لا تمنعوهنَّ من المساجد
ويواصل العلامة الشيخ محمد الغزالي تعرية التقاليد الراكدة والوافدة من خلال المقارنة بينها وبين الإسلام، وأرجو أن تتابعوا الأسطر التالية من كتابه (قضايا المرأة بين التقاليد الراكدة والوافدة).
صلة المسلم بالمسجد تنبع من أعماق ضميره! فهو البيت الذي يرنو إليه ويتردد صباحاً ومساء عليه، وفي ساحته الطهور يناجي ربه، وتشرق على روحه أشعة من تكبير الله وتحميده، ويلتقي برجال مثله جمعتهم أخوة الإيمان وطاعة الرحمن.
إن الجماعات المتصلة في المساجد واحات من الحق والخير على ظهر الأرض، ومثابة يأرزُ المؤمنون إليها هاربين من زحمة الأثرة والشهوة، وسعار المآرب العاجلة، مقبلين على الله راجين الدار الآخرة..!
فلا عجب إذا كان بين السبعة الذين يظلهم الله يوم القيامة رجل “قلبه معلق بالمساجد”.
على أن أعمال الحياة قد تفرض على الناس أن يؤدوا الصلاة فرادى أو جماعات في البرية إذا كانوا رعاة غنم، أو في الحقول إذا كانوا فلاحين، أو في المصانع والدواوين.
ولا بأس عليهم في هذا الانقطاع عن المسجد، لأنهم يقومون بفرائض أخرى، وعندما ينتهون منها تتجدد علاقتهم بالمسجد كما كانت.
والنساء والرجال سواء في الارتباط بالمسجد، والتعرض لرحمات الله غدوًا ورواحًا، ليلاً ونهاراً.. بيد أن هناك فرقاً لا مانع من شرحه، إن العمل الأول للمرأة في بيتها وهي أمام الله راعيته ومسؤولة عنه.
وهو فرض في عنقها، أما الجماعة فهي سنة! ولا يجوز تحت مظلة هذه السنة إهمال البيت، وتعطيل مصالح الزوج والأولاد، ومن ثم قدم الشارع رعاية الأسرة على شعيرة الجماعة، فإذا أدت المرأة واجبها لزوجها وأولادها، فمن حقها أداء الصلاة في جماعة والحرص على الثواب، ولا يجوز لرب البيت أن يمنعها بعدما وفت بحقه، وفي ذلك يقول رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم : “لا تمنعوا إماء الله مساجد الله”!!
ولا ريب أن تخلفها عن المسجد لمسؤوليات البيت يجعلها أمام الله أهلاً لثواب الجماعة وإن لم تحضرها، فعذرها المقدور يعطيها ثواب الحضور!
وقد أخطأ نفر من أهل العلم فظنوا الجماعة للرجال لا للنساء، بل زعم بعضهم أن البيت أفضل للمرأة من المسجد، ونقلوا مرويات تافهة منكورة، موّهوا بها على الأغرار، وأخفوا ما تواتر على طريق القطع أيام النبي عليه الصلاة والسلام، وفي عهد الخلافة الراشدة، من احتشاد النساء في المساجد وانتظام صفوفهن عشرات السنين.
روى مسلم عن عبد الله بن عمر : قال: سمعت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول : “لا تمنعوا نساءكم المساجد إذا استأذنكم إليها” فقال له بلال ابنه : والله لنمنعهن، فأقبل عليه عبد الله بن عمر، فسبه سباً سيئاً ما سمعته سبه بمثله قط! قال: أخبرك عن رسول الله، وتقول والله لنمنعهن!!
وفي الصحاح عن زينب امرأة عبد الله بن مسعود، قال لنا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم : “إذا شهدت إحداكن المسجد فلا تمس طيباً” والطيب نوعان : نوع مطهر يقتل الجراثيم والروائح الكدرة، وهذا لا حرج فيه ونوع نفاذ الرائحة لافت للأنظار والمشاعر وهذا مرفوض.
كما أن المساجد وضعت للعبادة الخالصة لا للقاء المريب، فلا يجوز لامرأة ذهبت للمسجد أن تتقدم إلى الأمام لترى الرجال أو ليراها الرجال، كما يحرم المسلك نفسه على الرجال، وقد تكاثرت الأحاديث في هذا المعنى “خير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها، وخير صفوف النساء آخرها وشرها أولها”
إن الله يريد لعباده التقوى والأدب والبعد عن مظان السوء، ولعل من ذلك تخصيص باب للنساء يلجن منه ويخرجن لا يزاحمهن أحد من الرجال، وقد ورد أن عمر بن الخطاب كان ينهى أن يُدخَل من باب النساء.
