هل ستعتقلون كل الشعب؟!
* هل ستعتقل الحكومة كل الشعب لتمنع الغضب والاحتجاج على فسادها وخطل سياساتها، ورفع أوزارها على كاهل الجماهير الكادحة التى صبرت كثيرا على الاذى، وتجاوزت عن السيئات، وكان بإمكانها أن تنسى أو (تتناسى) أو تعفو عن الجرائم البشعة للنظام الفاسد طيلة السنوات الماضية، ولكن ظلت الأوضاع تسوء من يوم لآخر، والقهر يزداد يوما بعد يوم، والفساد يتراكم، والضغط يكبر ويتمدد، فلم يعد السكوت ممكنا، وكان لا بد ان يخرج الناس الى الشوارع للتعبير بكل رقى وتحضر عن غضبهم واحتجاجهم على الاوضاع السيئة، والحالة المزرية التى أوصلتهم إليها الحكومة الفاسدة !!
* هذه الحكومة التى فهمت أن السكوت يعنى الضعف والخنوع والاستسلام، فخرج الناس ليصححوا لها هذا المفهوم الخاطئ ويقولوا (لا) ..وإن لم يقل الشعب صاحب كل شئ، ومالك كل شئ … (لا)، ويعترض على الاخطاء، ويصحح الاعوجاج، ويطالب بإزالة الفساد ومحاكمة المفسدين، فمن يفعل ذلك، أم تظن الحكومة أنها المالك والسيد، وما الشعب إلا العبد الذى تتحكم فيه بالعصا والبمبان والبندقية؟!
* إذا اعتقدت الحكومة ذلك، ونظرت الى الشعب نظرة السيد للعبد، فإنها تكون قد ارتكبت خطأ لا يغتفر، ليس له عقاب سوى السقوط، كأى حكومة فاسدة ظالمة سقطت من قبل ــ وما أكثرهن ــ فى مزبلة التاريخ، وكتبت اسمها بمداد لا يمحى ولا يزول .. فى القائمة السوداء لعتاة الأشقياء والمجرمين واللصوص .. وما ارتكبته هذه الحكومة يؤهلها لتصدر هذه القائمة بكل جدارة واقتدار، وإذا لم تكن الحكومة مقتنعة بذلك، فلتعطينا مبررا واحدا فقط يضعها خارج هذه القائمة، ونعدها بأن نقبل هذا المبرر الوحيد وننسى كل الجرائم والموبقات التى ارتكبتها فى حق الوطن والشعب !!
* بعد أن فشلت الحكومة فشلا ذريعا فى إدارة البلاد، وأغلقت كل أبواب الحياة الكريمة فى وجه الشعب، وأثقلت كاهله بالضرائب والجبايات، وأرهقته بالاسعار التى تصعد بسرعة الصاروخ كل يوم، وضيقت عليه المعيشة لدرجة صار معها الموت أهون وأكرم من الحياة، لم يكن أحد يظن أنها ستواصل سلوكها القمعى البشع الذى درجت على ممارسته ضد معارضيها فى الرأى، ضد من خرجوا أخيرا للتعبير عن غضبهم واحتجاجهم بكل رقى وسلمية، ولكنها للأسف سقطت فى الإمتحان، وتعاملت مع المتظاهرين السلميين بكل وحشية وعنف، وضربتهم بالهروات والعصى الكهربائية، وأطلقت الغاز الخانق عليهن بمن فى ذلك النساء اللائى كن يقفن أمام بيوتهن كمظهر من مظاهر الاحتجاج الرقيق على الحياة الصعبة التى يعشنها، واعتقلت الكثيرين وفيهم أطفال، حتى قبل أن تخرج المواكب الى الشوارع للاحتجاج بشكل سلمى، ولا يزال أغلبهم فى الاعتقال، لا يعرف أحد عددهم ومن هم، وأين هم، وما هى أحوالهم، وفيهم الكبار والمرضى الذين يتحملون حياة المعتقلات، فأثبتت بذلك أنها لا تزال سادرة فى ظلمها وغيها، لا تريد، وليس لديها النية فى التعامل مع الشعب الذى صبر على ظلمها وفسادها وتخريبها، بشكل يليق به كشعب تنقصه الكثير من الحقوق، يعانى من قسوة الحياة وشظف العيش، دعك من ان يكون صاحب الحق والقرار !!
* تخطئ الحكومة إذا ظنت أن الاعتقال، والتهديد بالاعتقال، والقتل سيخيف شعبا بأكلمه، إلا إذا لم تكن تعرف ماذا تحمل صفحات التاريخ، القديم منه والحديث من مشاهد ومواقف، عاصرتْ بعضها وكانت شاهد عيان عليها، ورأت ما حدث فيها لمن كان أقوى منها، وأعتى وأكثر طغيانا، وهو ما لخصه الشاعر التونسى الخالد (ابوالقاسم الشابى) بصدق فى بيتين من الشعر (لا احتاج لذكرهما)، فالكل يحفظهما عن ظهر قلب لأنهما يعبران عن الحقيقة المطلقة التى لا ينكرها الا أحمق أسكره بريق السلطة، الى أن أيقظته هتافات الجماهير فوجد نفسه يسقط فى نفس المزبلة التى سقط فيها غيره من الحمقى والمتسلطين.
مناظير – زهير السراج
صحيفة الجريدة
تكلم بادب يا عميل السفارة