تحقيقات وتقارير

الديون المتراكمة والترهُّل الوظيفي واستحقاقات العاملين أسباب تهدّد القنوات الفضائية بالتوقف

قنوات خاصة تعاني شح الإعلان، وإيراداتها لا تُمثل 10% من تكلفة التشغيل

قنوات ولائية مُطالَبة بدفع ما يقارب الـ “20000” دولار رسوم اشتراك

كانت الصدمة عندما تحوّلت القنوات إلى (سنط سات) وأصبحت مشاهدتها مرتبطة بتغيير جهاز “الرسيفر” إلى جهاز “الإتش دي” غالي الثمن

شعرت القنوات السودانية بخطر الورطة في هذا المشروع الذي أفقدها المشاهدين

الطاهر حسن التوم: هذا الواقع فُرض على القنوات فاضطرت للاستجابة تحت الضغط

الفريق السر: توحيد الرؤية يفضي إلى الاستفادة الجماعية

رؤية يقدمها: معاوية السقا

تدخل القنوات السودانية مرحلة جديدة بعد قرار الانتقال الكلي إلى القمر عرب سات الذي بات أمر تنفيذه قريباً وفرضته ظروف ومعطيات عديدة تحتم مغادرة مدار النايل سات الذي ارتبط بصورة وثيقة مع المشاهد السوداني . مما يجعل الأسئلة تتقافز إلى الأذهان لماذا عرب سات تحديداً؟ للإجابة على هذا السؤال، لابد أن نستصحب الظروف الاقتصادية الطاحنة التي ألقت بظلالها على مسيرة القنوات الإبداعية وتحليل وضعية هذه القنوات، وأمكانية استمراريتها في ظل هذه الضغوط مع ارتفاع جنوني في سعر الصرف بجانب محتوى القنوات وقدرتها على التنافس والصمود.

قنوات مهددة بالتوقف

بنظرة فاحصة لواقع القنوات الفضائية في السودان، نجد أن السواد الأعظم من هذه القنوات مهدد بالتوقف عدا القنوات الحكومية الرسمية التي تجد الدعم من الدولة، وهذه القنوات نفسها تعاني من إشكاليات عديدة ممثلة في الديون المتراكمة والترهل الوظيفي واستحقاقات العاملين، أما الشق الآخر من القنوات ممثلاً في القنوات الخاصة، فهي الأخرى تعاني بسبب شح الإعلان وعدم وجود موارد أخرى، وفي ظل ارتفاع سعر الصرف وتكلفة الإنتاج والتشغيل ما يرد من إيرادات لا تمثل 10% من التكلفة.

هذه الوضعية باتت مهدداً حقيقياً لاستمرار القنوات، لاسيما الخاصة والولائية، لأن كل قناة مطالبة بدفع ما يقارب العشرين ألف دولار عبارة عن رسوم الاشتراك عبر مدار النايل سات .

اجتماع وزير الإعلام الذي أتت مخرجاته بالانتقال الكلي لعرب سات من وجهة نظر الكثيرين كان بمثابة طوق النجاة لمعظم القنوات وخطوة مهمة فرضتها ظروف معطيات الواقع المعاش، إضافة إلى أن القائمين على أمر هذه القنوات وضعوا تجربة قناة النيلين وما وجده تلفزيون السودان من امتيازات نصب أعينهم وكنموذج يمكن أن يحقق لهم الاستقرار في حال الانتقال .

ورطة سنط سات

في شهر مايو من العام الماضي حضر وفد رفيع المستوى لتدشين باقة سنط سات المخصصة للقنوات السودانية وسط احتفالات كبيرة شهدها فندق السلام روتانا، وقتها تفاءل الجميع خيراً أن تمثل هذه الباقة نقلة حقيقية للقنوات السودانية خاصة بعد البشريات التي أطلقها مدير شركة القلف سات محمد الحاج والمتمثلة في أن وجود القنوات السودانية في باقة واحدة يسهم في انتشارها على المستوى الخارجي، ويجعل التنافس مشتعلاً بين القنوات في جودة المحتوى بجانب تخفيض رسوم الاشتراك، وعلى هذا الأساس تم حصر القنوات السودانية في هذه الباقة، غير أن الصدمة كانت أكبر عندما تم تحويل القنوات السودانية على سنط سات، إذ بات أمر مشاهدتها مربوطاً بتغيير جهاز الرسيفر إلى جهاز يعمل بتقنية إتش دي الذي وصل سعره إلى 1000 جنيه قابلة للزيادة، ما جعل مشاهدة القنوات السودانية في غاية الصعوبة، خاصة وأن الانتقال تزامن مع إجازة الميزانية للعام 2018 التي أشعلت الأسواق وجعلت سعر الدولار يقفز إلى 45.2 جنيه.

