تحقيقات وتقارير

البطالة.. زيادة في النسبة رغم الجهود الحكومية

ارتفعت نسبة القوة العاملة بالقطاعين الحكومي والخاص في السودان إلى 12 مليون و500 ألف شخص بينما زادت نسبة البطالة إلى 20% كأحدث تقرير نشرته وزارة تنمية الموارد البشرية وفقاً لنتائج آخر مسح لقوة العمل في البلاد أجرى العام الحالي بتمويل من وزارة المالية والتخطيط الاقتصادي وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي. وكان آخر إحصائية نشرتها وزارة العمل في مايو من العام قبل الماضي قالت إن نسبة البطالة بلغت 19% من أصل عمل بالقطاعين الحكومي والخاص 11 مليون شخص.

وأشار وزير تنمية الموارد البشرية الصادق الهادي المهدي في تصريحات الى وجود “2” مليون و”500″ ألف عاطل عن العمل في البلاد، وقال إن المشتغلين في البلاد يعملون في “21” مجالا مدراً للدخل وفقاً لاستمارة المسح الأخير، وأشار إلى أنهم ينقسمون إلى أربع فئات تشمل إنتاج السلع الأساسية كالزراعة والتعدين وغيرها بنسبة “57%”، وتبلغ نسبة المشتغلين في مجالات التجارة والنقل والخدمات والمهن والحرف نسبة “18%” من جملة المشتغلين في البلاد، ونسبة “14%” في المجال الحكومي والمختلف، بينما يبلغ عدد المشتغلين في مجالات التصنيع والقيمة المضافة “11%”.

ويرى مختصون أن نسبة البطالة بالبلاد في تزايد رغم الجهود الكبيرة التي بذلتها وزارة تنمية الموارد البشرية بتخصيص 50 ألف فرصة عمل للخريجين، وعزوا ارتفاع النسبة إلى فشل البرامج التي وضعتها الدولة من أجل التوظيف. ويعاني الشباب من ندرة فرص العمل خاصة حملة الشهادات العليا مما جعل الحكومة تعمل على توفير الفرص من خلال زيادة التمويلات المصرفية وتشجيع المشاريع الصغيرة.

وبينما تعمل الحكومة على توفير الفرص من خلال زيادة التمويل المصرفي وتشجيع المشاريع الصغيرة إلا أنه لا يبدو أن جهودها قد أفلحت حتى الآن في حل المشكلة بشكل جذري إذ تظل الإجراءات المتخذة غير كافية في نظر مختصين.

وبلغت نسبة البطالة بين الشباب حوالي 34%، وبين الخريجين 48% وبين الشابات 45% وبين حملة الشهادات الجامعية 25% وفقاً لنشرة وزارة تنمية الموارد البشرية.

واتفق محللون على عدم دقة الإحصاء، لكنهم أقروا بصعوبة تجاهل الأعداد الكبيرة من العاطلين عن العمل بالبلاد، كما انتقدوا الوصفة التي تخضع للتوظيف الحكومي مطالبين بخلق فرص عمل حقيقية بالقطاع الخاص وفق مشروعات حقيقية تسهم في زيادة الإنتاج.

وطالب الخبير الاستراتيجي محمد إبراهيم الحكومة بالسعى إلى المعالجات طويلة المدى والتوجه نحو المشروعات ذات العائد الاقتصادي تحقق التنمية الاجتماعية وتكون مصدراً للشباب. وأضاف: لابد من مراجعة برنامج التعليم العالي والتركيز على التعليم التقني. واعتبر أن نسبة الـ20% مرتفعة جداً حتى بمعايير الدول النامية. وقال: هنالك زيادة في معدلات الخريجين بسبب التوسع المستمر في مؤسسات التعليم العالي يقابله نمو بسيط فى معدلات الاستيعاب السنوي في وظائف القطاعين العام والخاص، وكذلك الاختناقات التي تعاني منها الخدمة المدنية ووجود موظفين بها بلا أعباء وظيفية. ودعا إلى عودة سن المعاش لستين عاماً في جميع الوظائف الحكومية والعسكرية والقطاع الخاص، وسن تشريعات (للضمان الاجتماعي والمعاشي) لعودة خيار المعاش الاختياري لمن خدم ٢٠ عاماً وتشجيع الإجازات بدون مرتب لسنوات طويلة حتى ١٠ سنوات أو تكون مفتوحة.