وقد ناقش ابن حزم ما روي أن صلاة النساء في البيوت أفضل، وأبان بأدلة دامغة أنه قول مدخول وأثر مرفوض، وتساءل: لماذا تركهن الرسول في الحر والبرد والليل والنهار يعانين التردد على المسجد إذا كانت بيوتهن أفضل؟ هل هذا من نصحه لأمته؟ ولماذا أمرهن بالخروج تفلات ـ غير متبرجات؟ أما كان يستطيع منعهن.
ذلك، وقد أمر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بإخراج النساء إلى مصلى العيد حتى الحوائض، وأمر من لا جلباب لها أن تستعير جلباباً من جارتها وتخرج، فكيف يتفق هذا مع بقائهن في البيوت حتماً؟
قال بعضهم: لعل أمر رسول الله بخروجهن يوم العيد إنما كان إرهاباً للعدو لقلة المسلمين يؤمئذ وليكثروا في عين من يراهم.
قال ابن حزم : وهذه عظيمة، لأنها كذبة على رسول الله، وقول بلا علم فقد بين النبي أن أمره بخروجهن : ليشهدن الخير ودعوة المسلمين، ويعتزل الحيض المصلى، فأفٍ لمن كذب قول النبي ـ صلى الله عليه وسلم وافترى برأيه ثم أن هذا القول مع كونه كذباً بحتاً فهو بارد سخيف جداً، لأنه ـ عليه السلام، لم يكن بحضرة عسكر فيرهبهم ولم يكن معه عدو إلا المنافقون ويهود المدينة الذين يعرفون أن الحاضرات نساء”
الحق أن منع المسلمات من المساجد بدعة سيئة، وبلاء نُكب المجتمع الإسلامي به فأورثه الجهل وسوء التربية وشرور التقاليد
ولا شفاء إلا بالعودة إلى سيرة الرسول الكريم وصحبه الأولين.
الطيب مصطفى
صحيفة الصيحة
الحمد لله
المرأة فتنة يجب صونها وحجبها عن الرجال ما استطاع ولي أمرها ذلك ، والرسول صلى الله عليه وسلم فضَّل أن تصلي المرأة في بيتها وجعل أجر صلاتها تلك أفضل من صلاتها في المسجد .
عن عبد الله بن مسعود ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ” صلاة المرأة في بيتها أفضل من صلاتها في حجرتها وصلاتها في مخدعها أفضل من صلاتها في بيتها ” . رواه أبو داود ( 570 ) والترمذي ( 1173) .
والحديث : صححه الشيخ الألباني في ” صحيح الترغيب والترهيب ” ( 1 / 136 ) .
( في بيتها ) هو الحجرة التي تكون فيها المرأة .
( حجرتها ) المراد بها صحن الدار التي تكون أبواب الغرف إليها ، ويشبه ما يسميها الناس الآن بـ ( الصالة ) .
( مخدعها ) هو كالحجرة الصغيرة داخل الحجرة الكبيرة ، تحفظ فيه الأمتعة النفيسة .
( الشرح من كتاب عون المعبود )
عن أم حميد امرأة أبي حميد الساعدي : ” أنها جاءت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : يا رسول الله إني أحب الصلاة معك قال : قد علمت أنك تحبين الصلاة معي وصلاتك في بيتك خير لك من صلاتك في حجرتك وصلاتك في حجرتك خير من صلاتك في دارك وصلاتك في دارك خير لك من صلاتك في مسجد قومك وصلاتك في مسجد قومك خير لك من صلاتك في مسجدي ، قال : فأمرت فبني لها مسجد في أقصى شيء من بيتها وأظلمه فكانت تصلي فيه حتى لقيت الله عز وجل ” . رواه أحمد ( 26550 ) .
والحديث : صححه ابن خزيمة في ” صحيحه ” ( 3 / 95 ) وابن حبان ( 5 / 595 ) ، والألباني في ” صحيح الترغيب والترهيب ” ( 1 / 135 ) .
وعن عائشة رضي الله عنها قالت : ” لو أدرك رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أحدث النساء لمنعهن كما منعت نساء بني إسرائيل قلت لعمرة أو منعن قالت نعم . ” البخاري ( 831 ) ومسلم (445) .
قال عبد العظيم آبادي :
ووجه كون صلاتهن في البيوت أفضل الأمن من الفتنة ويتأكد ذلك بعد وجود ما أحدث النساء من التبرج والزينة ومن ثم قالت عائشة ما قالت . ” عون المعبود ” ( 2 / 193 ) .
لذا على المرأة أن تحتاط في صلاتها في الأماكن العامة ، وأن تبتعد عن أن يراها الرجال ولا تفعل ذلك إلا إذا دخل وقت الصلاة وليس عندها مكان تصلي فيه إلا هذا المكان .