ترتيب الأولويات

هذا الوضع جعل المواطن يرتب أولوياته المتمثلة في المعيشة، ما يعني ضمنياً الاستغناء عن مشاهدة القنوات السودانية التي في الأساس تركت انطباعاً سالباً لدى المشاهد بهشاشة برامجها وعدم مواكبتها، ما يعني أن معظم القنوات التي انضمت تحت منظومة سنط سات ستكون خارج دائرة المشاهدة، لأن معظم الأسر ليس لديها استعداد لشراء ريسيفر جديد من أجل عيون القنوات السودانية التي لم تلب احتياجاتهم، بالتالي ستفقد هذه القنوات جمهور المشاهدين والمعلن معاً، لأن أمر مشاهدتها انحصر في شريحة محدودة.

عرب سات على الخط

بعد أن استشعرت القنوات السودانية الخطر الذي يحيط بها، وشعرت أنها تورطت في هذا المشروع الذي سيفقدها جمهور المشاهدين، وإذا استمر الحال بهذا المنوال، ربما تتوقف هذه القنوات وتعجز عن الاستمرارية لأن تمويلها قائم في الأساس على الإعلان والمعلن بطبيعة الحال لا يمكن أن يجازف ويعلن في قنوات محجوبة عن المشاهدة، بالتالي فكرت معظم القنوات وبصورة جادة للانتقال إلى القمر الصناعي عرب سات وفي تقديري أن هذا هو الحل المناسب للخروج من هذه الورطة.

انتقال جماعي

الانتقال الجماعي يحقق مكاسب جيدة للقنوات السودانية أولها أن عرب سات يقدم امتيازات كبيرة باعتباره قمراً تابعاً لاتحاد إذاعات الدول العربية، وقد رأينا كيف دعم التلفزيون القومي بملايين الدولارات وعربات التلفزة الخارجية مقابل نقل الدوري الممتاز عبر قناة النيلين وبصورة حصرية، صحيح ـن انتقال النيلين أثر على مشاهدتها، وذلك لعدة أسباب أهمها أن النيلين انتقلت بصورة فردية، فيما ظلت قنوات كبيرة مشاهدة مثل النيل الأزرق على مدار النايل سات لذلك تأثرت النيلين، ولكن في حال انتقال كل القنوات لن يحدث أي تأثير، بل على العكس، فإن المشاهد من الأفضل له أن يحول الطبق 26 درجة بدلاً من شراء رسيفر وصل سعره إلى ألف جنيه في ظل ضغوط اقتصادية معروفة للجميع .

تقليل التكلفة

وفي هذا الصدد يقول محمد عمر الفاروق رئيس مجلس إدارة مجموعة قنوات أنغام إن انتقال القنوات السودانية إلى عرب سات سيقلل من التكاليف والأعباء في ظل ارتفاع سعر الصرف باعتبار أن عرب سات يقدم امتيازات عديدة مع رسوم معقولة باعتبار أن هذا القمر له أهداف إستراتيجية يوفر خدمة “المينوس” التي تساعد على النقل المباشر من كل البقاع، إضافة إلى انتشاره على المستوى الأروبي، مشيراً إلى أن قناة الملاعب قد انتقلت بالفعل وبثت الدوري الممتاز .

وسيلة ضغط

ويؤكد مدير القنوات المتخصصة بتلفزيون السودان إسماعيل عيساوي أن انتقال القنوات السودانية سيشعل سوق التنافس بين الأقمار، وربما يكون وسيلة ضغط على الأقمار الأخرى المنافسة التي ستفقد ملايين الدولارات التي كانت تورد سنوياً في خزينتها، فوجود منافس آخر وبأسعار مغرية سيغري الآخرين بالتنازل، كما حدث في شركات الاتصالات، فعندما كانت شركة واحدة كانت أسعارها عالية للغاية، وليس في مقدور المواطن العادي شراء شريحة وعندما ظهرت شركات أخرى انخفض شعر الشرائح والخدمات إلى درجة أصبح فيها المواطن البسيط يمتلك أكثر من شريحة، هذا السيناريو يمكن أن يتكرر في حال انتقال كل القنوات السودانية إلى عرب سات والمستفيد الأول هذه القنوات.

