تحقيقات وتقارير

سك النقود من ذهب .رؤى مختلفة … وأفكار قابلة للتنفيذ


اعلنت وزارة المعادن عن رغبتها في انشاء مصنع لتصنيع النقود المعدنية في غضون شهرين لتصنيع مليون قطعة ذهبية ، وهي ذات الفكرة التي طرحها رئيس تحرير صحيفة الصحافة د.ابراهيم الصديق علي في العام 2016م في عموده «رؤى وافكار» والذي نشر يومي 2-3 اغسطس ، حيث اقترح عملة معدنية من الذهب حينما قال ان الخيارات دائماً متوفرة في إدارة الاقتصاد، كما في السياسة، وبعض القرارات يتطلب جرأة أكثر، وانفتاحاً أكبر، مع بعد النظر، واليوم نفتح «كوة» لحوار اقتصادي يعالج نقاط قصورنا بمصدر القوة، ونحن نشهد كل يوم انخفاضاً في سعر صرف العملة الوطنية مع العملات المرجعية، بما يعبر عن الواقع الاقتصادي العام والسياسات النقدية واحتياطي النقد الأجنبي وقدرة البنك المركزي علي الوفاء بالاحتياجات العاجلة إن العملة أو النقد، وبغض النظر عن أنواعها، فإنها تقوم علي مظهرين نقود حقيقية «Real money» وهي ذات القيمة المادية الفعلية نقود تقديرية «Account money» وليس لها وجود مادي، وإنما تستند إلي قوة اقتصاد الدولة واحتياطاتها..
فإن كان الاحتياطي النقدي عندنا محدودا، لماذا نتمسك بالنقد التقديري وبإمكاننا التعامل بنقد حقيقي؟.
أفكار مجنونة
إذن لماذا لا تكون للعملة الوطنية قيمة فعلية، ومادية، ونسك العملة من الذهب! وهذه ليست بدعة، لأن الدينار العثماني الذهبي كان يمثل قيمة مادية فعلية، والجنيه الانجليزي «الذهبي» والروبية الهندية «الفضية»، ونحن ننتج ذهباً في حدود 82 طنا العام الماضي «اي عام 2015م» ، وربما يتضاعف هذا العام، وجرام الذهب أمس ما بين «43.28 دولار – 18 دولارا» ، في ذلك الوقت ، وفق كل عيار بما يفوق قيمة متوسطه 3.8 مليار دولار، ومع الظرف المحلي والأزمة العالمية، فإن أزمة السيولة أو إدارة السياسة النقدية تمثل أكبر التحديات لبنك السودان، وللدولة السودانية، ويمكن حلها بربط العملة بقيمة حقيقية، وليس عملة مرجعية، تتأثر بحركة الاقتصاد اليومية وظرفيات التحديات الداخلية، وسعة الاحتياجات الأساسية مع انعدام التوازن الداخلي والخارجي في الموازنة العامة.
وأكثر ما يميز «سك» العملة من قيمة فعلية، أنها تصبح ذات قيمة في ذاتها، وتحفظ القيمة وتعتبر مخزناً. إن الولايات المتحدة «مثلاً» تصدر شهادات ذهبية، ويحق للمواطن صرفها ذهباً أنى شاء ويمكن أن يتم التداول بها، وحين يتم سك العملة من الذهب فإننا نجعل للعملة قيمة ذاتية، ثابتة ومستقرة لأطول فترة ممكنة، وهي في حد ذاتها معبرة عن قوة اقتصاد الدولة، وكلما زادت الكتلة النقدية في أيدي الناس، اتسعت القيمة الاقتصادية للدولة وللمجتمع.
لقد نشأت بدايات العملة من الذهب والفضة والمعادن النفيسة، وبقايا الدينار العثماني الذهبية والفضية الآن آصبحت للزينة و»التمائم» وتعتبر في حد ذاتها قيمة وأغلبها يرجع إلي ما قبل عام 8191م، ومازالت باقية، وتواجه مثل هذه التجربة التزوير التهريب.
وهذه المشكلات تواجه الآن العملات الأجنبية أيضاً ومازالت تمثل تحدياً عالمياً وإقليمياً ومحلياً..
وغني عن القول ان النقود بشكل عام في اتجاهها للتناقص مع شيوع النقود المصرفية «الشيكات» والنقود الائتمانية والنقود الالكترونية التي أصبحت تشكل عنصراً فاعلاً في التجارة العالمية، وعليه فإن الكتلة النقدية بهذه الرؤية ستكون أقل، وقيمتها أكثر وتعبر فعلياً عن اقتصاد الدولة، حيث تخضع اقتصاديات الدول إلي دراسات وتكهنات لا تعبر فعلياً عن الواقع الفعلي، ومن بين تلك الدول السودان، وبدلاً عن اللجوء إلي عملات مرجعية أخري غير الدولار كما هو الآن، فإننا ينبغي أن نؤسس لاقتصادنا بناءً علي منظور جديد يستند علي عملة حقيقية «Real money».
إنها مجرد آراء لاثارة النقاش وفتح سقف الأفكار بأعلي مداه.
وامس الاول اعلن وزير المعادن بروفيسور هاشم علي سالم الشروع في اقامة مصنع لانتاج النقود الذهبية في غضون شهرين لتصنيع مليون قطعة ذهبية سنويا وكشف الوزير في تنوير قدمه للنائب الاول لرئيس الجمهورية رئيس مجلس الوزراء الفريق اول ركن بكري حسن صالح بمجلس الوزراء امس الاول كشف عن اتصالات قامت بها وزارته مع ألمانيا، لتصنيع النقود الذهبية، موضحا أن المصنع سيتم إنشاؤه في غضون شهرين من الآن مشيرا الي انتاج 107 طن من الذهب حتي الان واشار الي ان النائب الاول وجه بتحسين الوضع في الاسواق ال75 وبين ان وزارته ستقوم في مطلع فبراير بتطوير وتحسين هذه الاسواق من خلال انشاء وحدات علاجية واسعافات وطاقة شمسية ومياه صحية نظيفة واشار الي رغبة بعض المستثمرين السعودين في الاستثمار في مجال المعادن بالسودان .
