طيبة إلى أين؟
*كنت أشاهد هذه القناة باعجاب واحترام كبيرين، ذلك لتنوع برامجها الفكرية والثقافية والدعوية، وهي تفتأ تقدم الوجبات البرامجية الشهية في قوالب مختلفة، وبرغم مرجعيتها السلفية، إلا أنها قد أفردت مساحات مقدرة للآخرين سيما مدرسة الإسلاميين الوسطية.
*غير أن انقلاباً برامجياً هائلاً قد حدث في قناة طيبة الفضائية منذ أن تم الإعلان في الحجاز وجزيرة العرب والخليج الحرب على الشيعة والمتشيعين، فأصبحت تقريباً كل برامج القناة تستمد قدسية معركتها من هذه الفكرة ، ألا حرب وألا برنامج يعلو على برامج الحرب على الشيعة..
*وبطبيعة الحال ليس هذه النقلة المفاجئة في برمجة القناة ناتجة عن أن دولة السودان قد استقدمت عشرات الآلاف من المواطنين الشيعة إلى أراضيها، ولكن القصة ناتجة من أن (الممولين الكبار) في جزيرة العرب والخليج قد ذهبوا بكلياتهم في عمليات الحرب على الشيعة، وذلك على أثر (فتنة عبقرية) أوقد نيرانها اليهود لإحراق ديار المسلمين بنيران المعركة المذهبية التي لا تبقى ولا تذر!
*أفهم جيداً أن يمولنا الآخرون الأخبار بالمال، لكني في المقابل لا أفهم أن يمولونا بالأفكار والأجندة والأولويات، فعلى الأقل لكل دار إسلام ودولة قضاياها وأجندتها التي تصمم عليها برامجها ومعاركها.
وأتساءل هنا، كم نسبة المواطنين الشيعة في السودان، فمهما نفخنا وضخمنا هذا الرقم فإنهم لم يبلغوا عدد الاثنين في المائة الذي يقارب المليون شخص، حسناً فلو طلب مني وضع خارطة برامجية واقعية على ضوء الأرقام المتاحة، فمن الإنصاف أن أخصص برنامجاً أسبوعياً واحداً لمقارعة طموحات هذا المذهب لكن الذي يشاهد قناة طيبة الآن يتصور أن (بلاد النيل والشمس والصحراء) قد وقعت بأكملها في ضلالات المذهب الشيعي، والحقيقة أن برامج القناة هي التي ضلت الطريق في الوصول الى المعركة السودانية التي تستحق الصدارة والاهتمام والأولوية.
*معركتنا ايها السادة الاسلاف الآن بالدرجة الأولى مع الفقر والمسغبة والجوع، وقناة طيبة متخمة بقضايا الخليج الغني ومسختته بجراح الجزيرة العربية الثرية.
*وعلى ضوء ذلك لماذا لا تشارك (الجماعة السلفية) التي تدير (أطروحة طيبة) بأفكار ومشروعات لهزيمة الفقر وتذليل حياة العباد، فلم تكن هنالك برامج مخدمة بعبقرية وبعناية لمخاطبة قضايا الجماهير، وقديماً قال أهلنا في البادية (الزول بونسو غرضو)!
*وحتى لا أظلم الآخرين، فهناك مدارس سلفية تعني (بعجين المواطنين وقوتهم) وحاجياتهم وعلى رأس هؤلاء الجماعة السلفية التقليدية (جماعة أنصار السنة المحمدية) التي لها كثير من الاجتهادات الحياتية.
*ومعركتنا الثانية مع ما تسمى (الجبهة الثورية) التي امتلكت الجرأة لتغزو أمدرمان في وقت سابق، وأخشى والحال هذه أن تطرق الجبهة أسوار طيبة ذاتها، وهي غارقة في عمليات الحرب على الجماعة الشيعية.
*غير أن الطريقة التي يحارب بها الشيعة نفسها في كثير من الأحيان كما لو أنها تعرف بهذا المذهب وتنشر أفكاره ولن أنسى أبداً أن المرة الأولى التي يشهد فيها مسجدنا هرجاً ومرجاً عارماً، عندما أرسلت تلك الجماعة السلفية أحد شبابها المتحمسين لمحارب الشيعة في حي لا يفق بين الشيعة والشيوعيين، ولم يحتمل المصلون مجرد سماع بذاءات الشيعة التي يسمعونها لأول مرة، فهاجموا وماجوا في وجه الشباب الذي كما لو أنه جاء مبشراً بالمذهب الشيعي وليس محارباً له.
*مخرج أول.. هناك كثير من العقلاء في المدرسة السلفية السودانية يفرقون بين ثقافة نقل النصوص بالمسطرة ونقل القضايا والأولويات، نحتاج للنصوص لكي نسقطها على واقعنا المختلف تماماً.
*مخرج ثان.. أخشى أن ترك الأمر لبعض الناشئة والمتنطعين أن ينقلوا تجربة (حزب النور) السلفية الذي شكل إلى جانب الكنيسة والأزهر جسراً مرت عليه دبابات اللبراليين لدك جماعات الإسلاميين!
ملاذات آمنه – صحيفة اليوم التالي