الضباب !!
*أول من لاحظ الظاهرة حاجة سعيدة..
*استيقظت فجرأ لتجهيز الشاي…فابنها مسافر إلى الخرطوم..
*وأثناء حلبها المعزة تنتبه لشيء غريب في السماء..
*لم تكن هي سماء كل يوم…بل بدت وكأنها تغطت بثوب (زراق)..
*وينكشح منها اللبن على الأرض…من شدة الخوف..
*ثم يتبعها في رصد الظاهرة عبد المجيد… صاحب الدكان..
*ويحكي لزبائنه بهلع كيف أنه رأى لحظة زحف (الدخان) على سماء البلدة..
*وبعد أن (فجَّت الدنيا) تأكد من أنه ليس سحاباً… كما توهم بدءاً..
*ولم يبع في يومه ذلك شيئاً….. ولم يكترث..
*ثم كان ثالث المنتبهين سليم العريبي ريس المركب..
*قال إنه حين هبط المشرع لم يميز- أول الأمر – بين (البحر) والسماء..
*وعزا ذلكم الخلط – في البداية – إلى تأثير (دكِّاي) الليل..
*فعاد إلى (كرِّقته) لرشف مزيد من القهوة… ثم عاود الهبوط تلقاء النهر..
*ولكنه فوجئ بأن السماء ما زالت في لون النيل..
*ولون النيل هو لون مياهه العكرة….. في أوان (التساب)..
*وتوالت بعد ذلك – عند شروق الشمس – قصص مشاهدة الضباب..
*وتوالت – أيضاً – قصص الظواهر الغريبة… وحكاياتها..
*وأشهرها جفاف الزرع … والضرع …….. والدمع..
*فحتى الدموع بخلت بها المآقي حين احتاجها البعض… خوفاً وطمعاً..
*وهُرع الناس إلى المسجد علهم يجدون تفسيراً…. وطمأنينة..
*حتى ستات العرقي – والبهجة – نونة… وحنونة… وزيتونة… هُرعن إلى هناك..
*ويضوع منهن ما بقي من آثار الليل…. مثل (دكَّاي) سليم العريبي..
*وكان أكثر الناس هلعاً… وخوفاً… ورعباً…(كبير) البلدة..
*ولكن شيخ فتحي – إمام الجامع – كان هو نفسه ينتظر تفسيراً… وطمأنةً..
*ولما حان وقت صلاة الظهر لم يؤذن حاج صالح كعادته..
*كان الجميع مشغولين بالنظر إلى تغيُّرات بدأت تطرأ على الضباب..
*فقد طفق يتشكل بعضه…في بعضه…من بعضه ؛ رويداً رويداً..
*وأقسم نفر إنه كان يتشكل على هيئة وجوه أناس من البلدة يعرفونهم جيداً..
*وجميعهم تحت الثرى ؛ ظلماً… وغدراً… وغيلة..
*ولكن الأستاذ (بتاع) الكتب – كما كان يُسمَّى – نفى هذا الزعم ..
*وأرجع – مجاهد – الأمر إلى محض توهم من منطلق التمني..
*وهو نفسه كان أسير تلكم الأماني التي ظلت حبيسة الصدور سنين عددا..
*أمنيات مصوبة – كما السهام – نحو (الظالم)… وأتباعه..
*بيد أن السماء لا تمطر (تغييراً) يقول مجاهد ؛ وما نيل المطالب بالتمني..
*واستغلها سانحةً لدفع الناس نحو تغيير يأتي من (الأرض)..
*فانصرفوا عنه أكثر من ذي قبل…. يؤثرون – كعادتهم – السلامة..
*وعند بزوغ شمس اليوم التالي اختفى الضباب..
*واختفت بهائم… وعيوش… وتمور… وبضائع…. و(بقايا) ابتسامات..
*واختفى مجاهد !!!.
صلاح الدين عووضة
صحيفة الصيحة
بالغت يا صلاح