رأي ومقالات

لينا يعقوب: قادتني الأقدار، للالتقاء بمن هم ضعيفو القدرات، دائمو الغرور، لا تفارقهم الفظاظة ولم يعرفوا اللطف يوماً

الجهاز.. نظرة عن قرب (2)
في الزمن الضائع، قبل انتهاء الجامعة، حاولنا إدراك ما فاتنا من وعي سياسي.. كان معظم ما نستقيه ينصب في اتجاهٍ واحد.. كطلاب أو حتى أساتذة، لم نختلف بأن جهاز الأمن وأفراده، يتعدون على حرمة الجامعة والمكان.

انتهت تلك السنوات، وبدأت رحلة العمل، كنا في بداية الطريق، نتدرب على الصحافة بمختلف أشكالها.. كانت أجمل اللحظات حينما تجد “خبراً” أو “تقريراً” منشوراً باسمك..
في ذلك الوقت، كان للأمر قيمة كبيرة وعظيمة..
لم يستمر ذلك كثيراً، فقد كنا ننتظر يومياً الرقيب الأمني ليحجب ما نكتب..

لا أدري سبب شعوري الدائم، أنه يخضع للأمزجة وليس للموجهات، رغم نفي أفراد الأمن حينها ذلك.
عدنا مرة أخرى للكتب، لنقرأ التاريخ بتفاصيلٍ أعمق، علَ هناك ما هو جميل ولا نراه.. هذه المرة، ليس استعداداً لامتحان أو لإجراء بحث..
تشير الكتب – أو ما قرأت منها – إلى أدوارٍ مهمة، قامت بها الأجهزة الأمنية في حفظ الأمن واستقرار الدولة، لكن ذات الكتب وأوراقٌ أخرى تحكي عن المعتقلات الأمنية، وكيف أنها لمجرد “الشك” والشك فقط، اكتظت بالسياسيين والمواطنين.
وأنا أتلفت يمنة ويسرة، لم أرَ شيئاً جميلاً أبداً، ربما كان موجوداً لكني لم أشعر به.

كانت لديّ اعتقادات شخصية، لا تعني العامة كثيراً، أن ذلك المكان يجب أن يكون للأذكياء فقط!
ربما تأثرت ببعض الرسوم المتحركة، والألعاب مثل المحقق كونان، وأيضاً بأشهر المسلسلات والأفلام التي أنتجتها المخابرات الأمريكية من على البعد.. جميعها كانت تؤكد أن الأجهزة الأمنية قادرة على فعل أي شيء وكل شيء، بهدوء وذكاء، رغم ما يردده المختصون والعارفون ببواطن الأمور؛ أن الأجهزة الأمنية في جميع أنحاء العالم تتشابه..

قادتني الصدفة أو ربما الأقدار، للالتقاء بمن هم ضعيفو القدرات، قليلو المهارات، دائمو الغرور، لا تفارقهم الفظاظة ولم يعرفوا اللطف يوماً..

ظلت تلك “الكشَة” أو عدم الإلفة والمودة، موجودة في نفسي، وكنت أتساءل: لماذا لم يراود بعضنا هذا الشعور تجاه أي من مؤسسات الدولة الأخرى؟!

كان مجرد نشر قِلة من الأخبار الإيجابية عن الجهاز، يُدخل صاحبها في صندوق مليء بعلامات الاستفهام
 والخوف والرهبة، من تلك المؤسسة، وممن هم على إداراتها، كان ملازماً لفترة طويلة..
لكن ثمة ما تغير.
نواصل

لينا يعقوب
السوداني