رأي ومقالات

مجتمع المعلومات في السودان في ضوء المؤشرات الدولية.. الواقع والمأمول

يعتبر التحول نحو مجتمع المعلومات من أهم المحركات لتنمية المجتمع بكلياته، وتطوير الدولة وتعزيز اتجاهها نحو الخدمات والحكومة الإلكترونية والتي أصبحت هدفاً مهماً تصبو إليه كل بلدان العالم.
ونحن إذ نحتفل في هذه الأيام باليوم الوطني للمعلومات يجدر بنا أن نلقي نظرة على موقع السودان في خريطة مجتمع المعلومات العالمي.

يقوم الإتحاد الدولي للإتصالات International Telecommunication Union (ITU) – وهو مؤسسة تتبع لمنظمة الأمم المتحدة وتُعنى بشئون الاتصالات وتقانة المعلومات – بقياس النمو والتطور في تقنية المعلومات والإتصالات بالدول الأعضاء ونشر تقرير سنوي (إبتداءً من العام 2009) لقياس تطور مجتمع المعلومات من خلال الرقم القياسي لتنمية تكنولوجيا المعلومات والاتصالات Information and Communication Technology Development Index (IDI) .

يقوم الإتحاد الدولي للإتصالات بقياس تطور مجتمع المعلومات من خلال 11 مؤشر تتوزع على ثلاثة مؤشرات فرعية وهي:
النفاذ (التوصيل): ويركز هذا المؤشر علي الجاهزية والبنية التحتية للإتصالات وتكنلوجيا المعلومات من خلال تحليل عدد من المؤشرات الإحصائية.
الإستخدام: ويرصد هذا المؤشر الفرعي نسبة إستخدام المواطنين للإنترنت.
المهارات: ويهتم هذا المؤشر بنسبة إنتشار التعليم في البلدان.

يُستنبط من هذه المؤشرات الفرعية الثلاث مؤشر الرقم القياسي لتنمية تكنولوجيا المعلومات والاتصالات (IDI) بنسبة 40% للنفاذ، 40% للإستخدام و20% للمهارات.

موقف السودان من واقع المؤشر القياسي IDI:
في الفترة من 2010 إلى 2017 ظل السودان يتراجع في الترتيب العالمي لمؤشر الرقم القياسي لتنمية تكنولوجيا المعلومات والاتصالات (IDI) بإستثناء تحسن طرأ في العام 2011، حيث كان ترتيب السودان عالمياً 127، 118، 121، 122، 134، 141، 145 للأعوام 2010، 2011، 2012، 2013، 2015، 2016 و2017 على التوالي.
ولعل تقرير العام 2017 شهد تطوراً لمعظم دول العالم ماعدا ثمانية دول شهدت تراجعاً كان السودان واحداً منها وكان ترتيبه 145 من 176 دولة شملها التقرير، وبهذا الترتيب يكون السودان في الربع الأخير من دول العالم من حيث مقياس تنمية تكنلوجيا المعلومات والاتصالات!
وقد كانت قيمة الرقم القياسي للسودان في العام 2017م هي 2.55 من 10 نقاط، علماً بأن المتوسط العالمي 5.11 نقطة، وأعلى قيمة للرقم القياسي أحرزتها آيسلندا وهي 8.98 نقطة.

المستقبل المأمول:
تعكس هذه الأرقام فجوة رقمية كبيرة بين السودان وكثير من الدول النامية، وكل الدول المتقدمة، ولا شك أن تكنلوجيا المعلومات والاتصالات صارت عصب الحياة في معاش الناس، واقتصادهم، وصحتهم، وتعليمهم. لذلك لا بد لنا أن ننظر لهذه الفجوة بعين فاحصة لتحديد مكامن الخلل ومعالجتها لتتبوأ بلادنا مكاناً متقدماً وتجني الفوائد المرجوة من تكنلوجيا المعلومات والإتصالات خاصة أن العالم يشهد تطوراً متسارعاً في التقانات البازغة مثل إنترنت الأشياء IoT والحوسبة السحابية Cloud Computing والذكاء الصناعي AI والبيانات الضخمة Big Data.
إن الإستفادة من هذه التقانات يتطلب العمل في كل المحاور الأساسية التي يقوم الرقم القياسي لتنمية تكنولوجيا المعلومات والاتصالات بقياسها وهي:
أولاً: محور النفاذ (الوصول). لا شك أن تيسير وصول كل المواطنين وأصحاب الأعنال للإتصالات والإنترنت بتكلفة رخيصة وجودة عالية (نلاحظ ارتفاع الرسوم والضرائب على الاتصالات!) وسهولة إمتلاكهم للأجهزة الإلكترونية المختلفة (بعض الدول تعفيها من الجمارك والرسوم الأخرى) يشكل القاعدة الأساسية لنشر الخدمات الإلكترونية وبالتالي التحول إلى مجتمع المعلومات.
من المفارقات أن متوسط عرض حزمة بيانات الإنترنت (المنافذ الدولية) للمستخدم السوداني لا تتجاوز 2 كيلو بت في الثانية (ك ب/ث) بينما هي 39 ك ب/ث في المتوسط للدول العربية، و74.5 ك ب/ث في المتوسط عالمياً!

ثانياً: محور الإستخدام. إن توفير النفاذ وخدمات البيانات بفئات تلائم الوضع الاقتصادي لكل فئات الشعب السوداني وأصحاب الأعمال مع توفر الخدمات الإلكترونية، والتجارة الإلكترونية، والدفع الإلكتروني … الخ، سيحول الحاجة للإنترنت من ترف أو ترفيه إلى ضرورة حياتية وهذا أمر بديهي.

ثالثاُ: محور المهارات والتعليم. كل ما سبق لن يتأتى إلا بالإستثمار في الإنسان الذي هو أساس التنمية ومناط الإستخلاف في الأرض. والإستثمار في الإنسان يتم من خلال تعليمه وتنميته، والتعليم – في كل بقاع السودان – يحتاج إلي سلام مستدام، وإستقرار سياسي، وتنمية متوازنة.

إن بلادنا لا تعوزها المقومات للإنطلاق نحو غدٍ أفضل، والتحول إلى مجتمع معلومات متقدم يعزز رفاه المواطنين ويجني ثماره الوطن تقدماً، والمجتمع نماءً وتحضراً، لكن علينا العمل بعزيمة راشدة، وشفافية مطلقة، وإعلاء قيم العمل والمهنية وحسن إدارة الموارد.

هشام أحمد علي