واعتبر رئيس التحرير د. ابراهيم في عموده «رؤى وافكار» الذي كتبه في زمن متقارب من العمود السابق ذكره ان تسارع الكتلة النقدية وكثافة التبادل دليل عافية في المجتمع والحياة، لأن حركة الأموال بين أيدي الناس تشير إلي حركة بيع وشراء وزيادة في الدخل وزيادة في الانتاج وتمويل المشروعات التجارية والزراعية، وحين يقل التداول يحدث ما يسمي «الركود الاقتصادي»، أما تزايد «حجم الكتلة النقدية» فإنه يعبر عن التضخم، والتضخم من سماته تقلص «القوة الشرائية للنقود»، وبالتالي تقوم الحكومة بزيادة المطبوع من النقد دون أن يكون مقابل ذلك انتاج فعلي ومردود مقابل هذه الأموال.
وحين نقترح أن تكون العملة نقداً حقيقياً من الذهب فإننا نعمل فعلياً علي تقليص «حجم الكتلة النقدية»، لأن سعر الجرام من الذهب اليوم في حدود 258 جنيها سودانيا، وإذا قدرنا أن أي عملة سودانية ستكون في حدود جزء من الجرام الذهبي فإنها ستكون ذات قيمة عالية.
صحيح ان هنالك أسبابا كثيرة ومظاهر متعددة للتضخم، وليس حجم الكتلة النقدية وضعف القوة الشرائية فحسب، وإنما اختلال العلاقة بين أسعار السلع والخدمات والعملية الانتاجية بعناصرها الكلية، ولكن تصويب النظر إلي عنصر أساسي في الاقتصاد والتركيز عليه يعطي مردوداً ايجابياً ونقلة نوعية، ولو ركزت الدولة علي الذهب مثلاً، من حيث التنقيب والتعدين وضبط حركة البيع والشراء، ومحاصرة التهريب وتحسين بيئة ووسائل التعدين الأهلي، فإن ذلك يمثل مصدر قوة ومردودا مباشرا وعاجلا وأكثر فائدة وأقل تعقيداً، ولكنه في كل الأحوال من الموارد «الناضبة»، وينبغي تعزيزه باقتصاديات حيوية ونابضة بالحياة كالزراعة والثروة الحيوانية ثم الصناعة لتحقيق الاكتفاء الذاتي علي الأقل كمرحلة أولية.
خلال الـ»10» أعوام الماضية حافظ الذهب علي أسعاره، بينما شملت التقلبات الاقتصادية كل العملات المرجعية الأخري، واهتزت أسعار النفط وهبطت إلي أقل من 50%، وازدادت ديون الولايات المتحدة بسبب انخفاض السندات المالية، ومع مخاوف عديدة بخصوص الأزمات الاقتصادية، فإن أغلب الخبراء يري أن العملات الورقية العالمية قد تتحول خلال «10» أعوام إلي الذهب والفضة، خاصة أن المؤشر العام يؤكد أن الذهب في تصاعد رغم الانخفاض المحدود لأسعاره ولكنه حافظ علي وتيرة واحدة، بل ان الاستثمار في هذا المعدن قد توسع بشكل كبير، مما يدعو إلي النظر في أمر ربط العملة السودانية بالذهب والفضة، وسك عملة نقدية ذات قيمة حقيقية «Real money» وهو تفكير في التعاطي مع المستقبل بواقعية ومرونة.
آراء مختلفة
بينما يري خبراء الاقتصاد ان تلك التجربة تبدو فاشلة ولا مغزي لها في ظل تدهور العملة الناتج عن التضخم الذي نتج من الترهل الحكومي ووصفوها بغير الايجابية ، مشيرين الي تجربة العالم في الاستعاضة من القوي الشرائية ببطاقة بلاستيكية بدلا عن حمل النقود الورقية او المعدنية حيث اصبح التداول عن طريق هذه البطاقات والموبايل، واكدوا ان الاقدام على هذه الخطوة يمكن ان يعرضها للسرقة وصهرها من قبل الصاغة كما يمكن تزويرها واشاروا الي ان البلاد تعول كثيرا علي الذهب كمورد للنقد الأجنبي بعد فقدانها 75 % من عائداتها النفطية، بسبب انفصال جنوب السودان في يوليو 2011م، فيما ذهب بعضهم الي ان التجربة في مرحلة الاعداد وانها تحتاج لوقت واشاروا الي أن وجود العملة المعدنية مستقبلا من شأنه ان يفتح آفاقا مستقبلية للاقتصاد القومي وتعتبر في حد ذاتها، الا انها ستواجه مثل هذه التجربة بعض التحديات مثل التزوير التهريب ، واكدوا ان مداولتها يمكن ان تكون محصورة في فئة معينة وان التعامل بها يصبح محدودا في حال تم ذلك.
بالرغم ان رئيس التحرير ختم عموده الثاني بتأكيد العودة للكتابة في هذا الموضوع بجملة «ولنا عودة ان شاء الله» هل كان يتوقع ان تبتدر وزارة المعادن هذه التجربة ، لذا ننتظر منه الإجابة كما ختم عمود بكلمة ولنا عودة .

