منوعات

عبدالحليم حافظ «المثقف»: أسرار من داخل مكتبة «العندليب الأسمر»

ما الذي يقرأه عبد الحليم حافظ؟ سؤال قد يبدو غريبا على مطرب من المعتاد أن تسأله عن ما يسمعه، إلا أن على عكس المعتاد أن تكتشف بالبحث عن «العندليب الأسمر» أنه كان مؤمنا تماماً بأن موهبة دون ثقافة مصيرها إلى زوال وربما ذلك ما دفعه للاهتمام بالقراءة والمطالعة.

لم يكن عبدالحليم حافظ يفوت الجرائد اليومية، الأهرام والأخبار والجمهورية، وبعيداً عن ذلك كان مهتما أيضا بالقراءة في الصباح والمساء ساعة أو ساعتين يومياً، كما عرف عنه أنه كان يمتلك حساً نقدياً عالياً، يتحدث الأدباء عنه ويسهبون في التعليق على إبداعه لكنه أيضاً صاحب رأي ينم عن ثقافة تأسست من علاقته القوية بعمالقة الأدب في عصره.

تجربة عبدالحليم أيضاً في الكتابة تكشف مدى قدرته على التنوع في الثقافة والتعبير عن ما مر به من سنوات «اليتم» والصعود إلى المجد، لذا لم تكن تدخلات «العندليب» في كتابة سيناريوهات الأفلام أو تغيير بعد كلمات أغانية أمراً ينم عن تحكم بقدر ما يدل على موهبة في تذوق ما يقرأ ويكتبه ويغنيه أو حتى يسمعه.

في تقرير نشرته مجلة «آخر ساعة» 1967، عن المطرب الذي ولد ونشأ بقرية الحلوات في محافظة الشرقية، والذي كان أول ظهور له على المسرح خمسينيات القرن الماضي، تكشف المجلة أسرار من داخل مكتبته التي احتلت مكانا كبيراً في منزله بالزمالك.

يتحدث عبدالحليم حافظ في التقرير عن الكتب ويبدو من حديثه قدرات نقدية وثقافة واضحة، قائلا: «أفضل أن أقرأ دائما كتابا جديداً لنجيب محفوظ في الرواية، وليوسف إدريس في المسرحية، لأني أشعر بمصريتهما وصدقهما، فنجيب محفوظ مؤرخ روائي مبدع.. كتولستوي في الأدب الروسي.. مرارة الفقر هي عقدة رواياتة».

يكمل «العندليب» شرح ما يراه في أدب محفوظ ويقول: «يحارب الفقر بأغنى أسلوب.. كل التصرفات الشاذة لأبطال قصصه مرجعها الفقر.. تريد مثالا؟.. (القاهرة الجديدة) التي ظهرت على الشاشة باسم (القاهرة 30) بطلها شاب فقير جداً، اضطر أن يكون انتهازياً ليصل.. إن انحلاله بسبب الفقر».

ويتطرق العندليب الأسمر للحديث عن «يوسف إدريس» ويقول: «كمسرحي.. مصدر ممتاز للبيئة والشخصيات الثابتة من هذه البيئة، ويمتاز بعين الناقد وهذا واضح جدا في مسرحياته، ودائماً تخرج في النهاية برأيه الواضح الذي يقوله بصراحة».

وعن إحسان عبدالقدوس، يرى عبدالحليم حافظ فيه «كاتب عصري يناقش مشاكل الشباب ويدل برأيه فيها بوضوح، وهو ليس كاتباً جنسيا، ولكنه مرآة تنعكس عليها حقائق قد تؤلم الكثيرين، ولكننا إذا كسرنا المرآة فلن نرى الحقيقة».

ويصف يوسف السباعي بأنه «يمتاز بأسلوبه المشرق الباسم الساخر في عصر كبير من كتاباته الساخرة التي تناقش قضايانا الاجتماعية، ويثير إعجابي أيضا عندما يتسم بالواقعية والتاريخية، وهو في كتاباته الواقعية يدل برأيه من السطر الأول كأنه يقول: عاجبك اقرأ.. مش عاجبك بلاش».

ويتابع عبدالحليم حديثه عن الأدب وحبه لـ مصطفى محمود: «أحسن كتابنا السائلين، وهو يسأل أسئلة تبدو للقارئ بديهية، بحيث أنك عندما تقرأها تدهش كيف لم تسأل نفسك هذه الأسئلة من قبل؟.. وهو فيلسوف، له شخصية مصرية جداً، وكل فلسفته نابعة من أعماق مصر».

ولم ينس «العندليب» الحديث عن صديقة «أنيس منصور» ويقول: «صاحب الأسلوب اللي عمرك ما تتنكد وأنت تقرأه؟.. فأسلوبه سريع الحركة خفيف الدم، جديد دائما سواء في المقال الصحفي أو العمل المسرحي، وهو من الكتاب الذين يجعلون الحياة في أعيننا، وهو ناقد قاس في معظم الأحيان إيمانا منه بأنه لكي ينتقد لابد أن يكون حادا وصريحا، وهو علمي أيضا وقارئ من الدرجة الأولى وإن كان لا يقول للناس في كتاباته أنه قارئ، ولكن صدقه في اختيار الكلمة والتعبير والمعلومة يؤكد ذلك، وهذه هي بساطة العالم».

ويتطرق أخيرا للحديث عن الأدب الأجنبي قائلا: «أحب أن أقرأ دائما الأدب الروسي، تشيكوف دوستويفسكي وتولستوي، ومن الأدب الأوروبي اعشق سارتر، وقد انتهيت أخيرا من قراءة (موافقة) من 6 أجزاء، وهي في رأيي أخطر دراسات عصرية يمكن أن يضع القارئ يده عليها».

المصري لايت