تحقيقات وتقارير

المسكوت عنه: زواج الـ(معاقين ذهنياً) بين الشرع والمجتمع

الشرع يوافق بشروط.. والطب يشترط الكشف الطبي

تجارب قليلة لم يكتب لها النجاح

موظف: تزوجت معاقة ذهنياً فادعت اختطافي لها

معاق سعى للزوج فاحتالت عليه بعض الفتيات

(الصيحة) فتحت وبحثت داخل الملف الشائك والمعقد حول تلك الزيجات التي أصبحت تطفو على السطح وما بين مؤيد ومعارض لها، واستنطقت عدداً من جهات الاختصاص المرتبطة بتلك الفئات التي يطلق عليهم عدة مسميات (داون .منقولي .توحد) وجلست مع عدد من أسر تلك الفئة لمعرفة الهواجس التي تؤرقهم وتحقيق أحلامهم بالزواج.

حيث تقول فاطمة وهي والدة لإحدى الفئات ذات القدرات العقلية المحدودة بأن ابنها كلما يشاهد فتاة يطلب منها خطبتها لها، ونفت علمها ما إذا كان ابنها يستطيع الزواج أم أنه يعتبر ونسة أو ما يسمعه متناقل بين الناس، وأبدت تخوَّفها من إقحام ابنها أو مجرد التفكير في الزواج الذي يحتاج إلى مسؤولية تامة، الأمر الذي استبعدت أن يكون ابنها يملك المقومات له رغم أنه من خلال الحديث معه يشعر المستمع بأنه يتمتع بقدر من الرشد ولايعاني من شيء سوى حديث غير مفهوم يتخلل حديثه، فيما يقول مصطفى وهو من ذات الفئات التي التقت به (الصيحة) داخل إحدى الورش بالخرطوم والذي تقول أسرته إنه يعمل في الورش ويشغل بها جلّ وقته وهم مرتاحون لهذا الأمر حتى لاينحاز إلى رفقاء السوء.

ويقول مصطفى الذي أبدى سعادته بحضور (الصيحة) إلى منزله والورشة كما قام بتجهيز واجب الضيافة بنفسه وقال إنه سعيد بالعمل في ورشة محمد ويحتفظ بقروشه في خزنه يحفظ بها حصيلة عمله حتى يتسنى له الزواج الذي أعلنه في القريب ودعا (الصيحة) لتشريف زواجه وأنه لايزال يبحث عن الزوجة. وتشير والدته مجدداً إذا ما شعرنا بقدرته على الزواج فلن نقف في طريقه.

وتقول بتول إنها قد صادفت نماذج من تلك النوعية التي عادة ما ينتهي زوجها بالفشل نسبة لعدم التوافق بين الطرفين وضعف إدراكهم لمقومات الحياة الزوجية، وتشير إلى أن أحد الشباب قامت أسرته بعقد زواجه ولكن تفاقمت حالته النفسية جداً مما تسبب في عدة مشاكل وأصبح عدوانياً جداً ويحاول ممارسة الحياة الزوجية مع كل فتاة يجدها معتقداً بأن الحياة مفتوحة وليس بها حدود.

زواج مع وقف التنفيذ:

ويروي سليمان عمر عن تجربة زميله في العمل من ذات الفئة الخاصة والتي لم تكن متفهمة متطلبات الحياة الزوجية ومع ذلك كان يقوم بالخروج معها من أجل التنزه وقد طالبته ذات يوم بإعادتها إلى المنزل وعندما تأخر أطلقت صرخات داوية في إحدى الحدائق العامة وتجمهر المواطنون وأوسعوه بالضرب بعد أن ادعت زوجته أنها مخطوفة وأفرج عنه ولاتزال في عصمته رغم ما يحدث له من مشاكل، ويضيف بأن زميله يعتبرها من الفئات التي تستحق لفت النظر والاهتمام بها. ووصف سليمان زيجة زميله بأنها زواج مع وقف التنفيذ

فيما تشير الطبيبة (هالة) بأن هناك بعض الإشكاليات التي تحدث عادة في مثل هذه الزيجات التي تحتاج إلى قياس درجة الوعي من خلال دراسة من طرف الأسرتين.

