تحقيقات وتقارير

الفريق “كمال عبد المعروف” الرئيس الثامن للأركان ماذا وراء التعيين؟؟

“علي عثمان” في البرلمان لسد ثغرات التصدع الجديد

“هارون” و”إيلا” و”الفكي” يغادرون ولاياتهم لنجاحهم وهؤلاء لفشلهم

أبتدر الرئيس “عمر البشير” تعديلات واسعة في أجهزة الحكم السياسية والعسكرية، ويترقب الشارع السوداني الذي ينظر بعين الرضا والأمل في أن تحقق هذه التعديلات مقاصدها في إصلاح شأن الحكم وتحسين أداء الحكومة، كما يترقب مزيداً من التعديلات في الحكومة المركزية وحكومات الولايات والجهاز التشريعي الرقابي، لضخ الدم الجديد في جسد الدولة التي أصابتها أعراض الشيخوخة المبكرة.. وخيم على المناخ العام الإحساس باليأس والإحباط جراء عجز الأداء الحكومي العام خلال الفترة الماضية.. وقد استشعر الرئيس بنفسه تردي الأداء الاقتصادي والسياسي والتنفيذي، وتحت وطأة ضغوط الواقع عاد الرئيس لإدارة الملف الاقتصادي بنفسه، فأرهقته الاجتماعات الأسبوعية المتطاولة بوزير المالية ومحافظ البنك المركزي ومدراء الأمن والشرطة.. لإنقاذ الجنيه السوداني من السقوط في هوة سحيقة، ولولا جهود الرئيس شخصياً.. ووضعه للملف الاقتصادي كأولوية قصوى لبلغ الجنيه اليوم من الضعف ما يستحيل عودته للحياة مرة أخرى، وبعد أن اقترب سعر الدولار من الخمسين جنيهاً تراجع إلى نصف السعر في غضون أسبوعين فقط بفضل سياسات التقشف التي اتخذتها الحكومة بخفض الإنفاق وإيقاف الاستيراد وتجفيف السوق من السيولة ووضع ضوابط غير معلنة لحركة النقود.. ورغم إن اقتصاديين يعتبرون السياسات الانكماشية لها أثار سالبة على الاقتصاد على المدى البعيد، وأن إيرادات الدولة من الجمارك والمواصفات ستشهد انخفاضاً كبيراً في الشهور القادمة، إلا أن ذلك يعتبره بعض الاقتصاديين أخف أثراً من الوضع الذي شهدته الساحة في أعقاب إجازة الميزانية.. وإذا كانت الأزمة الاقتصادية قد سيطرت على المشهد العام فإن القضية الاقتصادية ليست مجردة من القضية السياسية العامة بأبعادها الداخلية والخارجية.. وجزءاً من الأزمة الحالية أسبابها المقاطعة الخارجية وفقدان البلاد للحلفاء العرب.. رغم المشاركة في حرب اليمن إلا أن تعدد المحاور في الخارطة العربية واختيار الخرطوم للوسطية والاعتدال، قد أفقدها الكسب المؤقت، ولكن حتماً هي الرابحة في نهاية الأمر.

