تحقيقات وتقارير

وُصِفت بالحرب الاقتصادية .. أزمة (السيولة) .. البحث عن مصادر الثقة

وصف وزير المالية محمد عثمان الركابي، ما تشهده البلاد من أزمة سيولة مالية، بأنه (حرب اقتصادية) استخدمت فيها آلة الشائعات مما حدا بالمواطنين إلى سحب أموالهم من البنوك وتخزينها في البيوت. مضيفا أن هذه الحرب الاقتصادية تهدف لتدمير الاقتصاد السوداني.

وقال الركابي لدى مخاطبته احتفال المعايدة بوزارته بأن هذه الحرب الاقتصادية تعتبر أخطر حرب على البلاد، مشيرًا إلى أن المواطنين أصبحوا يحاربون أنفسهم بأنفسهم، واصفاً الأمر بأنه يؤدي لتحطيم اقتصاد الوطن، مضيفاً أن الحرب ضد السودان كانت في الماضي عسكرية ولكنها تحوّلت الآن لحرب اقتصادية.

بداية الأزمة

وكانت أزمة السيولة قد بدأت في السودان منذ فبراير الماضي، واشتكي العملاء من انعدام مبالغ كافية لتغطية طلبات الصرف لدى البنوك والصرافات السودانية، وازداد الوضع سوءاً مع ظهور بيع الشيكات لتوفير النقد، وبلغ السيل الزبى أواخر رمضان، حيث انتظر المواطنون طويلاً، وتناول بعضهم إفطارهم الرمضاني أمام بوابات البنوك السودانية والتي شحت فيها السيولة أمام الطلب المتزايد من المواطنين لسحب أموالهم لمقابلة متطلبات العيد السعيد .

سياسات

وكانت الحكومة قد اتخذت إجراءات اقتصادية بإشراف مباشر من مؤسسة الرئاسة وبتنسيق مع البنك المركزي بهدف جذب مزيد من الأموال للقطاع المصرفي وتحجيم السيولة النقدية خارج القطاع المصرفي، وذلك للحد من التصاعد المستمر للدولار مقابل الجنيه السوداني، وكان بنك السودان المركزي قد طبّق سياسات غير مُعلنة بتحديد سقوف للسحب النقدي من الرصيد مما جعل العملاء يترددون أكثر من مرة على البنوك لسحب أموالهم .

زيادة تدريجية

وكانت وزارة المالية أعلنت في مايو الماضي عن زيادة في التداول النقدي إثر اتفاقها مع بنك السودان المركزي، مشيرة إلى أن الزيادة في التداول النقدي ستؤدي لانفراج تدريجي في السيولة، وكان وزير الدولة بالمالية عبد الرحمن ضرار قد حمل مسؤولية الأزمة لبنك السودان المركزي واصفاً سياساته بالقابضة، مؤكداً أن السيولة موجودة ولكن البنك المركزي قابض عليها.

بدائل

لجأ المواطنون لعدة ممارسات للاحتفاظ بأموالهم بدلاً من إيداعها البنوك، فلجأوا إلى شراء خزن وإيداع الأموال بها بالمكاتب والبيوت، فيما لجأت كثير من المؤسسات والشركات لصرف الرواتب لعامليها بالطريقة التقليدية عن طريق المحاسب بدلاً من البنوك، فيما آثر بعض المواطنين أن يشتروا بقيمة أموالهم عقارات أو ذهب أو أن يستبدلوا أموالهم بعملات أجنبية تحسباً للتدهور المريع للعملة الوطنية.

نتاج طبيعي

الأكاديمي والخبير الاقتصادي د. عبد العظيم المهل وصف في حديثه لـ(الصيحة) أزمة السيولة بأنها نتاج طبيعي لسلسلة من الأزمات المتتالية والتي نتجت عن السياسات الاقتصادية التي وصفها بالخاطئة وغير المهنية والتي قصدت السيطرة على سعر الدولار، مشيراً إلى أن الأزمة الاقتصادية التي شهدتها البلاد حالياً نتجت عن إجازة ميزانية 2018، مضيفًا أن هناك عددًا من الخبراء الاقتصاديين تنبأوا بما آل إليه هذا الوضع، وأضاف المهل أن الربع الأول لميزانية هذا العام كان يمكن أن يكون مؤشرًا للمسؤولين بالمالية بخطورة الوضع، حيث أشار التقرير إلى ضرورة زيادة الصادرات وزيادة الإنتاج، حيث تناقص الناتج القومي الإجمالي عن العام الماضي من 4.4 إلى 4، كما ارتفع التضخم عن العام المنصرم فكان حسب حساب الحكومة 58 جنيهاً، وبحساب صندوق النقد 181 جنيهاً وبحساب المواطن 300%.

مضيفاً أن مؤشرات الربع الأول للميزانية أكدت فشل السياسات الاقتصادية بالسودان.

