كلما تشتد مشاجرة الحكم والسياسة، انظروا الى (امكم) اثيوبيا، تعبروا ضجيج الازمة باقل الخسائر
كنت في المطعم (السوداني) بإديس ابابا ؛ أنتظر احدهم ، حينما وجدت نفسي عالقا في وحل جدل بين عامل وزبون من مواطني البلد ، وللحقيقة فقد كان العامل نفسه اثيوبي ، استشاط عليه مواطنه الذي احتج على قلة نوع صنف ما من طعام ، راها غير مجزية ؛ كان العامل يجتهد في تهدئة ثارة الرجل ، بلطف إعتذار مقنع مفاده انه يمكن دعم حصة الطبق ومجانا ، ان كان هذا يرضي الزبون ، الذي كلما تلقى عرضا اتسع فمه للسباب ورفع مؤشرات علو صوته ، بل إنتقل لدرجة أفدح في اللؤم فنقل الخطاب لسباب فج وخطاب إذلال مريع ، كنت ارقب المشهد ملتزما الحياد وجمرة تتدرج من عقلي الى عمودي الفقري ، فهرشت قفاي ، ثم احسنت ادارة بنطالي حول خصري ، ومسحت راسي لاكف نفسي عن التدخل ، شعرت ان العامل البسيط وهو شاب نضير الملامح تسودن بذاك الود المبذول منا لمن يتعايش معنا ؛ فحسنت لغته العربية مع اختلالات يسيرة في النطق ، واكتسب بعض اعراف تقاليدنا من حسن استقبال وموادعة ، ثم انه نمت صلاته بالسودانيين المقيمين والوافدين ، فصار (زول) ! وللامانة كذلك فالفتي تحلي بصبر عريض ، وهو يتلقى التقريع الحار ، وصلتني حرارته فالتفت للرجل لكي يهدأ ، لم يعرني التفاتة رمقني بلحظة عابرة كمن يلتفت لمس ذبابة وواصل نهجه في (الاذلال) الذي ارتفع وزاد ، كان العامل بحادثه تارا معتذرا ومرة راجيا واحيانا يطبق يديه مثل هندي يطلب غفران عظيم ، وخصمه قد تلبسته روح كالشيطان ، الذي كلما سكنت عنه تملكك ؛ اغلظ القول كيل مضاعف وإستمرا الضغط وابتزاز الاحتجاج ، قليلا قليلا وجدت اشهد ذبحا بغير إحسان لروح العامل التي سحقت تحت الشتم وهتك ستر الاحترام ، لامه وابيه ، ولوظيفته الحلال ، كل هذا وهو يطرق لحظة و(يصنقع) تارة ، ويغرس عينيه في حائط قبالته ، امتنع كلية عن الرد والتعليق ، هو ربما يدرك ان الزبون على حق ، هي قاعدة سلوك ومدونة عمل ، لا سبيل لتجاوزها، فضاعف عروض التسوية ولم يفلح ، اندلق سيل الاهانات عليه ، لحظتها كانت تلك الجمرة المندلقة بداخلي قد اشتدت مواقدها ؛ فتدخلت افض الاشتباك ، قلت للزبون اطلب ما تريد ولا تحاسب ، فقط رجاء كف عن هذا ، صمت لبرهة ثم طلب مني عدم التدخل اضاف (انتا من اقباك) اي ما دخلك بهذا ؟! قلت دخلي انك تهين انسان بغير دفوعات لازمة ، هو اعتذر وعرض عليك خيارات معالجة رد لن اقبلها وساستمر في تقريعه ، سكت حينها ايقنت ان الرجل (متلقي حجج) ، كنت كذلك اترقي في الغضب والغيظ المتفجر ، هممت بلطمه ثم تراجعت ؛ اذ سيبدو اني قد افاقم المشكل ، غادرت المكان ، خرجت وحزن دام يرسم خطاي ، تركت (مراد) وهذا اسم العامل ؛ تحت نيران جحيم ابن بلده ، عدت بعد ساعات ، كانت المشاجرة قد إنفضت لا اعرف كيف ؟ لكن (مراد) يمارس عمله ، يتلقاك بذات الابتسامة الصبورة ، والنظرة الوادعة ، والحديث الدال على احترام كبير للناس والضيوف والزبائن ، سالته عما حدث قال تلقيت اهانات لساعة إضافية احتملتها من باب الصبر على المكاره ؛ كان كلما يسبني اشد مئزر الصبر والسكينة ، انظر في الفراغ الى اعين امي ، ووجه حبيبتي ، ومستقبل صغاري منها فكان لي ذاك جسرا للتواصل ، هكذا حدثني وهكذا حدثت صديقي الاثيوبي وانا اهاتفه في (أديس) ، كلما تشتد مشاجرة الحكم والسياسة ؛ انظروا فقط للمستقبل ، انظروا لعين الورد والمساء ، انظروا الى (امكم) اثيوبيا ، تعبروا ضجيج الازمة باقل الخسائر ، تعبرون دون الاحتياج للرد بكلمة او فعل حاد … يا (سيوم) السمي على المسمى عليه.
محمد حامد جمعة
*كاتب سوداني