صلاح حبيب

هل نلنا استقلالنا فعلاً؟

تحتفل البلاد اليوم من دار المجلس التشريعي بالخرطوم، بالذكرى (62) الثانية والستين لاستقلال البلاد من داخل البرلمان، الموافق: التاسع عشر من ديسمبر 1955 وعلى الرغم من مضي اثنين وستين عاماً على نيلنا الاستقلال، الذي سكب فيه الآباء والأجداد العرق حتى تحقق، ولكن لم نشعر حتى الآن أننا فعلاً نلنا استقلالنا، فنيل الاستقلال حلم كان يراود الأوائل الذين عاشوا حالة الذل والاضطهاد من قبل المستعمر، ولكن الذين جاءوا من بعدهم لم يحسوا بتلك الفوارق.. لذا فالظلم ما زال واقعاً على أبناء الشعب، ومازال الحقد يملأ القلوب والنفوس، ومازالت الفوارق الطبقية موجودة، فكثير ممن يعتلون سُدة الحُكم ينسون الشعب بعد ذلك، ومن هنا يبدأ الشخص في وضع الحاشية والاستئثار بكل شيء، التعليم الخاص للأبناء والإجازات بالخارج والعلاج كذلك، ولم يحس المواطن أن الذين منحناهم أصواتنا في انتخابات تقوم أوفوا بوعودهم، فالذي أتى من الولايات لم يَعُد إليها مرة أخرى، فاكتفى ببناء قصر في الخرطوم واصطحب كل الأهل من بعد ذلك، فالولايات التي رشحته لتقديم العون والمساعدة لها، تظل كما هي الآن، النائب الذي أؤتمن على الإصلاح عمل على إصلاح حاله وحال أسرته وأصبح من سكان المدن التي تنعم بالأمن والاستقرار، فإن مرض أحد أفراد الأسرة حملته أول طائرة إلى الخارج لتطبيب أسرته، وإن فشل ابن من أبنائه في ولوج الجامعات السودانية، قطع تذكرة وذهب به إلى الدول التي تقدم له العون والمساعدة.. ماليزيا أو الصين أو بريطانيا أو أي دولة يفتخر بها قبل ابنه عند التخرج، ولذلك نحن حتى الآن لم نل استقلالنا طالما لم نحس بتغيير في حياتنا، مازلنا نعيش حالة الفقر والجهل والمرض، ومازال إنسان الريف يعاني من الأمية وتوفر الخدمات، وما زال الأطفال يعانون من ندرة المواصلات التي تقلهم إلى مدارسهم، ومازال إنسان الريف يطمع في أن يشرب ماءً زلالاً، ومازال الاستغلال البشري يمارس على إنسان السودان في مأكله ومشربه وملبسه، فكل شخص يحاول أن يجعل له سلماً يصعد به على حساب الآخرين. فكل الحكومات التي تعاقبت على الحُكم لم نجد منها ما يفي بالوعود، فكل حكومة تأتي أقل قدرة وفائدة من التي سبقتها فالآن ونحن نحتفل اليوم من داخل البرلمان أو المجلس التشريعي، فسوف يتبارى المتحدثون عن الاستقلال، وكيف تقدم النائب فلان الفلاني، وكيف ثناه العلاني لتكون بداية الاستقلال من داخل البرلمان، ولكن هل سأل أحد الساسة ما الذي قدموه لهذا الشعب طوال فترة الاثنين وستين عاماً؟ مازلنا نفتقر إلى البنية التحتية ومازلنا نعتمد على الكباري التي خلدها لنا المستعمر، فما قدمناه طوال تلك الفترة لا يرتقي إلى معنى الاستقلال الحقيقي، كثير من الشعوب من حولنا نالت استقلالها من بعدنا، ولكن أين نحن وأين هي اليوم؟ دول تقدمت في مجال التعليم والصحة والخدمات ونحن عجزنا حتى توفير طماطم للمواطنين، والغلاء يضرب الأسواق يومياً، فالمواطن بعد اثنين وستين عاماً مازال يبحث لقمة الطعام والدواء واللباس، أي استقلال هذا الذي نلناه ونحن مازلنا مقعدين عن التطور والإبداع في كافة المجالات؟!! كرة القدم التي علمناها لشعوب المنطقة لم نستطع تحقيق الانتصارات عليهم، بل بدأنا في جلب لاعبين من الخارج ليساعدونا ويعينوننا على هزيمة الآخرين، أما التعليم فما زلنا في حالة تراجع وتدنٍ في المستوى، والصحة حدث ولا حرج، فكل متطلبات الاستقلال لم تتحقق للمواطن، ولذلك يفترض أن يقتصر برنامج الاحتفالات عبر الفضائيات أو الإذاعات، وما سينفق من مال يوظف في أمور تعود للمواطن بدلاً من إهدارها فيما لا يجدي..
وكل عام والسودان بألف خير.

صلاح حبيب – لنا راي
صحيفة المجهر السياسي

تعليق واحد

  1. اذا جاز لنا الاحتفال بالهزائم والنكبات ( مثل ما يفعل دراويش الانصار عند الاحتفال بهزيمة كرري) فلنحتفل بنكبة الاستقلال ونغسل الدموع بالنيل حتي تجف مااقيا وفي يوم النكبة نلعن السيدين واحفادهم والشيوعيين واذنابهم والاسلاميين واذقانهم ….. الله يرحم الانجليز …….