{ تغييرات الجيش

الفريق أول “كمال عبد المعروف” هو ثامن رئيس أركان للقوات المسلحة السودانية منذ استيلاء الجيش على السلطة في عام 1989م، وخلال الثمانية وعشرين عاماً الماضية تعاقب على منصب رئيس أركان القوات المسلحة سبعة من القادة وثامنهم رئيس الأركان الحالي، ويعتبر الفريق “إسحق إبراهيم عمر” المولود في منطقة القرطة بالنيل الأبيض، هو أول رئيس أركان للقوات المسلحة في عهد الإنقاذ، وجاء من بعده نائبه في فرع العمليات “حسان عبد الرحمن” في منصب رئيس الأركان، ثم جاء الفريق “سيد أحمد حمد” ومن بعده الفريق “إبراهيم سليمان” الذي مكث في قيادة القوات المسلحة نحو خمسة عشر عاماً من نائب لرئيس الأركان للإمداد، ثم رئيساً لأركان القوات المسلحة ووزيراً للدفاع، ومن بعده تولى المهندس “عباس عربي” منصب رئيس أركان القوات المسلحة، وهو أول ضابط فني يتولى المنصب الذي في الغالب يذهب لقادة المشاة، باعتبار أن المشاة هم عظم الجيش.. ويعتبر الفريق “مصطفى عثمان عبيد” أقصر رؤساء الأركان عمراً في المنصب الذي يعتبر الأهم في كل المؤسسات العسكرية الثلاثة :الجيش والأمن والشرطة، ومن بعد ذلك عين الفريق أول “عماد عدوي” الذي أمضى فترتين في الموقع.. وفي يوم الثلاثاء الماضي اختار الرئيس “البشير” قيادة جديدة للجيش الفريق “كمال عبد المعروف” الذي ظل مرشحاً لتولي المنصب منذ مدة ليست بالقصيرة، وقد تربص بالفريق “كمال” المتربصون، وأشاع البعض اشتراكه في محاولة انقلابية من محض خيالهم مع “صلاح قوش”، ولكن سرعان ما بددت الحقيقة الظنون والشكوك والتربص، وبقى الفريق “كمال عبد المعروف” في منصب المفتش العام للقوات المسلحة، وجاء اختيار الرئيس “عمر البشير” للفريق “كمال عبد المعروف” لكفاءته وتوافقه مع وزير الدفاع الفريق أول “عوض بن عوف”.. وشعبية الفريق “كمال عبد المعروف” وسط المقاتلين والمجاهدين طاغية لشجاعته وتواضعه وحنكته في ميادين القتال.. وتم ترفيع الفريق أول “عبد الفتاح البرهان” لقيادة القوات البرية خلفاً للفريق أول “السر حسين بشير حامد” الذي تم ترفيعه لمنصب المفتش العام، وهو المنصب الذي كان يشغله الفريق “كمال عبد المعروف”.. وقد تفاجأ الكثيرون بخروج الفريق “يحيى محمد خير” من هيئة القيادة.. وقد كان من المرشحين للبقاء في القيادة مدة أطول.. بل رشحه البعض لخلافة “البشير” بعد 2025م، حينما يتنحى الرئيس من السلطة.. وتم ترفيع الفريق أول “علي محمد سالم” وزير الدولة للدفاع وذلك تقديراً لعطائه الثر ومثابرته خلال الفترة الماضية، حيث أسند إليه الوزير ملفات عديدة أهمها ملف البرلمان وجمع السلاح.. والتغيرات في القوات المسلحة، وينتظر أن تأتي من بعدها التغيرات في إدارة الشرطة التي هي الأخرى تحتاج لتجديد وإضافات وضخ مزيد من الدماء، وذلك لتحسين الأداء والارتقاء بها.. وقد جدد الرئيس الثقة في بعض قادة القوات المسلحة مثل الفريق أول “جمال عمر” رئيس هيئة الاستخبارات والفريق “شمس الدين” وقائد قوات الدعم السريع الفريق “محمد حمدان دقلو” الذي أصبح واحداً من أركان القيادة العليا للجيش بعد صدور قانون قوات الدعم السريع وقوات الاحتياطي.
{ ولاة مغادرون
بعض الولاة ينتظر الشارع السياسي مغادرتهم لمواقعهم،وبينما ترتبط مغادرة البعض ، وفق تلك الارهاصات، استناداً لما يعتبره مراقبون ضعفاً أو قصوراً في الأداء الأداء.. فإن البعض تتأسس فرضية مغادرة مواقعهم الحالية وانتقالهم لأخرى، لسبب مختلف ، ومغاير ، هو تميز وحسن الأداء.. وخلال اليومين الماضيين كانت أكثر الأسماء تداولاً في أوساط الكُتاب ومواقع التواصل الاجتماعي، والتي ينتظر الوسط السياسي تبديلها ، هم أفضل الولاة أداءً (تنفيذياً) ونعني هنا ثلاثة ولاة من غير ترتيب “محمد طاهر أيلا” و”أحمد هارون” و”آدم الفكي” وثلاثتهم مرشحون لمغادرة مواقعهم الحالية لحسن أدائهم.
أما الوالي “محمد طاهر أيلا” الذي نجح تنفيذياً في حشد الإمكانيات والقدرات في تجميل مدينة ود مدني وولاية الجزيرة، ونجح في تنفيذ مشروعات عديدة.. فشل الوالي في الحفاظ على وحدة حزب المؤتمر الوطني الذي تصدع وانقسم بين يده.. وفصل الوالي من غير لائحة ولا قانون بعض قادة المؤتمر الوطني، وهو أول والي يخوض معركة معلنة في مواجهة الحزب الذي جاء به للسلطة.. والآن يتم الترتيب لنقل “أيلا” من الجزيرة للخرطوم لتولي منصب وزير المالية الاتحادي أو وزارة الحكم الاتحادي خلفاً للمساعد د.”فيصل حسن إبراهيم”.. والذي ينظر أيضاً بتقدير لعطاء وأداء المهندس “آدم الفكي” في جنوب دارفور مما جعل انتقاله إلى ود مدني كحل وسط لما يترتب على عودة “إيلا” للخرطوم، و”الفكي” هو تلميذ تخرج في مدرسة “أحمد هارون” رغم إن المعلم أصغر عمراً من التلميذ، لكن “آدم الفكي” صعد بخطى ثابتة مستفيداً من تجربته كمعتمد في حكومة “هارون” بكادوقلي.. ثم نائباً لرئيس المؤتمر الوطني.. وقد شهد أهل جنوب دارفور للوالي “الفكي” بحسن الأداء وهو من وضع لبنة وقاعدة النهوض بولاية أقعدتها الصراعات والنزاعات والحروب، ورغم الدسائس والمكر وشراء الذمم الذي انتهجه خصوم “الفكي” من النخبة المتطلعة للعودة لكراسي السلطة مرة أخرى بعد أن فاتها القطار.. إلا إن شهادة الرئيس “البشير” قد أخرست الألسن التي تطاولت.. وترشيحه للانتقال لود مدني.. حتى يحافظ على مسار الأداء التنفيذي الجيد جداً في الجزيرة، وفي ذات الوقت يكبح جماح الصراع الداخلي ويعيد أوراق المؤتمر الوطني.. ويجمع صفه المبعثر ويبعد عنه الذين استغلوا فترة “إيلا” لتحقيق أغراضهم الخاصة، أما المغادرة الثالثة فبسبب حسن أداء مولانا “أحمد هارون” الذي وضع ولاية شمال كردفان في جادة الطريق.. ونهض بها من القاع للقمة.. وبعد أن كانت الأبيض هي رجل الولايات المريض أصبحت اليوم قبلة للزوار.. وملعباً يستضيف المباريات الدولية للمنتخب، وتم ربط كردفان بالخرطوم من خلال طريق (شريان الحياة) الأبيض -بارا -جبرة الشيخ -أم درمان.. وقد أصبح الطريق واقعاً وينتظر أن يفتتح الرئيس المرحلة الثانية منه جبرة الشيخ- الحجاب -رهيد النوبة بطول (100) كلم .. وبداية رصف المرحلة الأخيرة رهيد النوبة -أم درمان بطول (97).. وافتتاح مستشفى الأبيض.. وملاعب بارا وأم روابة وقبل ذلك حقق “هارون” نجاحات كبيرة في جمع الناس ووحدتهم والنأي بهم من التصدع والصراعات.. وبات وجود مولانا “أحمد هارون” في الخرطوم ضرورة تمليها المصلحة العامة التي قد تتعارض مع مصالح أهل كردفان.. ولكن وجود “هارون” والياً على الخرطوم أو وزيراً لشؤون مجلس الوزراء من شأنه مساندة ودعم حكومة الجنرال “بكري حسن صالح” الذي هو أكثر حاجة لصديقه “هارون” ليشد به أزره ويشركه في أمره.