من جانبه يقول: الدكتور راشد سليمان رئيس مجلس الأشخاص ذوي الإعاقة بأن تلك الشريحة من الفئات ذات القدرات الذهنية المحدودة لم يتم إدراجهم في قائمة الزواج الجماعي للمجلس، مبيناً تخوفات الأسر من تجربة الزواج، مشيراً إلى أن تلك الشريحة ينقصها نضوج الفكر،لافتاً في حديثه أن ذلك لايمنعهم من الزواج مستقبلاً إذا مارأت أسرهم ذلك. موضحاً أن أغلب هذه الفئات لايزال بعضهم في اعمار مبكرة بحسب القدرة العقلية.

وفي ذات السياق يشير الاختصاصي النفسي ومعلم التربية الخاصة الأستاذ صهيب الطاهر الهادي بأن الزواج لابد من أن تنطبق عليه الشروط الأساسية والمتمثلة في التكليف، موضحاً بأن تلك الفئات مرفوع عنها القلم فتلك الفئات ذات قدرات عقلية محدودة الإدراك، وأضاف لابد من توافر أركان الزواج من قبول وإيجاب، فإذا ما اختلت أحد الأركان فسد الزواج، ويشير صهيب الباحث النفسي في حديثه لـ(الصيحة) أن تلك الزيجات عادة ماتنتهي بالفشل بنسبة (100)%، وأوضح أن فئات ذي الإعاقات الذهانية تعتبر ناقصة الأهلية لافتاً إلى أن الزواج مسؤولية متكاملة في المقام الأول مبيناً كيفية القياس العلمي لدرجة ذكاء تلك الفئات والذي يتم بقياس العمر العقلي مضروب في العمر الزمني مضروب في (100) ويكون ناتج مستوى الذكاء، وفي ذات الإطار يقول البروفيسر علي بلدو استشاري الطب النفسي والعصبي وأستاذ الصحة النفسية وعلم البراسيكولوجي إن المعاقين وأصحاب الإعاقات والاحتياجات الخاصة في السودان عموماً يعانون من الظلم الشديد من قبل المجتمع ومن قبل الدولة على حد سواء، وكذلك يعانون من التميز السلبي ضدهم بكل الصور والفهم المغلوط لطبيعة مشكلتهم، وهذا ينعكس بصورة أساسية على قدرتهم على التأقلم والتكييف والتعايش في المجتمع والقيام بواجباتهم وأخذ حقوقهم كمواطنين عاديين ومن أهم هذه الحقوق القدرة والحق في الزواج وتكوين أسرة مستقرة مثلهم مثل باقي الناس ولكن لسوء الحظ ونتيجة لغياب الثقافة النفسية والثقافة الطبية ووجود معتقدات سالبة في المجتمع وانحدار مستوى الوعي لدى الكثيرين بمن فيهم الفئة المتعلمة أدى إلى حدوث اختلالات في فهم المشكلة، وبالتالي النظر إليها من مناظير مختلفة تؤدي إلى صعوبات في الفهم وصعوبات أيضاً في التكييف والقدرة على الاستيعاب ولتفصيل هذه الأمور يقول المختص النفسي المعروف إنه لامانع من وجودهذا الزواج طالما تم عمل الفحص النفسي لدى الطرفين، ومن ثم عمل الكشف العضوي والكشف المختبري لاستبعاد أي أمراض وراثية قد تؤدي إلى إصابة أبنائهم بأي إعاقات حركية أو نفسية أو غيرها، عندها يكون هذا الزواج مناسباً ومتناغماً مع نوع الإعاقة ودرجاتها وتأثيرها على العملية الزوجية مع أخذ رأي الطبيب المختص مع تقديم دعم نفس بعد اختبارات التوافق بين الطرفين والوقوف على نوع الإعاقة ودرجتها ومدى تأثيرها على العملية الزوجية بكل تفاصيلها الحياتية والمعيشية والخاصة مابين الزوجين مع أخذ رأي الطبيب المختص وتقديم الدعم الإرشادي والأسري، أيضاً للاندماج في المجتمع بصورة أفضل دون النظر إليهم بصورة مستهجنة ونظرة الاحتقار، ويضيف بأن تلك الزيجات تتم كسائر الزيجات الأخرى دون عمل (الشو) الإعلامي لإبراز روح العاطفة الجياشة الذي يساعد في الراحة النفسية والشعور بالاستقرار بعيداً عن الخوف مما قد يعمل على تغيير النظرة المجتمعية السالبة والتخلص من روح الكآبة والقلق والضجر الذي أدخلهم فيه المجتمع منذ سنين طويلة دون حجر أوقيود. وختم البروف بلدو إفادته لـ(الصيحة) أنه آن الأوان أن تأخذ هذه الشريحة حقوقها كاملة بعيداً عن النظرات السالبة وبصورة طبيعية، بهدف إعادتهم إلى الحياة صالحين لايختلفون عن ما سواهم مما يساعدهم في التخلص من القلق والضجر بحسب الصورة الذهنية والنظرة السائدة حولهم، داعياً منحهم فرصة للحياة بعيداً عن القلق والضجر والكابوس النفسي ونظرة القلق في أعين الآخرين.

