تحقيقات وتقارير

سد النهضة.. هل تلجأ مصر وإثيوبيا لخيار الحرب؟

نشرت مجلة فورين أفيرز الأميركية تقريرا مطولا عن إعادة تشكيل منطقة شمال شرق أفريقيا والقرن الأفريقي، تحت وقع ندرة المياه ونفوذ دول الشرق الأوسط.

تناول التقرير بناء سد النهضة، أكبر السدود في أفريقيا، والذي سينتهي العمل فيه العام المقبل، قائلا إنه سيحدث نقلة في الاقتصاد الإثيوبي وثورة في القطاع الزراعي بالسودان، لكنه سيهدد طريقة حياة المصريين، ونسب إلى أحد الدبلوماسيين الغربيين تلخيصه لنتائج بناء السد بأن إثيوبيا ستنتج الكهرباء، وسيقوم السودان بالزراعة وستشرب مصر الماء، مضيفا أن العام المقبل سيشهد أمرين: حلا للخلافات بين إثيوبيا ومصر، أو انهيارا في العلاقات الدبلوماسية بين البلدين.

وانتقل بعد ذلك ليتحدث عن أن قصة السد لا تنفصل عن “اللعبة الكبيرة” التي تتكشف في منطقة القرن وشمال شرق القارة، حيث تتكالب أو تتزاحم، بالمعنى الحرفي للكلمة، كل من تركيا والسعودية والإمارات وقطر و”مصر” للحصول على أكبر نفوذ ممكن لها، بعد أن أعادت اكتشاف تلك المنطقة خلال العقد الأخير، واصفا ذلك بأنه عبور لجيوسياسة الشرق الأوسط البحر الأحمر لتعسكِر وتستقطب القرن الأفريقي.

لا اختراقات
وأورد ما هو معروف من معلومات عن أن مصر وإثيوبيا ورغم زيارة رئيس وزرائها الجديد للقاهرة الشهر الماضي وتطميناته للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والإشارات الإيجابية من الجانب المصري لإثيوبيا بالإفراج عن محتجزين إثيوبيين والاتفاق على خطط للتوصل لرؤية مشتركة حول مياه النيل؛ فإنه لم تتحقق اختراقات أو يتفق البلدان على تفاصيل الفترة الزمنية لملء خزان سد النهضة، وهو أمر مهم لمصر.

لكن التقرير، ورغم ما ذكر، استبعد نشوب حرب مباشرة بين إثيوبيا ومصر لأسباب عديدة؛ أهمها أن التاريخ يقول إن حروب المياه نادرة الحدوث لأن إمدادات المياه عبر الحدود تخلق اعتمادا متبادلا وأن قصف دولة المصب لدولة المنبع -التي يمكنها تحويل مجرى المياه- لا يمكن حتى مجرد التفكير فيه، لكنه لم يستبعد الحروب بالوكالة بينهما.

وقال إن قوى الشرق الأوسط تقوم حاليا بالتقاط العقارات لبناء قواعد عسكرية وبحرية وتستحوذ على الأراضي الزراعية وتطور قوى وكيلة في كل من إثيوبيا والسودان وإريتريا وجيبوتي والصومال للضغط على منافسيها.

احتمالات مفتوحة
هذه المنطقة ستظل مفتوحة أمام الفوضى أو الاستقرار والتعاون والازدهار، كما أن مخاطر العنف المتنامي فيها وعدم الاستقرار في مصر والهجرة الجماعية وتهديد النقاط الرئيسية بالبحر الأحمر كلها تشير إلى أن للولايات المتحدة وأوروبا والمجتمع الدولي مصالح في ضمان أن تكون خيارات اللاعبين بالمنطقة والقادمين من الشرق الأوسط خيارات بناءة وحكيمة.

وأورد التقرير في معرض حديثه عن التنافس المحموم والتغير السريع في التحالفات في المنطقة، ما ذكرته الخبيرة بشؤون شرق أفريقيا أنيت فيبرمن أن هذه المنطقة الهشة أصلا تصير قابلة للاشتعال بشكل متزايد يوما بعد يوم.

تصاعد التدخل
وأشار التقرير إلى حرب اليمن وحصار قطر، اللذين تسببا في تصاعد تدخل التحالف الذي تقوده السعودية بمنطقة القرن الأفريقي منذ 2015، ذاكرا بناء الإمارات قاعدة عسكرية لها في عصب الإريترية والسعودية في جيبوتي، وتركيا في سواكن السودانية وفي الصومال.

وقال إنه في الوقت الذي تعزز فيه دول الشرق الأوسط وجودها بالقرن الأفريقي، فإن الدول الغربية والمنظمات الدولية فشلت في ترك بصماتها في نزاع سد النهضة، مضيفا أن نزاع النيل يجمع بين مكتبي الشرق الأوسط وأفريقيا بوزارتي الخارجية والدفاع (بنتاغون) الأميركيتين، ويتطلب خبرات تقنية في نزاعات المياه عبر الحدود، مثلما يتطلب سياسة تتناول ما هو عسكري وسياسي، والعمل مع الاتحاد الأوروبي والمانحين بالدول الاسكندنافية ومع المنظمات المالية الدولية والحوار مع دول الشرق الأوسط.

المصدر : الجزيرة