أما الولاة المنتظر مغادرتهم لسوء الأداء فإن الحزب مطالب بوضع معايير واضحة لقياس حسن الأداء من سوئه بالنظر لما قدمته الحكومة المركزية من دعومات مالية للتنمية، وهل تم توظيف الأموال برشد أم تم تبديدها؟؟ هناك ولاة لم يقدم لهم المركز إلا الوعود وأقعدتهم المديونيات القديمة، وفساد من سبقهم في مقاعد السلطة، فكيف الحكم عليهم بضعف المردود؟؟ من الأسماء التي يتم تداولها ولاة سنار “الضو الماحي”.. ووالي الشمالية المهندس “علي العوض” ووالي النيل الأزرق “حسين أبو سروال”.. ورغم ورود اسم الوالي “أبو القاسم الأمين بركة” ضمن الأسماء التي تنتقل من ولاية غرب كردفان إلى سنار، إلا أن المساعد الجديد د.”فيصل حسن إبراهيم” يعتبر الأمير “أبو القاسم الأمين بركة” من أفضل الولاة أداءً، ولكن أقعدته المديونيات القديمة، وقد أفلح في جهود المصالحات القبلية وترتيب البيت الداخلي.. وتجفيف النهب والحروب وتواصل مع المتمردين.. ولذلك يتوقع انتقال “بركة” لولاية أخرى، خاصة وأن المعادلات السياسية تجعل من بقاء بركة ضرورة وفرض عين نظراً لدوره الكبير في دارفور، وتمثيله لقاعدة عريضة إذا شعرت بالغبن ستثير مشكلات في إقليم دارفور.. ولكن التغيرات في الحكومة الاتحادية هي الأكثر يسراً.