رأي القانون:

واعتبر المحامي والمستشار القانوني محمد الفكي محمد أحمد المحبوب بحسب التقديرات العقلية أنه يكمن لتلك الفئة الزواج إذا ما رأت الشريعة ذلك مبيناً في حال فشل تلك الاستمرارية يفسخ العقد لانتفاء شروطه الأساسية وإعادة المهر والتعويض وهو جائز شرعاً.

في حال لم تتواصل الحياة الزوجية على أن يتم ذلك بالعرف الأهلي، ونفى علمه بسوابق قضائية من خلال عمله في الحقل القانوني لفتت نظره، مشيراً إلى أن مثل تلك الزيجات تكمن الإشكاليات فيها مستقبلاً في مدى قدرة الطرفين على رعاية أطفالهم، داعياً الأسر للاهتمام بهذه الفئات الخاصة عسى ولعل يخرج منها ذرية صالحة.

ويشير عدد من القانونيين أن تلك الفئات تنقصها الأهلية ولايمكن زواجها إلا عن طريق القاضي فتلك الفئة مثلها مثل القاصر ولايستطيع القاضي فسخ العقد إلا عن طريق المعهد المعني برعاية هذه الفئات فهو على دراية كاملة عن حالته. وهو من يحدد زواجه من عدمه، بالإضافة إلى عرضهم على أطباء للكشف الطبي لمعرفة مستوى الإدراك، مضيفين أن تلك الفئات الأفضل أن يتم تزويجهم ونفى عدد من القانونيين الذين التقت بهم (الصيحة) معرفتهم بأي حالة زواج من هذه الفئات بيد أن أحدهم أشار إلى حالة واحدة فقط قد صادفته بمنطقة جبل أولياء بعد أن حضرت أسرتها تطلب استشارة حول زواج ابنتهم خاصة أنها أبدت تخوفها من خروجها إلى الشارع، وعزا عدد من القانونيين بأن جهل الأسر بالقانون مايضعهم في بعض الإشكالات، داعياً أولياء الأمورطلب الاستشارة من قبل الجهات ذات الصلة.

أما مولانا محمد سليمان فقد أوضح أن زواج المعاقين ذهنياً يحدده الطب حول مدى مقياس الإعاقة الذهنية ومدى قدرتهم على الإيفاء بالمتطلبات الزوجية، لكن زواجهما جائز شرعاً وربما تصل نسبة الإدراك في بعضهم إلى 50في المية.

تزكية المجتمع:

فيما يشير مولانا أبوقرون رئيس هيئة تزكية المجتمع بعدم وجود دليل يحرم مثل تلك الزيجات. مطالباً بعض الأسر بحل مثل تلك القضايا بالجودية وبعيداً عن ردهات المحاكم باعتبار أن الطرفين في هذه الزيجة يحتاجان إلى المتابعة اللصيقة، وتقديم النصح والإرشاد، داعياً أجهزة الإعلام للعب هذا الدور في تبصير المجتمع خاصة أنها من القضايا المسكوت عنها.

فتوى علماء السودان :

من جانبه أشار مولانا إبراهيم الكاروري عضو هيئة علماء السودان بأن الزواج مثله مثل المعاملات ولديه شروطه معتبراً أن مثل تلك القضايا حاكمة (نفسها بنفسها)وفق مبدأ فيها الحقوق والواجبات وفي حال عدم التزام أي من الطرفين بعقد الزواج يعتبر فاسداً.