مكاسب القومي

يقول خالد الإعيسر مدير قناة النيلين السابق إن انتقال قناة النيلين إلى عرب سات حقق مكاسب عديدة للتلفزيون القومي، حيث دفعت المؤسسة العربية للاتصالات عرب سات مبالغ مالية وحوافز من بينها عربة تلفزة حديثة وغرفة بث وقيمة استديو جديد، وذلك بعد مفاوضات طويلة وقد تم توقيع العقد الشهير في قاعة الصداقة بتاريخ 30 يناير بين شخصي الضعيف ومدير المؤسسة العربية خالد بالخيور، ويومها واجه الإعيسر عاصفة من الانتقادات من الصحفيين والإعلاميين الذين لا يعلمون قيمة الخطوة فنياً ومالياً، واليوم ها هي القنوات السودانية تخطط وبشكل جاد للانتقال إلى عرب سات، وعندما فكر الإعيسر في هذه الخطوة كان يقرأ المستقبل الرقمي والمميزات التي توفرها عرب سات دون غيرها من الأقمار.

تحول تقني

وبحسب الطاهر حسن التوم المدير العام لقناة سودانية 24 إن فكرة الانتقال الجماعي للقنوات السودانية لعرب سات ليست جديدة، وأثارت نقاشاً وجدلاً مستفيضين قبل فترة، مشيرًا إلى أن التحول الذي تم في القمر الصناعي القلف سات والذي تبث عبره القنوات السودانية على مدار النايل سات، هذه الخدمة حدث فيها تحول تقني مما أحدث ربكة كبيرة في السوق، وكان مثار نقاش بيننا وبينهم، ولكن إدارة القمر بحكم الأمر الواقع فرضت على القنوات السودانية هذا الواقع اضطرت لأن تستجيب تحت الضغط وعدم وجود الخيارات والبدائل.

انتشار واسع

أما فيما يتعلق بعرب سات والانتقال إليه، يقول الطاهر التوم إن النقاش في هذا الموضوع راعى مدى الانتشار الواسع مما يعطي القنوات السودانية فضاء أوسع مقارنة بالخدمة التي يقدمها القلف سات صاحب المدى المحدود، ما جعل الكثير من القنوات السودانية أن تجمع بين القمرين لمزيد من الانتشار منها سودانية 24 والنيل الأزرق والشروق.

عرض غير مسبوق

ويضيف الطاهر التوم: المعادلة الثانية في موضوع الانتقال هو السعر، فالتكلفة التي تدفعها القنوات السودانية تدفعها بالدولار والعرض الذي قدمته عرب سات للقنوات السودانية يكاد يكون غير مسبوق، والسبب في ذلك أن السودان عضو في مجلس إدارة عرب سات، وهو مساهم فيه والعلاقة بينه وبين عرب سات وثيقة حيث يمثل وكيل وزارة الإعلام عضواً في مجلس إدارة عرب سات، وبالتالي هنالك امتيازات كبيرة تقدم للسودان.

في طور المناقشة

ويكشف الطاهر التوم أن أمر الانتقال لازال في طور المناقشات الأولية، وتم الاتفاق عليه من جميع القنوات السوانية حتى الآن في الشكل الكلي، وهنالك تفاصيل وعقود تقتضي استكمال فترتها مع القلف سات، وستظل القنوات السودانية موجودة إلى حين إكمال المسألة بشكل كلي. والإعلان عنه في مدة زمنية لا تقل عن ستة أشهر، موضحاً أن ميزة الانتقال إلى عرب سات ستنهي ضرورة تغيير جهاز الاستقبال مما يضمن لشريحة من الناس حالت ظروفهم الاقتصادية دون شراء جهاز جديد مما حرمها من مشاهدة القنوات السودانية، وبعد الانتقال تستطيع أن تشاهد بشكل ميسر المطلوب فقط تحويل الطبق للتردد الجديد.

بادرة خير

وأبان التوم أن هنالك اتجاه للقنوات السودانية لعمل اتحاد بحيث أنها تستطيع أن تنجز كل أمورها المتعلقة بالقنوات بشكل اتفاق جماعي ولعلها بادرة خير حيث يعد أول مشروع يتم الاتفاق عليه.

