زهير السراج

الكابوى الغبى !!


* على خلفية شحنة الضان السودانية التى أعادتها السلطات السعودية الى السودان، أذكر أن وزير الثروة الحيوانية فى عام 2014 (وأظنه كان الدكتور فيصل حسن ابراهيم)، قال فى تصريح صحفى ان السودان لم يعد قادرا على تلبية احتياجات السوق العالمى للماشية السودانية بسبب الطلب المتزايد عليها، وعلقت على ذلك بأنه حديث لا يسنده دليل ولا ارقام، بسبب المشاكل الصحية الكبيرة التى تعانى منها الماشية السودانية والأمراض الوبائية المتفشية فيها بالاضافة الى عدم جودتها!!

* وها هى فضيحة إعادة السعودية لشحنة الضان السودانية تكشف حقيقة الوضع المأساوى الذى تعيشه الثروة الحيوانية السودانية، التى لا تجد حتى التحصين من الأمراض الوبائية كما كان يحدث فى السابق، دعك من المرعى الجيد، والغذاء الجيد، وتحسين النوع، وزيادة الانتاج، وايجاد أسواق خارجية ثابتة، فضلا عن الاتجاه الى التصنيع والاستفادة من المخلفات، لتحقيق أكبر عائد مادى، وهو ما يمكن أن نطلق عليه عبارة واحدة فقط هى (الاستغلال الاقتصادى للثروة الحيوانية) !!

ويتلخص الاستغلال الاقتصادى فى عدة نقاط :
1 – مكافحة الأمراض
2 – تحسين المراعى
3 – تحسين النوع والانتاجية
4 – التصنيع
5 – التسويق وإيجاد اسواق خارجية ثابتة

* قد يبدو تحقيق هذه النقاط من السهولة بمكان، وهو كذلك بالفعل، ولكن بشرط أن تتعامل الدولة معها بجدية كافية، وتضع تنمية الثروة الحيوانية على أعلى قائمة أولوياتها، للعائد الاقتصادى الضخم الذى يمكن أن تحققه، فضلا عن تنمية المجتمعات المحلية الضخمة التى تعتمد على الثروة الحيوانية فى معيشتها وحياتها، وتشكل غالبية المجتمع السودانى!!

* ولكن بقدر ما يبدو تحقيق هذه النقاط سهلا، فإنه فى غاية الصعوبة، إذا لم يجد التفهم والجدية والعمل الدؤوب، والإيمان العميق بأن الثروة الحيوانية يمكن أن تضعنا فى قائمة الاقتصاديات الكبيرة فى العالم ( أو لنقل أفريقيا)، وتعود علينا بمنفعة إقتصادية واجتماعية بل وسياسية كبيرة تتمثل فى العائد الضخم، والتطور الاجتماعى، ووضع حد للصراع على الموارد الذى يتطور فى أغلب الأحيان الى صراع سياسى يأخذ أشكالا وانماطا متعددة ومعقدة، مثلما يحدث الآن فى غرب السودان، وخاصة فى إقليم دارفور !!

* لقد حبانا الله بكم هائل من الثورة الحيوانية بالاضافة الى تنوعها الفريد، فلدينا الماشية بأنواعها المختلفة، ولدينا الثروة السمكية، ولدينا الحياة البرية ..إلخ، ولكل نوع ميزاته التى يمكن تنميتها وتحسينها لتساهم فى تطوير المجتمع !!

* وإذا أخذنا الماشية فقط كمثال (البقر، الضأن، الماعز، والجمال)، سنكتشف أن أكثر الإحصائيات تحفظا تحدد تعدادها بحوالى مئة مليون رأس، ولكن ليس لها، للأسف، أية قيمة إقتصادية تذكر، بسبب تفشى الأمراض الوبائية، وسوء النوعية وضعف الجودة وضآلة الإنتاجية، بما يقصيها بشكل نهائى من المنافسة الاقتصادية عالميا أو حتى إقليميا، ويكفى كمثال أن الدولة الوحيدة فى العالم التى تستورد الضأن السودانى، وهى السعودية، لأغراض موسم الهدى والحاجة الملحة الى اعداد كبيرة من الضأن، ولولا ذلك لما لجأت الى استيراده، خشية من الأمراض التى تنتشر فيه وعدم جودته (عكس ما نعتقد خطأً)، ظلت تعيد الشحنات تلو الشحنات بسبب الأمراض، ومنها الشحنة الأخيرة التى أعادتها بسبب مرض التسمم الدموى !!