وتحفظ الخبير الاجتماعى بابكر إسحاق على دقة الإحصاء في بلد مثل السودان، ولكنه يرى من الصعب تجاهل الأعداد الكبيرة من الشباب التي تبحث عن عمل في دول الخليج وأوروبا وليبيا وحتى مصر، بل وصل الشباب السوداني للامريكتين وأستراليا ونيوزيلندا والصين وكوريا الجنوبية وحتى إسرائيل.

وأشار إلى اتباع الحكومة السودانية منذ مطلع التسعينيات سياسة فتح الباب أمام الاستيراد وتضييق الخناق على الإنتاج والصادر، وهذا أدى الى توقف عجلة الإنتاج وإلى تحويل السودان من دولة شبه مكتفية من معظم احتياجاتها الى دولة شبه مستورد لمعظم السلع، وهذا نتج عنه غياب فرص العمل للشباب خاصة مع قوانين العمل التي تعاقب على توظيف العامل وتجعل أي شركة تقبل العمل بنصف العمالة لتقليل عواقب تشغيل العمال أو تستجلب عمالة أجنبية، إضافة الى ذلك قوانين الجباية التي حولت حتى الزكاة لأداة لتدمير الإنتاج وجعلت المنتج مطارداً من قبل قرابة سبعين جهة تريد أن تمتص دمه، ولا تبالي إن توفي جراء فقدان الدم.

ويرى إسحاق أن البلاد بسياساتها الحالية تطرد الأعمال وتولد البطالة . وأضاف: إذا كان الرقم صحيحاً فهذا يعني أن دول الاغتراب تكفلت بضعف هذا الرقم كلاجئين وعمال وغرقى في البحر المتوسط وفي صحراء سيناء. ويقول إن البلاد بحاجة ماسة لمراجعة كافة سياساتها لخلق بيئة جاذبة للعمل والاستثمار وداعمة للإنتاج والصادر.

ويقول المحلل المالى فياض حمزة، إن سياسات الحكومة حجمت عمل القطاع الخاص وجعلته أسيراً لها مما جعل التجار يلجأون إلى التجارة الذكية حتى لا يتعرضوا لدفع رسوم أو ضرائب ولجأوا إلى العمل في المنازل في بيع السلع والخدمات ، وهذا “يمثل ضغطاً على الخريج” برغم قوله إن سياسات التعليم العالي خلقت وعياً، ولكنها لم تخلق مشروعات للخريجين أو توفر قاعدة مهنية لهم.

ويطالب بترشيد السياسات في مجال الاستثمار وتخفيض الضرائب مع توسيع شروط التمويل التي تعد قاسية في نسبة الربحية السنوية البالغة 12% مع شرط النسبة المئوية سنوياً، كما أن فترة الإرجاع قصيرة تحتاج إلى مراجعة خاصة في المجال الزراعي حتى يتم تجنيب التعسر.

وكانت الحكومة قد عولت على برنامج التمويل الأصغر يخصص من خلاله البنك 12% من رأس ماله لتوفير تمويل أصغر للخريجين في شكل مشروع يسدد على أقساط بربحية 12% في العام الواحد. إلا أن تلك البرامج ووجهت بعقبات الضمانات والتسويق والرسوم الحكومية وغيرها، بجانب ممانعة البنوك في تمويل تلك المشروعات التي ترى فيها تجربة جديدة غير مأمونة العواقب.

الخرطوم: عاصم إسماعيل
صحيفة الصيحة