تحقيقات وتقارير

في ميلاده يقدم جرداً سنوياً لواقع البلاد ويهاجم “تنابلة السلطان”، وينادي بـ”نظام جديد” وينبه معارضيه بقوله “لست عاجزاً”

بعد غياب لفترة طويلة، تعود الخيام لتنتصب في البيت الكائن بالملازمين، ويعود السيد الإمام الصادق المهدي لممارسة عادته السنوية في الاحتفال بذكرى ميلاده.
الرجل يسميها (وقفة مع الذات) مبتعداً بها عن البدعة كما يقول آخرون، أما بالنسبة إليه فهي أكثر من مجرد ذكرى للتباهي الشخصي وتقديم الهدايا وجعل صاحبها أو صاحبتها محط الأنظار، فهي نوع من الترف الاجتماعي الضار، ولكنها مناسبة لوقفة مع الذات من باب الآية الكريمة: (وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ)، ومن باب تقديم كشف حساب ومساءلة فهي حميدة، فالنقد الذاتي أكبر وسيلة للبناء عرفها الإنسان. هكذا ينظر الإمام لذكرى الاحتفال بميلاده محاولاً فيها الربط بين الخاص والعام بغية الوصول إلى نتيجة تفضي للاستقرار في بلاد ظل يمارس فيها العمل السياسي لستين عاماً.

(1)
لم يكن الأمر لينتهي عند التزامن بين ميلاد إمام الأنصار وميلاد السيد المسيح، ففي العام 2014 كان ثمة تزامن بين خيمة ميلاد الإمام المنصوبة وخيمة كانت قد نُصبت في حي عد حسين لتلقي العزاء في رحيل زعيم حركة العدل والمساواة خليل إبراهيم وقتها.
بالأمس كان ثمة تزامن آخر هذه المرة بين الاحتفاء بميلاد حفيد المهدي الذي تزامن مع احتفاء آخر بحفيد من أقام المهدي ثورته ضدهم في القرن الثامن عشر بين (الصادق ورجب طيب أردوغان)، كانت تمضي الحكاية الأمدرمانية وحكاية وجود الضيف في أرض الساحل، كان الأمر يتحرك ساعتها وفقاً لمؤشر حديث نائبة رئيس حزب الأمة القومي وابنة الإمام مريم وهي تطالب أردوغان بالاعتذار عن ممارسات جدوده أثناء احتلالهم للسودان، وهو ما نفاه الرئيس التركي أثناء حديثه أمام نواب المجلس الوطني بأم درمان، وعلى غير العادة بدا مؤشر الاهتمام بميلاد الإمام متراجعاً مقارنة بمتابعة تفاصيل زيارة الرئيس التركي للبلاد، وكان تعليق الإمام في ذكرى ميلاده مقارباً لتصريح مريم حين طالب أردوغان الفصل بين العثمانيين والأتراك متمسكا بموقف حزبه، بأن هناك ثمة أخطاء كبيرة ارتكبها العثمانيون إبان فترة فتوحاتهم الإسلامية.

(2)
ولأن الإمام يسمي الاحتفاء بعيد ميلاده (وقفة مع الذات)، ابتدر حديثه بما أسماه عيوب العام الذي انقضى من عمره، وقال إنه مثل البشر له أخطاء لكنها أخطاء تقف في محطة إيذاء صاحبها ولا تتجاوزه. المهدي أشار إلى عيوب ابتدرها بحرصه على أداء الالتزامات الاجتماعية التي بالرغم من ضرورتها في بناء النسيج الاجتماعي إلا أنها تأخذ الكثير من الوقت والجهد، ومع الالتزامات الاجتماعية قال المهدي بعجزه في تدبير مبالغ مالية تمكنه من القيام بواجباته العامة، حيث إن (الفلس) قاد لتعثر عدد كبير من المشاريع، ولم يغادر المهدي النقطة دون الإشارة لنجاح الحزب الحاكم في تجفيف موارد الحزب في معاركهم المتعددة، وأشار أيضاً إلى أنه سيضطر لبيع ورهن عدد من الأصول من أجل إنجاز التكاليف الحزبية والمؤتمرات العامة. وأشار أيضاً لعجزه في إنجاز مشروع كتابة سيرة النبي عليه الصلاة والسلام، كما أن واحدة من العيوب التي أشار لها الإمام هي انقطاع علاقته بممارسة رياضة الفروسية وركوب الخيل.

(3)
في حديثه حول العيوب التي رافقته في عامه الحالي، لفت المهدي إلى حياته الخاصة ونعتها بأنها صارت جدباء رغم اعتزازه بشركائه وأعوانه وأولاده، وقال إنه لو حق له التمني لما تمنى أن يكون حوله غيرهم، لكن هذا الأمر لم يمنعه من التعبير عن حياته الخاصة بأنها صارت متصحرة، لكن في خضم ذلك فإن الإمام يشير إلى النبت الأخضر الذي ينمو حوله، وهنا يتحدث بشكل مباشر عن زواج نجليه عبد الرحمن والبشرى، معتبراً إياهما الحدث الأبرز والأجمل طوال العام المنقضي، فهو الحدث السعيد، واعتبر الإمام في يوم ميلاده أن عودته للوطن والاستقبالات التي وجدها بعثت فيه روح جديدة وصنعت شرعية موازية لشرعية النظام التي بدت آخذة في التآكل.