الصحافة.


‫3 تعليقات

  1. رئيس التحرير هذا لا يدرى أن هذا الطريق دونه قطع الأعناق. أما سمع بمحاولة إغتيال ديغول عندما اراد استبدال الدولار بالذهب؟. اما سمع بما حدث للقذافى عندما فكر فى صناعة عملة ذهبية افريقية؟

  2. يعني تستطيعوا تغيروا قواعد اللعبة الإقتصادية الدولية !!!!!!!! ، هبل ، إنتو عارفين بتقولوا في شنو ؟ ، هل قامت حرب عالمية جديدة و طلعتوا منتصرين و نحنا ما سمعنا بيها ،

  3. هذا ممكن و بكل تأكيد لكن البنك الدولي و نظام التجاره العالميه لم تدعكم و شأنكم ابدا و سوف لا تعجبها ذلك البته لأن ذلك يعني الاستغناء الجزئي عن الدولار ان لم يكن كليا و ذلك لأن هناك كميه لا بأس بها من الدولارات في ايدي مواطنين خوفا من انهيار الجنيه السوداني فبدأ الكل في تخزين الدولار كقيمه حافظه و ليس كحوجه فعليه , فإذا ظهر البديل الفعلي للدولار فسوف يستغني الناس عن الدولار كقيمه حافظه لثرواتهم و سيقل الطلب عليه و بالتالي نزول قيمتها.عند التداول الفعلي .