{ وزراء ركبوا قطار المغادرة

من أبرز الوزراء المتفق على فشلهم الفريق “محمد عثمان الركابي” وزير المالية، وقد أضطر الرئيس بنفسه للنزول لإدارة الشأن الاقتصادي وإنقاذ الجنيه السوداني من وحشية الدولار الذي كاد أن يبلغ سعره الخمسين جنيهاً، ولكن وزير المالية ليس وحده من يتحمل إخفاق السياسات الاقتصادية الحكومية، فالميزانية تمت إجازتها في البرلمان، ومن قبله مجلس الوزراء وتقع على عاتق جميع أعضاء الحكومة الدفاع عنها، إلا أن المسؤولية الأكبر على القطاع الاقتصادي الذي يتكون من وزراء الصناعة والزراعة والبترول والغاز والاستثمار والتجارة الخارجية والمعادن.. والأخيرة فشل وزيرها الذي جاءت به الترضيات لأهم وزارة مكافأة له لدوره في نجاح مؤتمر الحوار الوطني، وفقدت الوزارة الروح.. وقل عطاؤها وانحسرت عنها الأضواء، بل تسرب ذهب السودان عبر مطار الخرطوم إلى دبي واعترف الاقتصاديون بأن نحو (103) أطنان من الذهب قد تم تهريبها ، وبمنطق العطاء، فإن وزير المالية وبعده وزير المعادن قد منحهما الشعب تذكرة ركوب قطار التعديل وبدرجة أقل، وزير البترول والغاز الذي برع في الحديث عن تدني الإنتاج ونضوب آبار النفط، بدلاً من إطلاق البشريات عن الاكتشافات الجديدة لتغذية شرايين الاقتصاد بالذهب الأسود.. وإذا كان البعض قد وصف د.”فيصل حسن إبراهيم” بالصرامة، فإن هذه الصرامة مطلوبة في المرحلة القادمة لتقييم وتقويم أداء وزراء الأحزاب الشريكة الذين مهما تدنى عطاؤهم فإن تحالفاتهم مع المؤتمر الوطني في الفترة الماضية كانت تعصمهم عن التغيير والتبديل، والمساعد د.”فيصل” مطالب بمراجعة هذه السياسات التي تضررت منها البلاد وضعف أداء الحكومة بسبب وزراء يصعب تبديلهم وتغييرهم، وقد أصبحوا من الثوابت: د. “أحمد بابكر نهار” ، ود. “آمنة ضرار” (شيخة) الوزيرات، وقد بلغت من الكبر عتياً.. ود. “أحمد بلال عثمان” الذي مكث في الوزارة أكثر من “إبراهيم السنوسي” .ومن المفارقات أن د.”أحمد بلال” حينما عين وزير دولة بوزارة الصحة عام 1987م، في حكومة الديمقراطية الثالثة، كان وزير الدولة “ياسر يوسف” ، طالباً في السنة الرابعة بمدرسة القضارف المتوسطة، ولا يزال “بلال” في منصب الوزير لأكثر من (35) عاماً، والحكومة مطالبة بمراجعة ملف حلفائها قبل أن تنظر في مصير وزراء مثل “حامد منان” في الداخلية ود.”إبراهيم غندور” الذي يؤهله أداؤه في الوزارة لتجديد الثقة فيه لدورة قادمة، ولكن للسياسة أحكامها وتقديراتها.

{ البرلمان وعودة “طه”..

إذا سألت أي مراقب للشأن السياسي في البلاد عن المهام الكبيرة التي تنتظر البرلمان في الفترة القادمة والتعديل المرتقب للدستور، وكيفية التوافق على التعديلات الدستورية، فإنه بالطبع يقول لا بد من تغيير كبير في قيادة البرلمان، واختيار رئيس للبرلمان قادر على القيادة.. وترتيب الأوضاع الداخلية، ولن يتحقق ذلك إلا بوجود شخصية سياسية نافذة نزيهة في سلوكها الشخصي لا تهاب المواجهة.. وتحظى بثقة النواب.. وثقة الناس، وليس من بين قادة حزب المؤتمر الوطني من هو أكفأ قدرات وحنكة وصبراً على الحوار من الشيخ الأستاذ “علي عثمان محمد طه” الذي خسرت البلاد جهوده ورؤيته الثاقبة في الفترة الماضية، ولكنه حينما شعر بأن مياه الطوفان قد حاصرت سفينة الإنقاذ وحاق بها الخطر، خرج من صمته وتحدث جهراً ولعب دوراً في وثبة التوازن التي شهدتها الساحة في الفترة الماضية، وعودة “علي عثمان” لمنصب رئيس البرلمان ستضفي عليه هيبة.. وقاراً.. وتجعل من البرلمان محطة هامة لرسم المستقبل.. وتعديل الدستور وإعادة ترشيح “البشير” لدورة قادمة ، هي المهمة التي ينبغي على الإسلاميين التوحد من أجلها قبل أن يتعرض صفهم لتصدعات جديدة، وفي هذا المرة قد يذهب المشروع برمته ويسكب اللبن على الأرض اليابسة.

تعليق واحد