الطيب مصطفى

افعلوا هذا رحمةً بوطنكم

حدث هذا قبل أيام قليلة، والله العظيم، خلال جلسة الإجراءات التقشُّفية التي ابتدرها رئيس المجلس الوطني بروف إبراهيم أحمد عمر في حضور قيادة المجلس المكوّنة من نواب الرئيس ورؤساء اللجان والتي تداولت حول ما ينبغي اتخاذه من قرارات وإجراءات يتنازل بها أعضاء البرلمان عن بعض مخصصاتهم تعبيراً عن مشاركتهم مواطنيهم الظروف الاقتصادية الضاغطة التي عكّرت صفو البلاد مؤخراً.

قال البروف إنه وجد فرقاً هائلاً في سعر تذكرة السفر بين الدرجة الأولى والسياحية في الرحلة إلى جنيف، حيث اجتماع اتحاد البرلمان الدولي الذي يضم رؤساء البرلمانات في العالم أجمع .. تبلغ قيمة التذكرة السياحية (الاقتصادية) حوالي العشرين ألف جنيه، بينما تتجاوز تذكرة الدرجة الأولى التسعين ألف جنيه، ولذلك فإنه سيسافر بالسياحية.

ثار جدل طويل حيث قال بعض الأعضاء، بمنطق رصين، إن رئيس البرلمان يمثل الدولة السودانية، معبّراً عن قمة السلطة التشريعية الموازية لقمة السلطة التنفيذية المتمثلة في رئيس الجمهورية، وإنه يُستقبل من قِبل قيادات الاتحاد البرلماني الدولي بل، في كل زياراته الخارجية، من قِبل نظرائه رؤساء البرلمانات، فكيف ينزل من سلم الدرجة السياحية بكل ما يعنيه ذلك من انتقاص لهيبة ومكانة الدولة، وذكر بعضهم مبرّرات أخرى مثل قولهم إن مخصصات المناصب الدستورية محدّدة بالدستور والقانون.

أصر الرجل ووجد من سانده في رأيه وقد فعلها وغادر بالأمس بالدرجة السياحية بالرغم من أن كثيراً من موظفي الخدمة المدنية دون حتى درجات المدير العام يتمتّعون بالدرجة الأولى ودرجة رجال الأعمال (business class) .

ليت المراجع العام يأتينا بتقرير عن عدد وكلفة رحلات الدرجة الأولى، ودرجة رجال الأعمال التي يقوم بها الدستوريون وكبار موظفي الدولة خلال العام الواحد.. أكاد أجزم أنها تبلغ عشرات المليارات في بلد يعاني من أزمة اقتصادية خانقة.

بعد ذلك الاجتماع صدر قرار من الرئيس بموافقة قيادة المجلس بتطبيق ذلك على جميع قيادات وأعضاء الهيئة التشريعية القومية بمجلسيها (المجلس الوطني ومجلس الولايات).

لولا الحياء وبدعة تعبير (كسير الثلج) التي أصبحت عائقاً يصدُّ عن الشهادة بالحق، لقلت أكثر عن زهد البروف، ولكني سأنتقل إلى امر آخر حول التقشّف الذي ينبغي أن يكون منهجاً عاماً للدولة السودانية.

أقول إن البرلمان بصدد ابتدار إجراءات تقشّفية أخرى تطول جميع أعضائه سينظر فيها مع بداية دورته القادمة التي تبدأ اعتباراً من الاسبوع القادم (الثاني من أبريل)، ولكن هل يقتصر الأمر على البرلمان الذي تعتبر مخصصاته قطرة في بحر متلاطم الأمواج يغرق في خضمه العظيم الجهاز التنفيذي بما فيه كلفة الحكم الفيدرالي بولاياته ومحلياته ومجالسه الشريعية، مما ظللتُ أكرر أنه من أكبر أخطاء (الإنقاذ)، بل إنه كان قفزة في الهواء أدخلت الدولة السودانية في نفق مظلم لا تدري كيف تخرج من دهاليزه وسراديبه المُعتمة، سيما وأنه تقرّر على عجل بدون دراسة وافية؟!

لقد سبق والي نهر النيل (حاتم الوسيلة السماني) بمبادرة تقشّفية كبيرة على مستوى ولايته شملت الجهازين التنفيذي والتشريعي، وكنت أتوقع أن تتخطفها بقية الولايات تطبيقاً وإضافة، وتتناولها الأقلام الصحفية خاصة تلك التي لا تُجيد غير (الردحي) والبحث عن الثغرات وتتبُّع العورات (وما أبرّئ نفسي من ذلك) ناسية قوله تعالى (ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد).

سيدي الرئيس ..أرجو أن تُطبّق مبادرة البرلمان القومي على الجهاز التنفيذي المركزي، وأن تطلب إلى الولايات أن تحذو حذو ولاية نهر النيل.

أعجب لماذا تكتفي ولاية الخرطوم ذات الملايين السبعة من البشر بسبع محليات، بينما تكتظ بعض الولايات بأكثر من عشرين محلية بكل ما يعنيه ذلك من إهدار في الصرف الإداري، وفي السيارات والوقود، بل لماذا لا يُصار إلى دراسة جادة حول الحكم الفيدرالي الذي أهلك الحرث والنسل، وأنهك الاقتصاد، وعطل التنمية، ومزق وحدة البلاد وتماسُكها، ولماذا لا نعود القهقرى إلى ذات النظام الذي ابتدعه دهاقنة الإدارة البريطانيون أيام الاستعمار؟

تخيّلوا لو اكتفى الدستوريون جميعاً والذين يبلغ عددهم الآلاف بسيارة واحدة لكل منهم.. كم سيخفف ذلك من موازنة الدولة أموالاً وكلفة وقود، ولا أريد أن أطلب المستحيل بأن يصبح عدد وزرائنا عشرين أسوة باليابان أو غيرها من الدول المترفة؟!

تخيلوا أنه بدلاً من التعجيل بإنهاء فترة المحاصصات الجهوية والسياسية المُهلِكة التي اقتضاها تحقيق السلام ومطلوبات الحوار بإجراء الانتخابات في 2020 يطرح بعض أسرى الأنفس الشح – وبعضهم للأسف من قيادات الحوار الوطني – ممن لا ينظرون إلى الكون إلا من ثقوب أنفسهم الأمّارة مبادرة لتأجيل الانتخابات إلى 2025م.

ليتنا نتقي الله في وطننا وشعبنا .

الطيب مصطفى
صحيفة الصيحة

تعليق واحد

  1. التقشف الحقيقي يكون بعدم السفر من أصله .. ماذا يعني سفر 15 واكرر15 من نوام (نواب) المجلس الوطني لجنيف برفقة رئيس المجلس الوطني لحضور اجتماعات لن يستفيد منها السودان شيئاً .. في هذا الوقت يموت الكثير من المرضى بالمستشفيات لعدم وجود الدواء .. ولايجد غالبية الشعب السوداني قوت يومه نتيجه لانفلات الاسعار التي ترتبط بالدولار .. ماذا يعني أن يذهب الى جنيف 15 نائب برلماني حته واحدة مع مخصصاتهم اليومية التي تفوق الخمسائة دولار عن كل يوم .. وبعد ذلك يحدثوننا عن التقشف والزهد ويوم القيامة .. وهي لله .. اذا لم تستحي فاصنع ما شئت .. ناس كبار ماشين القبر بدل ما يخافو الله لسع متشبثين بالدولار والسفر،، وبعد ده لما يرجعو يفكوا دولارهم الطلعو من عرق الناس البلمو الدهب من حفر الصحراء في السوق الاسود .. من اين أتى هؤلاء