ويكشف مولانا مهدي عبد القادر مأذون شرعي بمحكمة الأحوال الشخصية بالشجرة أنه لم يسبق له عقد زواج من تلك الفئة، منوها إلى أن مثل هذه الشريحة غير راشدة ويصعب عليهم فهم الحياة الزوجية. مشيراً إلى حدوث إشكاليات يمكن أن تسببها مثل هذه الزيجات، فقد ينفلت أحدهم عن حدوده الشرعية، داعياً الأسر لإجراء اختبار لمن يرغب فى الزواج.

مدرسة الصبابي:

وتؤكد الأستاذة آمنة عبد الله أحمد المديرة السابقة لمدرسة الصبابي الخاصة بالأشخاص ذوي الإعاقة

أنه من الناحية الوراثية ومن خلال النماذج التي سردتها بأن هناك تجربة من تلك الزيجات أثمرت عن إنجاب طفل لكنه كان أيضاً معاقاً ذهنياً وتوفي أثناء الولادة، وهناك من أنجب أربعة أبناء سليمين، وهذه عناية الله ولكن مثل هذه الزيجة تكمن المشكلة في الزوجة التي عادة تكون غير مؤهلة لتربية الأطفال وخلافه، فيما تؤكد معلمة الأحياء بالمدارس الثانوية بالخرطوم بأن مثل هذه الزيجات فاشلة لأن الفرد فيهم يعتبرغير مؤهل، مضيفة أن مثل هذه الشريحة قصيرو الأعمار فهي تتراوح مابين (30 إلى 34)عاما وخلافاً للإشكاليات التي يمكن أن تحدث، فالأسر تتخوف من مدى تأثير الجينات المترتبة وراثياً على الذرية.

مدير معهد سكينة:

الدكتور صلاح محمد الفكي اختصاصي الأطفال ومدير مركز معهد سكينة للأطفال ذوي الإعاقة العقلية المحدودة قال إن تلك الفئات سبق أن أجرينا مع عدد منهم اختباراً حول صلاحيتهم للزواج، ووجدناهم غير ملمين به ومن هنا استخلصنا بأن هناك صعوبة لإيصال فكرة الزواج إلى أذهانهم وتحسر الدكتور صلاح لحال المعاقين ذوي القدرات العقلية المحدودة في السودان من عدم الاهتمام بهم، فمعظم المعاهد فتحت أبوابها مقابل المادة.

والتقت (الصيحة) بأحد الدارسين القدامى الذين وجدتهم بالمعهد ويدعى (س) الذي يعتبر من أوائل الذين حضروا بالمعهد وقد ارتبط به ارتباطا وثيقاَ مما حدا بإدارة المعهد بالبحث له عن عمل وتحدث (س) إلى (الصيحة) عن تجربة بحثه عن شريكه حياته كثيراً إلا أن معظم الفتيات يخدعنه ويسلبن ماله مما استدعاه ترك التفكير في الزواج، ولكن عاد مرة أخرى وأكد بأن هناك فتاة قد أعجب بها وأخبر والدته بخطبته لها وأضاف بأنه يتمنى أن تتغنى له حنان بلوبلو في حفل زواجه خاصة أنها سبقت وأن تغنت له أبيات من الشعر ورددها وأرسل تحياته عبر (الصيحة) لـ(بلو بلو) ومن خلال حديثي معه حول الزواج اتضح بأنه لايعلم عنه فتركناه يذهب لحال سبيله، وفي هذا الصدد يقول الدكتور صلاح إن هناك عدة تجارب من تلك الزيجات معظمها انتهت بالفشل، أبرزها تجربة شاب سوري الجنسية قام بجلد زوجته منذ اليوم الأول من الزواج واعتبر هذا (عيب)مبيناً نيته إصدار كتاب جديد أطلق عليه (المرشد) وضعه نخبة من التربويين فمثل هذه الشرائح عادة يتم وضع اختبار لها في قدرات الذكاة في مستشفى التيجاني الماحي كل حسب درجة ذكائه، نافياً طلب أي جهة استشارت المعهد حول رأيه في عقد قران أي من هذه الزيجات الخاصة.

الخرطوم: مياه النيل مبارك
صحيفة الصيحة.