المدارس الخاصة.. استثمار أم خدمة تربوية؟
هل يقدم التعليم الخاص رسالة تربوية تعليمية خالصة، أم أنه مؤسسات ربحية، بالتالي يمكن تصنيفه ضمن الإستثمارات الناجحة ، ذات العائد السهل والمضمون؟ يلاحظ أن معظم الأسر السودانية، خاصة في ولاية الخرطوم وعواصم الولايات، تتجه إلى الحاق أبنائها بالمدارس بالخاصة، ويعللون ذلك برغبتهم في حصول أباءهم على تعليم أفضل، بالرغم من أن البعض يعتقد أن تجربة التعليم في المدارس الخاصة والأجنبية ويعتبرها شكلاً من أشكال التباهي والمظاهر الإجتماعية الخادِعة.
نسبة المنخرطين في التعليم الخاص بولاية الخرطوم تتجاوز الـ 60 % من جملة الطلاب، وتتصدى المدارس الخاصة للعبء الأكبر في العملية وكذلك أصبح التعليم الخاص مورداً رئيساً يرفد خزينة الدولة من خلال الضرائب التي تتحصل عليها الوزارة من كل مدرسة حسب عدد طلابها والرسوم الدراسية التي تفرضها المدرسة على الطلاب، وغيرها من المعطيات التي تأخذ بها الوزارة في عمليات فرض الرسوم.
تحذيرات تربوية
يحذر الخبير التربوي الهادي السيد عثمان من انعكاس الوضع الإقتصادي على تربية وتنشئة الأجيال وعدم تحملهم التراجع بالعودة للمدارس الحكومية مرة أخرى. ويدعو الهادي الى المساواة في التعليم بين كافة الشرائح معتبراً أن الالتحاق بالمدارس الخاصة نوع من أنواع التمييز الطبقي.
ويشير الى أن هكذا وضع سيكون له مابعده، دينياً وثقافياً واقتصاديأً، لأن التعليم في المدارس الحكومية يعتبر رسالة تربوية وتعليمية، بينما في المدارس الخاصة – يقول الهادي – الهدف منه هو كسب السمعة كنوع من الدعاية المجانية لأجل تسجيل أكبر عدد من الطلاب. وقال الهادي إن الأسر في الآخر هي التي تدفع الثمن، لأنها ميزت أبناءها عن الآخرين وجعلت منهم طبقة برجوازية.
العودة الى التعليم الحكومي
وأشار الهادي إلى أن هذا النوع من الأبناء، اذا تدهورت اوضاعهم الاقتصادية، قد يبحثون عن مصادر دخل غير مشروعة كتجارة المخدرات، السرقة، الإحتيال وغيرها. وأوصى الهادي أولياء الأمور بالرجوع إلى التعليم الحكومي.
من ناحيته أوضح الدكتور عوض الكريم عميد مدارس الخرطوم العالمية الإعدادية أن المدارس الخاصة ساهمت بصورة كبيرة في تطوير العملية التعليمية بالقطاع العام، مؤكداً التزامهم بالقوانين واللوائح والتشريعات التي تسنها الدولة. وقال أن المدارس الخاصة حققت الجودة في التعليم وان هناك ترجمة للمناهج الى عدة لغات (الانجليزية والصينية والفرنسية والهندية) بمدارس الخرطوم العالمية (كبس)، الأمر الذي يهيئ استيعاب أبناء الدبلوماسيين والجاليات وغيرهم، في مؤسسات تعليم تمكنهم من الحصول على نظام تعليمي متميز، بالإضافة الى النخراط في عمليات التدريب في قطاع التعليم كنوع من المسؤولية تجاه المعلمين.
أعباء إضافية
تقول دكتورة نجاة الماحي المديرة العامة بمعاهد التعليم البريطاني لقطاعي الخرطوم وبحري، والمديرة المباشرة لمعاهد التعليم البريطاني بمحلية جبل الأولياء والأمين العام لاتحاد المدارس الخاصة بالمحلية، تقول أن الرسوم التي تفرضها المدارس الخاصة تتباين حسب المناطق والظروف المحيطة.
واستنكرت الماحي استبعاد أي طالب من الدراسة بسبب الوضع الإقتصادي للأسرة. وقالت إن هناك منحاً وخصومات تستفيد منها المدرسة في توفيق أوضاع الطلاب ذوي الظروف الخاصة. وحول السياسة العامة للوزارة تجاه مؤسسات التعليم الخاص، وأكدت التزامها التام بتطبيق اللوائح، وأكدت على دور المدارس الخاصة في تأدية الرسالة التربوية والتعليمية، بالرغم من التراجع الكبير في أرباح المدارس الخاصة نسبة للظروف الإقتصادية وارتفاع أسعار العقارات والضريبة الجمركية لمدخلات التعليم.
