الدولة ان تبذل ما وسعها لتوطين العلاج داخل البلد وذلك من اصغر واجباتها للمواطن. والله من وراء القصد.