لم يخذلنا المريخ
لم أكن أتوقع أن يهزم المريخ بهدفين في داره ووسط أهله وعشيرته، لكنني كنت أيضا أتوقع أن يخرج من البطولة في دور الـ16 أو في مراحل أخرى، ليس لأنه فريق هزيل، بل لأنه حلقة من حلقات الإخفاق الرياضي في بلادنا.
كرة القدم وسودانير والدراما في بلادنا تحتاج لمؤتمر دستوري جامع، أو وفاق وطني، أو مرحلة انتقالية بلغة السياسة، وربما تحتاج (لدق الزار) جريا على فوبيا النساء، فهي من الأنشطة التي (أدوها عين) حين كانت بلادنا رائدة هذه الأنشطة، أيام كانت سودانير تقطع المسافات الطويلة بقيادة سودانير من الخرطوم حتى لندن مرورا بأثينا وروما وفرانكفورت حتى مطار هيثرو، وكان المبعوثون أيامها ينتظرون الطائرة لاستلام ما ترسله لهم أسرهم من بهارات سودانية وشطة وأحيانا أفخاذ ضلع من لحم شحيم.
كانت سودانير تربط كل غرب أفريقيا بالجزيرة العربية في كل ثانية يصيح فيها المنادي بمسلمي تلك البقاع عمرةً أو حجاً مبروراً، وكان المسافرون من فورتلامي وكانو وبنين وداهومي لا يستقلون إلا ظهر (سودانير) ويفضلونها حصرا على كل الدواب الجوية لسر غامض فيها يخبئ نكهة خاصة بالسودان!!.
وكان المريخ في حمأة هذه العزة نجمة تسقط مباشرة لصدور اللاعبين من الأفلاك وجمهوره يغني (بالطول والعرض.. مريخنا يهز الأرض)!.
تاه المريخ يوم أمس وأصبح وسط العشيرة التي جاءت بالنحاس، غريب الوجه واليد واللسان، أما نحن عشاقه الجرحى الذين أدمنا المواجع والأحزان والإحباط والأسى فقد بلعنا ألسنتنا فاستقر اللسان في الجوف!!.
السؤال ليس لماذا خسر المريخ ولكن السؤال الأرجح كيف يعود المريخ؟ وكيف تعود الايام الزواهر الناضرات لكرة القدم؟ وكيف يكتب الصحافيون الرياضيون العناوين النضرة التي تظلل معنى الانتصار؟.
تلك عناوين وعبارات لم تتكرر منذ أن كان طه حمدتو يقسم الملعب لمربعات ويصدح بصوته من المذياع يصف جكسا ومحسن عطا وأمين زكى و(سمير ماشي) وتلك عناوين غابت بغياب عمر عبد التام وحسن عز الدين أطال الله عمر طلحة الشفيع الذي كان يطلق الألقاب من وحي الانتصارات على الإداريين واللاعبين والجمهور. الانتصارات تطلق الحبر، وتسند القلم، والهزائم تكسر الخاطر فيكف القلم عن الحبر المباح، هذه حالنا وحال الصحافة الرياضية وحال الإدارة واللاعبين أنفسهم.
قطعا لن ينتصر المريخ في كمبالا، لأنه لم ينتصر في الخرطوم وسط العشيرة، والسوداني عشائري بطبعه، وهذا ما يعني خروج المريخ من هذه المنافسة التي أعد لها ما استطاع من خيل (ميونخ) ومن صهيل (بايرن)!!.
ما يدهشني أن المريخ خسر بهدفين من بايرن ميونخ بطل أندية العالم وخسر بذات النتيجة من كمبالا سيتي الذي اعتدنا تاريخيا على عبوره مثلما كانت (سودانير) تعبر لنيروبي، النتيجة الأولى اعتبرناها انتصارا للمريخ بهدفين في شباكه لكن النتيجة الثانية هى خسارة للمريخ بهدفين في كبريائه وفي كرامة المدرب وحلم المشجعين!!.
توج المريخ حزننا ودمغ بالحزن لمنتهاه ونحن نعيش يومين كالحين رحل فيهما صديقنا المخرج محمد سليمان دخيل الله وغازي في اليوم الثاني ورحل بنا المريخ في (اليوم التالي) هل عبرت بصدق عن حزني يا مزمل؟!!.
[/JUSTIFY]
أقاصى الدنيا – محمد محمد خير
صحيفة السوداني