وتخوفت من القرار الأخير لوزارة التربية والتعليم بعدم زيادة الرسوم الدراسية، مشيرة الى أن القرار سيكون له مابعده، لأنه يحد من عمليات التطوير للعملية التعليمية، من حيث البيئة والمنهج.
ودافعت عن التعليم الخاص وأكدت أنه لم يؤدي الى أية عزلة أو تمييز إجتماعي.
اتساع رقعة المدارس الخاصة
وتساءلت عن التحفيز من قبل الدولة لأصحاب المدارس الخاصة، باعتبار أنها تتحمل العبء الأكبر باستيعاب أكثر من (60%) من العدد الكلي للطلاب على مستوى ولاية الخرطوم.
وقالت أن الطلاب يأتون بإرادتهم للمدارس الخاصة بما في ذلك أبناء الأساتذة في المدارس الحكومية. وأضافت: نحن في معاهد التعليم البريطاني نعمل على مساواة العاملين معنا برصفائهم في الخدمة المدنية من حيث التحفيز واستحقاقات الإجازة والتأمين الإجتماعي والصحي ومنحة الرئيس وغيرها من المنصرفات التي تكلف المستثمر كثيراً في ظل الإرتفاع المستمر للأسعار.
ومضت الى القول بأن زيادة المنصرفات قد تؤدي لخروج كثير من المدارس من سوق التعليم الخاص اذا لم يكن مجدٍ ربحياً، وإذا حدث ذلك فالأمر سيكون أكثر تعقيداً. ومع ذلك فإن المدارس الخاصة تعمل في هذه الظروف. والأجدى – تقول الماحي – أن تكون الضريبة التي تدفعها المدارس الخاصة بنسبة (2%) للوزارة من العدد الكلي للتسجيل، ويمكن أن توظف الضريبة في عمليات التمدد والتطوير للمدارس نفسها لاستيعاب طلاب آخرين. وتمضي قائلة: نحن كأصحاب رسالة يسعدنا أن يكون التعليم الحكومي هو الرائد والمتميز عن الخاص بعيداً عن (مفهوم التنافس)، لأن الموضوع سيكون وقتها تنمية ونهضة للبلد، بالإضافة إلى أن الفرص التي تمنحها المدارس الخاصة لأصحاب الظروف الخاصة لا تضعها الوزارة في الحسبان.
مقابلة بين المدارس الخاصة والحكومية
يقول عضو لجنة التعليم بالمجلس التشريعي لولاية الخرطوم عكاشة زكريا أن الخلاف بين اتحاد المدارس الخاصة والوزارة كان واضحاً في الفترة السابقة رغم أننا اجتهدنا كثيراً لتقريب وجهات النظر بينهم من خلال عدد من الإجتماعات التي تمت بإشرافنا، ونرى أن هناك عدم عدالة في عملية تحصيل الرسوم المفروضة من الوزارة، وأن تلك تحتاج لمراجعة نسبة لانعكاسها السلبي على الطالب وولي الأمر، بالإضافة الى أن هناك مدارس تخلت عن دورها في المجتمع في قبول أبناء الشهداء والأيتام، مع هذا فإن التفلت يحدث من بعض المدارس الخاصة ويحتاج إلى قرار جاد وتطبيق للقانون. ويضيف: نحن كمجلس نقوم بثلاث جولات ميدانية خلال العام على كل مدارس المحلية بالإضافة الى الزيارات الأخرى التفقدية من اللجنة لإحكام العملية التعليمية.
ويقول زكريا أن الإنتشار الكبير للمدارس الخاصة في ولاية الخرطوم دعا الوزارة الى عمل مكاتب للتعليم الخاص في كل محلية وتعيين مشرفين داخل كل مدرسة خاصة، ما يجعلنا في المجلس و كأننا نتعامل مع إدارات التعليم الخاص وكأنها وزارة أخرى.
وبالنسبة للإحتجاجات التي يرفعها أصحاب المدارس الخاصة في زيادة الرسوم وأن التعليم الخاص عبارة عن استثمار، فإذا وجد صاحب العمل أنه خاسر فعليه الخروج منه وترك الفرصة للقادرين عليه.
وأوضح أن الرسوم المتحصلة من التعليم الخاص تدخل في خدمات التعليم وأن التصديق الأولى والنهائي للمدارس الخاصة لا يتعدى الـ(15) ألف جنيه، وهو مبلغ عبارة عن ميزات مقدمة لتحفيز وتشجيع الإستثمار في التعليم.