(4)
في ذكرى ميلاده الثاني والثمانين لا ينسى الصادق أن يرد على منتقديه ممن يرون أنه قد أصيب بالعجز. ويربط المهدي بين ما يحدث الآن وبين الذي حدث في بواكير عمره، حين صعد لمنصب رئيس الوزراء في ستينيات القرن الماضي، حين رأى البعض أن حداثة عمره ستقوده والبلاد إلى الفشل قبل أن ينجح في إسكاتهم بأعماله.
وسخر المهدي ممن أسماهم بـ(تنابلة السلطان) الذين يضعونه وآخرين في صف (العواجيز)، ولا يغادر المنصة دون أن يرد عليهم بسؤال: (بذمتكم هل أنا عاجز؟)، وأضاف: (هل المطالبة بالتنحي أولى بها الإمام أم أولئك الذين يقودون البلاد نحو الهاوية؟)، ويكمل المهدي أنه ومن خلال دراسة أنجزتها مجلة التايمز، أثبتت أن الأشخاص في العقد التاسع من عمرهم يتدفقون حيوية وأنهم يناضلون من أجل تحقيق التغيير، وأنهم إيجابيون في التعاطي مع الأمور، وأنهم الأكثر جدية في أداء الأعمال، ويؤكد المهدي أن غرضه من هذه المرافعة ليس البحث عن أسباب ومبررات الاستمرار، فهو قد قرر سلفاً إنجاز التأسيس الرابع للحزب ومن بعده سيتفرغ للعمل العام والخارجي، وختم أن البهائم هي التي تقيم بأعمارها.

(5)
في ذكرى ميلاده لم ينس الإمام أن يوجه هجوم العادة للنظام الحاكم وسياساته التي يقود من خلالها البلاد، وبالنسبة للمهدي فإن الأمر يمضي نحو المزيد من التأزيم وعلى النظام أن يعي خطورة ما يحيط به، وهو أمر قد يتجاوزه للبلاد برمتها، فبالإضافة للأزمة الاقتصادية التي ستمسك بزمام البلاد هناك أزمات أخرى تتعلق ببنية العلاقات الإقليمية للحكومة، حيث يحدث التوتر في الجنوب والشمال، كما أن بناء النظام استراتيجياته على الفرحة في نجاحه في القضاء على الحركات المسلحة أمر خاطئ، باعتبار أن النشاط المسلح يمكن أن يعود في أي لحظة، وأنه لا يمكن إنهائه إلا باتفاق سياسي يضع الحلول لكافة المشكلات، وهو ما يتطلب من النظام إعادة النظر في تعاطيه مع المشهد وفقاً لما يحقق تطلعات السودانيين في السلام والديمقراطية، وفي حال لم يحدث ذلك فإن النتيجة هي انتفاضة شعبية تغذيها بشكل رئيس الاستراتيجيات الخاطئة للنظام الحاكم، ويحدد المهدي الخلاص المنتظر في ما يسميه النظام الجديد.

(6)
بالنسبة للإمام فإن أسوأ ما حدث في العام السابق هو الانشقاق الذي ضرب جسم الحركة الشعبية (قطاع الشمال)، ورغم أن المهدي في وقت سابق كان قد رفض أطروحات تيار الحلو في ما يتعلق بالمطالبة بحق تقرير المصير، إلا أنه عاد ليقول إن الخط الرئيس الذي سيمضون فيه هو السعي الجاد لجمع شتات الحركة الشعبية، وبالطبع السعي من أجل جمع شتات المعارضة عبر إعلانه عن عقد لقاء جامع لكل فصائل نداء السودان، وبالطبع لن يتم هذا الأمر بتجاوز تحالف الإجماع الوطني الذي ينشط في المقاومة من الداخل، وحدة المعارضة تبدو الخيار الأمثل لمواجهة الحكومة، وبالطبع لمواجهة خيارات التقسيم والتجزئة في البلاد ككل لم ينس المهدي أن يشير إلى المشكلات الاقتصادية وإلى العجز الرسمي في إيجاد معالجات لها، واعتبر أن ميزانية 2018 تعد من أفشل الميزانيات في تاريخ السودان، فهي ميزانية تحمل عجزها في داخلها وتعبر بالطبع عن عجز سياسات من وضعوها.

اليوم التالي.

‫2 تعليقات

  1. الصادق بندقجي المعارضة
    كل شي فيك ميت عدا لسانك. وبقي ما جايب حق.

  2. الصادق بندقجي المعارضة
    كل شي فيك ميت عدا لسانك. وبقي ما جايب حقو.