مشيراً إلى أن هنالك تصورات رسخت عند بعض الناس أن عرب سات غير مشاهد متخذين في ذلك تجربة قناة النيلين كنموذج، ولكن هذا الأمر غير صحيح، والشاهد في ذلك تجربة محمد عمر الفاروق الذي بث الدوري الممتاز عبر قناة الملاعب من خلال عرب سات وحظي بنسبة مشاهدة عالية، كاشفاً أن الانتقال سيوفر على البلد ملايين الدولارات لأنها ملزمة أن تحول هذه المبالغ بالدولار ويساعد القنوات في اقتصادياتها مؤكداً أن الانتقال إلى عرب سات لم يعد أمراً اختيارياً بل هو ضرورة حتمية حتى تستطيع القنوات أن تستمر وتقدم خدمتها للجمهور.

عرض مغرٍ

فيما يرى الأستاذ عبيد ميرغني مدير قناة الجزيرة الخضراء أن الانتقال الكلي للقنوات السودانية يأخذ اتجاهين، اتجاه يمضي في تطور تقني لابد من مواكبته وصورة جاذبة وتوفير فرص التدريب للكوادر، وهذا مربط الفرس، لاسيما للقنوات الولائية، بحيث تستطيع هذه القنوات أن تقدم مردوداً مقنعاً، مشيراً إلى أن العروض التي قدمتها عرب سات مغرية لكل القنوات.

منصة جماعية

ويعتبر الفريق السر أحمد عمر مدير قناة الشروق اتفاق القنوات السودانية للانتقال إلى عرب سات محمدة تضع القنوات السودانية في الطريق الذي يمكنها من الاستفادة الجماعية في ظل الظروف الاقتصادية المعلومة للجميع، وأيضاً يوفر لها الكثير من الجهد والوقت والمال والاستفادة من الأعمال المشتركة في النقل المباشر، ويوفر منصة انطلاق موحدة، فضلاً من الاستفادة من التقنيات العالية وفرص التدريب، مضيفاً أن السودان شريك في عرب سات وعضو مجلس إدارة.

نبذة عن عرب سات

عرب سات كقمر في عام 1976م من الدول الأعضاء في جامعة الدول العربية والبالغ عددها آنذاك21 دولة، لتظل عرب سات تعمل على تلبية احتياجات العالم العربي لفترة تزيد على 40 عاماً من مقرها الرئيسي في الرياض بالمملكة العربية السعودية ومحطتين أرضيتين للتحكم بالأقمار بالرياض وتونس.

تعتبر عرب سات واحدة من الشركات الرائدة في تشغيل الأقمار الصناعية في العالم، وهي الرائدة كذلك في تقديم خدمات الأقمار الصناعية في العالم العربي، حيث أنها تحمل ما يزيد على 500 قناة تليفزيونية و 200 محطة إذاعية وشبكات التلفزيون المدفوع ومجموعة واسعة من قنوات عالية الوضوح، تصل إلى الملايين في المنازل في أكثر من 100 دولة في الشرق الأوسط وأفريقيا وأروبا ووسط آسيا، ويتابعها ما يزيد على 170 مليون مشاهد في 21 دولة عربية،

وتقوم عرب سات بتشغيل أسطول يتمتع بأحدث ما توصلت إليه التقنية على الدرجة 20 شرقاً و 26 شرقاً و30.5 شرقاً و39 شرقاً و44.5 شرقاً في مدار ثابت حول الأرض، كما تعتبر عرب سات المشغل الوحيد في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الذي يقدم طيفاً كاملاً من الخدمات الإذاعية والتلفزيونية، الاتصالات، وخدمات النطاق العريض.

شراكات إستراتيجية

كما تحافظ (عرب سات) أيضاً على شراكات إستراتيجية مع معظم شركات الأقمار الصناعية الرائدة في العالم، وشركات القيمة المضافة، ومع استحواذ عرب سات على هيلاسات واحدة من المجموعات الرائدة في قطاع الاتصالات الفضائية في جنوب شرق أوروبا. تخول هذه الشراكات وعمليات الاستحواذ عرب سات على الوصول الى حقوق مواقع مدارية وترددات جديدة، ولتغطيات أوسع مما يتيح للعملاء تقديم المحتوى والحلول الفنية للمشاهدين من الأفراد أو شركائهم حول العالم.

صحيفة الصيحة.