تفتيش الكشوفات
تحدث الاستاذ عكاشة في إفاداته للصحيفة عن حزمة من الضوابط في حقل التعليم الخاص، ستنفذ بداية العام القادم، منها مراجعة كشوفات الطلاب، مشيراً إلى أن هناك مدارس تعمل على تصنيف التلاميذ وتستبعد الأقل تحصيلاً في الجانب الأكاديمي، حتى لايؤثروا في النسبة العامة لنتيجة المدرسة، كما أن هناك مدارس تقوم بتغيير المباني وتعمل على ترحيل الطلاب أثناء العام الدراسي بسبب ارتفاع الإيجار دون الرجوع الى إعادة التصديق بالمبنى الجديد لضمان سلامة البيئة. وشدد على ضرورة تطبيق القانون مؤكداً أن الوزارة يجب أن تحسم هذه المخالفات .
مجالس الآباء
يؤكد رئيس مجلس الآباء بمدارس الكلاكلة القبة أساس، إيهاب كمال تشجيعهم للتعليم الحكومي لجهة تأديته الرسالة التربوية و تهيئة البيئة المدرسية المناسبة للتحصيل، مشيراً إلى أن هذا هو ما تفتقر إليه بعض المدارس الخاصة.
وتحدث عن المجالس التربوية قائلاً: إذا وجدنا تضامناً من أولياء الأمور بما فيهم المسؤولين وعملوا على دعم المدارس الحكومية بالحاق أبنائهم فيها بدفع نسبة (10%) فقط، مما يدفعونه للمدارس الخاصة، لكانت هناك نهضة كبرى في التعليم، ولكان التعليم الحكومي صاحب الأفضلية، لكن في ظل الإهمال الملاحظ في المدارس الحكومية فلن يكون هناك تقدم في التعليم العام. والمشكلات التي يعاني منها التعليم الحكومي كثيرة، آخرها كانت حادثة مدرسة أم درمان الشهيرة بسبب عدم الصيانه والمراجعة، تلك الحادثة التي قام الوزير بتحميل المسؤولية فيها لمجلس الآباء . بالإضافة الى ذلك لا يوجد حافز مادي للمعلم، وتفتقر المدارس الحكومية لأبسط المعينات وتتحمل كثير من المنصرفات من فواتير خدمات المياه والكهرباء والرسوم المحلية وغيرها، وتفتقر كذلك لأبسط الأدوات مثل كراس التحضير للمعلم والطباشير، إلا أن رسالة المعلم تظل موجودة وباقية.
ونحن كمجلس آباء – يقول كمال – نقوم بتوفير هذه المعينات من خلال رسوم يدفعها ولي الأمر للمدرسة وقدرها (10) جنيهات لعمل التسيير، وهي ليست إجبارية. ومسؤوليتنا نحن كأولياء أمور ومجلس آباء توفير الإحتياجات للمدرسة من خلال النظام التكافلي من أعيان المنطقة والخيرين.
وأضاف كمال، ان الوزارة وضعت المعلمين ومجلس الآباء أمام خيار صعب فأصبحوا بين المطرقة والسندان ، ولذلك اقترحنا عمل دروس إضافية بمعايير محددة من قبل إدارة المدرسة لتحفيز المعلمين حتى نضمن استمرارية المعلم في المدرسة، وحتى لايكون عرضة للإستقطاب من قبل المدارس الخاصة.
وتحدث إيهاب عن تجربته في المدارس الخاصة مشيراً الى أن بعضها لا يصلح أن يكون مؤسسة تعليمية فأغلبها عبارة عن شقق ومبانٍ بمساحات ضيقة لاتقام فيها مناشط الرياضية ولا طابور الصباح، ما يتنافى مع اللوائح العامة.
اخر لحظة.
المدارس الخاصة معظمها لأغراض استثمارية تهدف لتحقيق اكبر عائد لأصحاب الاستثمار وبعض المستثمرين يدعون ان العائدات لأغراض خيرية كذبا وبهتانا بينما الهدف تعظيم ثرواتهم على حساب الطلاب وعلى حساب المعلمين وهضم حقوقهم
المدارس الخاصة معظمها لأغراض استثمارية تهدف لتحقيق اكبر عائد لأصحاب الاستثمار وبعض المستثمرين يدعون ان العائدات لأغراض خيرية كذبا وبهتانا بينما الهدف تعظيم ثرواتهم على حساب الطلاب وعلى حساب المعلمين وهضم حقوقهم من فوائد ما بعد الخدمة