تحقيقات وتقارير

حريق مباني المسجل التجاري يشعل سؤاله.. لماذا وما هو مصير السجلات الخاصة بالشركات وهل ثمة مستفيدون من ذلك؟

حتى الآن يتساءل أصحاب مزارع النخيل في أقاصي الولاية الشمالية حول أسباب الحرائق المتكررة التي تقضي على أخضر ويابس مزارعهم دون إيجاد إجابة تطفي نيران أسئلتهم. قبل أسبوعين كانت صحف الخرطوم وعدد من وسائل الإعلام تنقل تفاصيل حرائق تلتهم قرى حول مدينة أم روابة في ولاية شمال كردفان، بالطبع ما حدث في الشمالية يتكرر في كردفان دون معرفة الأسباب لهذه الحرائق، وإن اكتفى الجميع بسرد قيمة ما تسببت فيه من أضرار.

كان حريقاً يلتهم مبنى المسجل التجاري القديم بالخرطوم وهو المكان الذي يحتفظ فيه بأرشيف الشركات ورجال الأعمال في السودان، وبحسب المحامي سمير شيخ إدريس فإن حدوث حريق في هذا المكان من شأنه أن يؤثر على أصحابه ويفقدوا ملفاتهم.

ومن جهة أخرى، تنتهز بعض الشركات الفرصة وتتهرب من المساءلات القانونية الحكومية، خاصة في ما يخص الإيداع السنوي أو خلو وضرائب وزكاة وغيرها. وأضاف أن حريق الأرشيف يساهم في تعثر القضايا بالمحاكم لعدم وجود الملفات مما يعرض الكثيرين لفقد حقوقهم، ولفت شيخ إدريس إلى أن تلف الأرشيف يتسبب في تعطيل أعمال الشركات بسبب تلف أوراقها خاصة التي لها اسم بالسجل التجاري لأنها فقدت ملفاتها وأرقامها الموجودة على ملف الإيداع والذي يمكنها من العمل بأي خطوة تريد القيام بها بموجب لائحة السجل التجاري. شرح سمير السجل التجاري لأي شركة وفقاً لقانون الشركات لعام 1925م، وقال هو جسم منوط به التسجيل والترخيص والمتابعة والإيداع وكل الأعمال المتعلقة بالشركات بما فيها الأعمال الداخلية المتعلقة بمجلس الإدارة والمدير العام والجمعية العمومية للشركة، كما يقوم بحفظ نسخ ورقية للأوراق والمستندات التي تتبع لتلك الشركات، ثم أنه يعمل في النواحي القانونية حين ارتكاب أي شركة لمخالفة. وذكر شيخ سمير أن هناك قسم من السجل التجاري خاص (بأسماء الأعمال) وهي أيضاً تنضوي تحت اسم السجل التجاري.
بالطبع فإن الأمر من شأنه أن يفتح باب التلاعب على مصراعيه أمام الشركات، ما حدث في السجل التجاري بالخرطوم كان ينتقل إلى مباني السجل التجاري بمدينة عطبرة، وهو أمر جعل البعض يخلق حالة من الربط بين عمليات الحريق التي اندلعت وبين المعركة التي ترفع الحكومة الآن أسلحتها لخوضها في ما يتعلق بالتقليل من الفساد ومواجهته، وهو أمر لا يمكن تحقيقه دون وجود سجلات تحدد الملكية وتاريخها، وهو ما جعل البعض يشير بسهام اتهاماته نحو من أسماهم بالفاسدين الراغبين في الهروب من المساءلة في اندلاع الحريق.

في سياق ذي صلة، فإن المدير العام للمركز القومي للمعلومات محمد عبد الرحيم يس نفى بشدة أن يكون هناك تلف لأرشيف وأوراق الشركات، وأضاف المسؤول في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء السودانية (سونا) أن كل ملفات الشركات وأسماء الأعمال محوسبة ومؤرشفة بالكامل ومحفوظة في أكثر من موقع وبكفاءة عالية بعد حريق طال مباني المسجل التجاري. وأوضح مدير المركز القومي للمعلومات محمد عبد الرحيم يس، أن المركز يضع كل الاحتياطات في الاعتبار، حيث يتم تأمين ووضع احتياطات للحفاظ على كل المستندات.

كانت الحرائق متزامنة مع الحملة الحكومية ضد من أسمتهم بالقطط السمان المسؤولة عن جل المشكلات الاقتصادية التي تعاني منها البلاد، كما أنها تزامنت مع ضخ كثيف لأخبار تتعلق بإيقاف عدد من الاقتصاديين والمسؤولين لدى السلطات الأمنية بغرض التحقيق معهم في تجاوزات، ومع حملة في وسائط التواصل الاجتماعي ضد الفساد، حملة وجدت رواجها من خلال تبادل منشورات فيها عدد من أسماء الشركات، يقول كاتبوها إنهم على علاقة بالحكومة بشكل أو بآخر، وهو ما يجعل من الحريق أمراً مقصوداً لطمس سجلات شركات تحوم حول أصحابها شبهات فساد، وذلك في سبيل سعيهم لطمس الحقائق.

وينهي مسؤول المعلومات بتصريحه الجدل حول التلف وينفيه تماماً حين يؤكد انتقالهم لنظام الأرشفة الإلكترونية، وهو أمر يقرأ في ثنايا تناول آخر حيث إن المبنى الذي كان قد احترق هو في الأساس المبنى القديم، وأن السجل التجاري انتقل لمبناه الجديد، وهو ما يعني أن الحريق لم تكن له تأثيرات تذكر، لكن في نهاية المطاف فإن نهاية الحريق لا تعني بالضرورة انتهاء الرماد الذي يمكن أن يثيره من أسئلة تتعلق بمدى توفر السلامة في المواقع ذات الأهمية البالغة، وفي البال الحريق الذي شب في قناة نادي الهلال الرياضي وكان قد سبقه حريق في الاستديو الخاص بالأخبار في التلفزيون القومي، مما يجعل الخبر المنتظر للجميع هو ذلك المتعلق بضرورة إنفاذ القانون في ما يتعلق بتوفير السلامة ومعها تطوير آليات إطفاء الحرائق.

الخرطوم – إمتنان الرضي
اليوم التالي.