وفي ذات السياق، نفى الخبير الاقتصادي د. عبد الله الرمادي في حديثه لـ(الصيحة) أن تكون أزمة السيولة التي تعاني منها البلاد بسبب الشائعات، مضيفاً أن المودعين لدى البنوك لم يجدوا أموالهم عندما طلبوها، مضيفًا أن توجيهات مصرفية حالت بين الناس وأموالهم، مؤكداً أن هذا الفعل سبب حرجاً للمودعين أمام التزاماتهم.

وأمّن الرمادي على أنه قد يكون السودان مستهدفاً، ولكن ما نتج عن أزمة السيولة كان بسبب خطأ في إدارة الكتلة النقدية .

استرداد الثقة

ونفى د. عبد العظيم المهل أن تستعاد الثقة في المصارف السودانية طالما السياسات الاقتصادية هي ذاتها والوجوه التي أنتجت الأزمة موجودة في مناصبها، مضيفاً أن الطاقم الاقتصادي إذا لم يغادر فلن تستعاد الثقة في المصارف، مضيفاً أن أي إجراء اقتصادي لمعالجة الوضع الحالي أصبح مشكوكاً فيه من قبل المواطن السوداني، مؤكدًا أن المواطن أصبح متقدماً في فهمه على الحكومة، وأضحى لا يتجاوب مع برامجها المطروحة.

فيما قال د. عبد الله الرمادي إن استرداد الثقة يحتاج لزمن طويل حتى تستعيد المصارف عافيتها وتسترد ثقتها، مضيفاً أن الخبراء الاقتصاديين طالما حذروا الحكومة من انهيار الثقة في المصارف، مضيفاً أن حلول الاقتصاد السوداني لابد أن تكون بمعالجات كلية وليست معالجات جزئية، مضيفا أن الحل الجذري لمشكلات الاقتصاد السوداني يكمن في خفض الإنفاق الحكومي.

ممارسات خاطئة

وقال د. المهل بأن الحكومة اعتمدت ممارسات خاطئة لحل مشكلات الاقتصاد السوداني منها تغيير فئة الخمسين جنيهاً، مضيفاً أن خطوة تغيير العملة ستؤدي لزيادة الطلب على الدولار، مضيفاً بأن السياسات الاقتصادية الخاطئة أدت إلى هروب رؤوس الأموال الوطنية إلى الخارج، وبالتالي فقد السودان الكثير من العملات الحرة، مضيفاً أن قبض الأموال في المصارف والحيلولة دون أصحابها واللجوء للسياسة الانكماشية أدى لهروب الأموال من النظام المصرفي وخروجها منه دون رجعة، مضيفاً أن أي إجراء اقتصادي تتخذه الحكومة أصبح يفسره المواطن بأنه ممارسة ضده، فيما فسر د. الرمادي أسباب أزمة السيولة بأن الحكومة كانت تعتقد خطأ أن المودعين سيسحبون أموالهم لشراء الدولار، مضيفاً أن أزمة السيولة نتجت عن ارتفاع أسعار الدولار في السوق الموازي، وبالتالي ارتفاع مؤشر التضخم مضيفًا أن السبب الرئيس في زيادة التضخم هو الإنفاق الحكومي المترهل .

تداعيات

وأضاف د. المهل أن أزمة السيولة ستتسبب في هروب الاستثمارات سواء الوطنية أو الأجنبية، وشراء سلع أكثر ضماناً مثل الذهب، وإحجام التجار عن الاستيراد مما سيؤدي لشح السلع وخروج رأس المال الوطني إلى الخارج، مضيفاً أن القطاع المصرفي يمكن أن ينهار تماماً جراء شح السيولة إذا لجأ المودعون لسحب ودائعهم في زمن واحد، ومن ثم ينهار القطاع المصرفي، وبالتالي تنهار كل المؤسسات التي تعتمد على هذا القطاع .

حل سريع

مهما كانت أسباب الأزمة الاقتصادية سواء أنتجتها الإشاعات المغرضة كما تقول الحكومة أو أنتجتها السياسات الاقتصادية الخاطئة كما يقول الخبراء الاقتصاديون فإن الأزمة تحتاج لحل سريع وحاسم طالما أن الأزمة أصبحت (حرباً) اقتصادية، وإلا فإنها ستقضي على الأخضر واليابس.

الخرطوم: نجاة إدريس
صحيفة الصيحة

‫2 تعليقات

  1. بالله ده انسان طبيعي؟ يعني مستغرب ليه الناس ما بتودع في البنوك؟ انت كنت وين يا اخوي؟
    فعلت في مؤامرة ضد السودان وشعبه بس من تدبير المؤتمر الوطني وقطاعه الاقتصادي

  2. و الله الناس ديل عمرهم ما بيعترفوا اخطائهم ، أول خطوات حل المشكلة هي الاعتراف بوجود المشكلة ، ثم بحث الأسباب و الحلول الواقعية
    بالله عليكم شوفو الزول ده يا انو ما بيختشي أو أنه عايش في بلد تانيه ، الناس ديل ما عندهم أي إحساس بما يعانيه الشعب.
    سويتوها بايدكم ،،، ال تسويهو بايدك يغلب اجاويدك ،،،