* ونستطيع أن نفهم هذا الحديث إذا قارنا بين هولندا التى تبلغ مساحتها (16 ألف ميل مربع فقط) ويبلغ عدد ماشيتها (بما فى ذلك الخنازير) 16 مليون فقط، وبين السودان الذى تبلغ مساحته (700 ألف ميل مربع، ومليون قبل الانفصال) ويبلغ تعداد ماشيته (100 مليون)، لا تساوى شيئا من الناحية الاقتصادية، بينما تعد هولندا من أكبر المصدرين لمنتجات الألبان واللحوم فى العالم .. وهو ما ينطبق ايضا على الأرجنتين، ونيوزيلندا، والبرازيل ..إلخ، وبالطبع لا مجال للمقارنة مع استراليا والولايات المتحدة التى بناها فى الأصل (رعاة البقر) كما نشاهد فى افلام (الكابوى) الأمريكية، قبل ان تبنيها الصناعة باستثمار عائدات الزراعة بنوعيها النباتى والحيوانى فى المقام الأول، والمزواجة بينهما !!

* أما نحن، الذين حبانا الله بالمساحات الشاسعة، والاعداد الضخمة من النعم والثروات التى تمشى بيننا فوق الأرض، فأهملناها ولم نفكر فى تنميتها واستغلالها إقتصاديا، وجرينا نبحث عن البترول والذهب تحت الأرض، وحتى هذه عندما وجدناها أضعناها سدى، بدون أن نفكر فى إستثمارها بتنمية النعم والثروات التى حبانا الله بها وتطوير بلادنا، ولا تركناها للأجيال القادمة لتنتفع منها، ولا نزال فى غبائنا وعمى بصيرتنا !!

مناظير – زهير السراج
صحيفة الجريدة


‫2 تعليقات

  1. الذهب ثروة قومية زيه زي البترول …يعني ينبغي ان يكون تحت سيطرة الدولة تخطط لاستخراجه بالطرق العلمية السليمة و استثماره لصالح كل البلد. هل تعلم لماذ طلق الكيزان مسالة الدهب و تركوا كل من هب و دب يذهب للتعدين؟
    الهدف الثانوي لذلك شغل الناس و الشباب بالذهب و الثروة و الهائهم باحلام الغنى
    الهدف الاساسي ان يقوم الكيزان و النافذين بالاستيلاء على اهم مواقع الذهب و نهبها لصالحهم ، و يمكن ان يهبوا جزءا منها لمليشياتهم التي تدافع عن سلطتهم الفاسدة
    الثروة الحيوانية و الزراعة مصادر دخل قومي ذات عائد مادي و اجتماعي كبير، فهي غير العملات الصعبة بعد التصدير، تنمي الريف و الانسان و توجد وظائف مجرية لقطاع كبير من السكان … لكن الاستثمار فيها كبير و تحتاج لجهد و عمل دؤوب و تطوير متواصل. الكيزان ليس لديهم صبر لذلك و لا يهمهم تنمية البلد و لا الناس فهم يفكرون تفكير الحرامي الذي يدخل بيتا و يريد ان يبحث سريعا عن اثمن الموجودات و ينهبها و يخرج قبل ان يقبض عليه صاحب البيت لذلك فقد قاموا بتدمير الزراعة لان الاسهل للص ان يبيع الاراضي و ياخذ قيمتها و يهرب بدلا من ان ينتظر زراعتها و حصادها و تسويقها … الثروة الحيوانية تحتاج لرعلية و عناية لذلك لم يهتم بها الكيزان و وجدوا ان اقرب طريقة لهم للثراء من الثروة الحيوانية هو تصدير الاناث و قبض الثمن و ترييح بالهم و ليذهب السودان الى الجحيم

  2. قطاع الثروة الحيوانية بالطبع من القطاعات المهمة التي يمكن أن تدعم إقتصاد البلد إذا أحسن إدارته (والإدارة تتطلب القوي الأمين)

    دعك من مشكلة الأمراض والتطعيمات ففي غرب السودان في فترة الصيف تعاني الماشية من شح المياه ويمكن أن تسير مسيرة يوم أو يومين حتى تصل مورد الماء الأمر الذي ينهكها ويزيد من تكاليفها لدى المنتج

    يشكل إنعدام التنمية الريفية وعدم توفر الخدمات في المناطق الريفية أحد أهم الأسباب التي أدت الي هجرة معظم السكان قراهم وترك حرفتي الزراعة والرعي والتوجه الي المدن لإمتهان الحرف الهامشية وغير المنتجة

    الحكومة توفر الوزارة والوزير والعاملين ولا تسطيع أن توفر المال الكاف للنهوض بالقطاع الأمر الذي يؤدي الي فشل المسؤولين والسياسات، ذلك الفشل يعود على المواطن في نواحي الحياة فيلجأ الي حيل ووسائل أخرى ليعيش

    أمثلة النجاح في الدول المشار اليها بالمقال يبدأ بوطنية الإنسان وحبه للوطن وقيام الحكومة بواجبها تجاهه فيعمل وينتج ويساهم في تنمية بلده وينجح

    السودان منذ الإستقلال وحتى الآن متدهور في كل المجالات بسبب إنعدام الوطنية (حكام ومحكومين) وكثرة الأقوال بدون أفعال.