هل روسيا هي الفائز الحقيقي في كأس العالم 2018؟
يُنظر إلى كأس العالم روسيا 2018 على أنه انتصار في العلاقات العامة لروسيا خلال فترة حكم الرئيس، فلاديمير بوتن، لكن على الرغم من هذا النجاح وما حققته البلد في الترويج لنفسها خلاله، مازالت هناك مخاوف بشأن التزام موسكو بقيم الديمقراطية وحقوق الإنسان والنظام الدولي.
روسيا تتهم الولايات المتحدة بمحاولة التدخل في انتخاباتها الرئاسية
لافروف: اتهام مواطنين روس بالتدخل في الانتخابات الأمريكية “ثرثرة”
وتدفق عشاق كرة القدم وجماهيرها من كل أنحاء العالم إلى شوارع موسكو الرئيسية. وكانوا يغنون ويرقصون ويحتفلون خلال الليل وسط ارتداء الآلاف للقبعات المكسيكية المستديرة، والعباءات البيروية، وملابس الفايكينغ الأيسلندية، وكذلك، بالطبع، وسط رفع الأعلام الروسية. وحتى ضباط الشرطة المعروفين بصرامتهم كانوا يحاولون رسم الابتسامة على وجوههم.
لا أتذكر أن الرئيس بوتين حقق نجاحا مدويا في مجال العلاقات العامة والترويج لبلاده مثل ما حققه الآن.
فالملاعب الجديدة المذهلة، والسفر المجاني إلى أماكن إقامة المباريات المختلفة، وغياب مظاهر العنف بين الجماهير الكروية ترك انطباعا رائعا لدى الزائرين.
“أكاذيب؟”
فروسيا بدت أكثر حميمية وترحيبا، وهو تناقض صارخ للصورة السلطوية للدولة. فجميع الجماهير الأجانب الذين تحدثت إليهم أعربوا عن سعادتهم واندهاشهم الشديد.
وقال لي دارين، وهو مشجع إنجليزي من بلاكبول، أثناء حديثنا بالقرب من الساحة الحمراء: “أشكر الروس على استضافتهم… كل شيء قالته الحكومة البريطانية عن روسيا كان محض كذب. إنها دعاية. بوتين تعامل بكل نزاهة. لقد حقق نجاحا باهرا في كأس العالم”.
وكانت إحدى الصور الرائعة لهذه البطولة هي صورة بوتين وهو يبتسم ويتحدث إلى مجموعة من أساطير كرة القدم.
ومن بين نجوم رياضة كرة القدم الذين دُعوا إلى الكرملين في ذلك اليوم لاعب منتخب إنجلترا ريو فيرناند والدنماركي بيتر شمايكل. وتناول الضيوف الشاي، لكن بوتين حصل على ما هو أكثر من ذلك، وهو إشادتهم.
ومدح أسطورة كرة القدم الألماني لوثر ماتيوس بوتن قائلا: “هذه إحدى أفضل بطولات كأس العالم التي شاهدتها خلال الـ 40 عاما الماضية… شكرا للرئيس (بوتين). شكرا لروسيا”.
كما قال رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم، جياني إنفانتينو، للرئيس الروسي: “لقد أخبرني المشجعون أن الروس والشرطة الروسية في الساحة الحمراء كانوا يبتسمون للزوار… هذا أمر رائع. هذه هي بالضبط روسيا. هذه هي الصورة الجديدة التي شاهدناها عن روسيا”.
أشعر بالسعادة لأن زوار كأس العالم في روسيا قد شاهدوا بعض المظاهر التي أحبها في هذا البلد، مثل مشاعر الناس الدافئة وروح الدعابة والكرم. سعيد أن الشرطة في الساحة الحمراء كانت تبتسم لهم.
“روسيا فوبيا”
لكن رحلة قصيرة ليست كافية لتشكيل صورة كاملة عن روسيا في عهد فلاديمر بوتن. قد يبتسم ضباط الشرطة الآن. لكنهم لم يكونوا كذلك في مايو/آيار الماضي عندما فرّقوا مظاهرة مناهضة لبوتن في ميدان بوشكين.
إن النجاح في تنظيم كأس عالم لا يغير الاتجاه العام، فخلال السنوات الأخيرة تعرضت الديمقراطية وحقوق الإنسان وحرية التعبير في روسيا لكثير من الانتهاكات.
فروسيا المولعة بالحروب ضمت شبه جزيرة القرم وتدخلت عسكريا في شرق أوكرانيا. كما أنها متهمة بشن هجمات إلكترونية والتدخل في انتخابات عدد من الدول الغربية، والوقوف وراء الهجوم بغاز نوفيتشوك في بلدة سالزبوري البريطانية.
لكن كل هذه الاتهامات ترفضها روسيا، وتصفها بأنها نتائج الخوف من روسيا (روسيافوبيا).
ونفت موسكو أيضا أي صلة بوفاة البريطانية دون ستورجيس، التي تعرضت مؤخرا لغاز نوفيتشوك في إيمزبري. وأشارت وسائل الإعلام الرسمية هنا في تغطيتهم إلى أن بريطانيا استخدمت هذا الحادث لإفساد ما حققته روسيا في كأس العالم.
أما بالنسبة للمسؤولين الروس، فهم يستخدمون ثناء جماهير كرة القدم الأجنبية لمحاولة التشكيك في الادعاءات ضد بلادهم.
ويقول كونستانتين كوساشيف، رئيس لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان الروسي: “إن مشكلة صورة روسيا لم تصنعها بنفسها”.
وأضاف: “لقد صنعتها دول، مثل بريطانيا، من خلال نشر الأكاذيب عن روسيا كدولة”.
وتابع: “لقد فشلوا. نحن سعداء لأن كثيرا من الجماهير من المملكة المتحدة وبلدان أخرى كانت لديهم فرصة فريدة في عدم مشاهدة قنوات، مثل بي بي سي، وهي تحكي قصصا عن روسيا، ولرؤية روسيا الحقيقية بأعينهم”.
لكنني قلت له “لكننا نشرنا كثيرا من الأخبار والتقارير الإيجابية حول روسيا”. فقال كوساشيف “لا أعرف، أنا للأسف لا أتابع بي بي سي”
ومع انتهاء بطولة كأس العالم، سيكون التحدي الأكبر أمام الكرملين هو تحويل نجاح روسيا في مجال العلاقات العامة على المدى القصير إلى مكاسب دبلوماسية طويلة المدى.
سيعتمد كثيرون على اللعبة الجيوسياسية الأوسع التي تمارسها روسيا الآن. ويبدو، هنا أيضا، أن الرئيس بوتين هو الفائز.
ويلتقي بوتين، الإثنين، دونالد ترامب في قمة بالعاصمة الفنلندية هلسنكي في ظل عقوبات غربية مفروضة على بلاده، وهو ما ينظر إليه على أنه انقلاب ديبلوماسي لصالح موسكو.
ويعتقد مستشار السياسة الخارجية في الكرملين، سيرغي كاراجانوف، بأنه “يبدو أننا فائزون في كل مكان”.
بي بي سي عربية