الطيب مصطفى

أخي صلاح قوش.. لا خير فينا إن لم نقُلها


فزعتُ حين قرأت عريضة دعوى دستورية من محامٍ يقول فيها إن كلاً من موكليه عمر الدقير ومحمد الحافظ المعتقلين، منذ أكثر من شهرين يعانيان من أمراض خطيرة يمكن أن تؤدي إلى وفاتهما وتطالب العريضة بعرضهما على الطبيب الخاص المعالج لحالة كل منهما مع إخضاعهما للمحاكمة أو إطلاق سراحهما وفقاً للدستور .

حسب عريضة الدعوى، فإن عمر الدقير يُعاني من أمراض مزمنة في الكلى وضعف حاد في النظر، ولم يتلق أي علاج خاص بحالته منذ دخوله المعتقل، وقد أدى ذلك إلى تدهور صحته بصورة كبيرة مما يًعرض حياته إلى الخطر، سيما وأنه انقطع عن العلاج ولم يُسمح له بمقابلة طبيبه منذ أن تم اعتقاله.

 

المعتقل الآخر محمد الحافظ يعاني كذلك، حسب الدعوى، من أمراض مزمنة منها على سبيل المثال السكري وضغط الدم و(النقرس) القاوت، وقد تأثرت الكلى جراء إصابته بضغط الدم والقاوت اللذين، تقول عريضة الدعوى، أنهما، إذا لم يخضعا للعلاج، سيؤثران في الكلى، ومن شأن ذلك أن يؤدي إلى إصابة المريض بالفشل الكلوي، بل إن المتهم أصيب بغرغرينة، وأجريت له عملية جراحية في مستشفى عام بعيداً عن طبيبه الخاص.

 

أخي صلاح قوش

أقولها مجدّداً، لقد فزعت إذ قرأت هذه الدعوى المقدّمة للمحكمة الدستورية، ولو كنتُ مكانك، والله العظيم، لما تردّدت أو تأخّرت عن التحقق بنفسي من ما ورد فيها من معلومات خطيرة، ليس خوفاً على المُدعين فحسب إنما قبل ذلك على نفسي من رب بصير يبغض الظلم والظالمين (وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ).

أعجب ما في الأمر أن (المتهمين) لم يطلبا أكثر من تقديمهما إلى المحاكمة أو إطلاق سراحهما كما لم يطلبا أكثر من التحقق من مدى صحة ادعائهما: هل هم مرضى بحق أم غير ذلك؟ إن كانا مريضين، أن يُمكَّنا من العلاج على أيدي أطبائهما وعلى نفقتهما الخاصة.

 

أخي قوش

المهندس عمر الدقير رجل يرأس حزباً سياسياً من حقه دستورياً أن يُعارض السياسات التي لا يرتضيها حزبه، فإن كان قد تجاوز الدستور والقانون فليس أقل من أن يُحاكم هو ومحمد الحافظ وبقية المعتقلين بدلاً من الاعتقال بدون محاكمة.

هل نسيت أخي قوش معارضتكم للحكومات السابقة للإنقاذ ومسيراتكم الغاضبة واعتراضاتكم على ذات الممارسات التي يشكو منها محامي (المتهمين) عمر الدقير ومحمد الحافظ، الآن مما تقدما حوله بعريضة دعوى إلى المحكمة الدستورية؟!

التقيتُ بالأخ عمر الدقير وجهاً لوجه مرة واحدة في برنامج حواري تلفزيوني، وبالرغم من اختلافنا في وجهات النظر فقد أدهشني بأدبه الجم، ثم إن الرجل ذو دين وخلق، إذ يستضيف في بيته كل أسبوع حلقة ذكر، وأذكر تماماً، إن لم تخني الذاكرة، أنه خلال البرنامج أنكر أنه علماني، ولم أذكر ذلك لكي أسلب العلمانيين حقهم في المعاملة الكريمة وفقاً للقانون، ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يعتقل حتى عبد الله بن أبي سلول المعلوم بأنه رأس النفاق في المدينة.

 

عزيزي قوش

لقد رحّبنا بعودتك إلى جهاز الأمن وقلنا، من باب حسن الظن، أن الاعتقال الذي تعرضتَ له ثم فترة (الاستراحة الطويلة) التي ابتعدتَ بها عن الجهاز ستحدِث تأثيراً هائلاً في أسلوب تعاملك مع الآخر المختلف معك سياسياً، وأرجو ألا تُخيّب ذلك الظن النبيل.

لقد دخلنا كقوى سياسية بموجب الحوار ومخرجاته التي كنا نأمل أن تشيع الحريات وتكون بلسماً شافياً لكل جراحات الوطن ينقلنا إلى مربع جديد من التصافي والتعافي الذي ينهي الاحتراب والتباغض أسوة ببلاد أخرى، مثل جنوب إفريقيا ، لا أرى شعوبها أكثر تأهيلاً منا نحن السودانيين، من حيث مكارم الأخلاق، لتحقيق تلك الأهداف السامية ولكن.

 

كتبت أكثر من مرة عن واقعة هزتني بعنف، وذلك حين زار الملك حسين عاهل الأردن خصمه اللدود ليث شبيلات في سجنه وأخرجه وأخذه معه في سيارته حتى أوصله إلى بيته .. كسب الملك حسين تعاطفاً عجيباً من تلك الواقعة التي سارت بها الركبان وكسب سياسيًا وأزال الكثير من الغل الذي امتلأ به صدر شبيلات، وقدم أنموذجاً رائعاً في تطبيق الآية القرآنية الكريمة: (وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ).

أخي صلاح قوش اطلق سراح عمر الدقير ومحمد الفاتح فلئن تخطئ بالعفو خير من تخطئ بالعقوبة، وتذكر الحديث الشريف: (لا يزال المرء في فسحة من دينه ما لم يصب دما حراماً).

 

الطيب مصطفى
صحيفة الصيحة


‫2 تعليقات

  1. أن تأتي متأخرا خير من ألا تأتي …
    مقال رائع رغم اختلافي مع الطيب مصطفى
    في أي دولة قانون يتم تقديم المتهم للمحكمة المختصة للفصل في التهمة فإما تثبت التهمة ويعاقب وفقا للقانون أو يتم تبرأة ساحته ويطلق سراحه، ويمنع بموجب الدستور إعتقال أي مواطن لفترات غير محددة
    نسأل الله ان يصلح الحال

  2. لولا سجن الدقير لأصبح السودان مثل اليمن، لكن على كل حال أطلقوا سراحه وعالجوه في رويال كير لو فيهو خير.
    دقيرين في الحكومة ودقير في المعارضة وكلهم مليارديرات اتحاديين حيرونا معاهم في تبادل أدوارهم العنيف.