جعفر عباس

بهائم تتمتع بحيثية و (شخصية)


تربطني بنيوزيلندا علاقة حميمة، لأنها منحت ابني الذي تلقى تعليمه الجامعي فيها، جواز السفر والجنسية النيوزيلندية، فصرنا نتباهى »يا بختنا مين زيِّنا، هناك خواجة في بيتنا«، بينما أنا عضو مؤسس في مجلس التعاون الخليجي )غطيت كصحفي أول قمة لقادة المجلس في أبوظبي عام 1981، ومازلت مرابطا في المنطقة(، وعملت في السعودية وقطر والإمارات وأعمل بالانتساب إلى صحيفة أخبار الخليج في البحرين منذ أكثر من 16 سنة ومع هذا مازلت من »الوافدين«.
ونحن لا نزال نعيش في أجواء عيد الأضحى استعيد تجربة مهاجر عراقي في نيوزيلندا، أراد العام الماضي أن يحتفل بعيد الأضحى كما يليق بمسلم فأتى بكبش فاخر، ثم استقبل القبلة: الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، وجز عنق الكبش، في مدخل البيت فرآه بعض المارة، وأبلغوا الشرطة وجهاز المخابرات أن هناك إرهابيا اطلق هتافا داعشيا ثلاث مرات، ثم ذبح كبشا بريئا بطريقة بربرية، وأنهم يرجحون ان الإرهابي يتدرب على جز الرؤوس.
أخذت السلطات علما بما حدث فتحركت قوات مكافحة الشغب ومعها كتيبة مدرعات وحاصرت بيت صاحبنا العراقي، وفرضت عليه حظرًا جويا ونفطيا، وطالبته بتسليم السكين التي ذبح بها الخروف باعتبار أنها من أسلحة الدمار الشامل، ثم اقتادوه إلى القيادة العامة للقوات المسلحة النيوزيلندية، وجاءت جماعة الاستخبارات العسكرية، وسألوه عن علاقته بالقاعدة وداعش، ولكنه أثبت لهم أنه مقيم في نيوزيلندا قبل ظهور القاعدة بسنوات وبالتالي فهو بريء من الدعدشة، والحشد الشعبوي.

ورغم أن المحققين كانوا موقنين أنه إرهابي بالميلاد والوراثة إلا أنهم لم يجدوا دليلا على ارتباطه بأي تنظيم إرهابي، فصرفوا النظر عن تسلميه للولايات المتحدة لتستضيفه في فندق غوانتنامو، وهكذا مثل صاحبنا أمام محكمة عسكرية إيجازية حكمت عليه بغرامة قدرها عشرة آلاف دولار بعد إدانته بارتكاب جريمة »بشعة« تمثلت في ذبح خروف بريء من دون تخديره ومن دون الحصول على الموافقة بذبحه من أمه »النعجة«!! وهكذا دفع صاحبنا قيمة أضحيات 75 سنة مقابل كبش واحد، ثم رفع شكوى إلى الأمم المتحدة، ثم أدرك أن الشكوى لغير الله مذلة.

في هولندا والدنمارك ونيوزيلندا وغيرها، لكل بقرة ونعجة ملف فيه شهادة الميلاد وشجرة النسب ووثيقة التأمين والشهادات المدرسية، وإذا ماتت البهيمة فلا بد من الحصول على شهادة وفاة تشرح أسباب موتها وطريقة توزيع الميراث من روث وتبن على ذريتها، ولا بد من تسجيل أي عملية بيع للمواشي كي تكون السلطات على علم بالمكان الذي انتقلت إليه البهيمة المباعة، وفي العالم العربي تحتجز السلطات آدميا لجرم عادي أو كبير، فيظل أهله ينتقلون من سجن إلى مخفر بحثا عنه من دون أن يعثروا على ورقة تشير إلى مكان احتجازه، وقد تقول السلطات إنه ليس محتجزا لديها، وتكون صادقة جزئيا في ذلك، لأن سجلاتها لا تفيد بوجود اسمه في المخافر، إما لأن مثل تلك السجلات »زي قلِّتها«، أو لأن من قام بالاحتجاز فات عليه تدوين اسم المحتجز، أو لأن المحتجز لا يملك أوراقا ثبوتية.

وقد سبق لي أن سردت حكاية السوداني الذي كان يقيم في لندن واستدرج الحمام ليعشش ويفرخ ويبيض في شرفة بيته فضمن لنفسه وجبات شهية من فراخ الحمام التي كان يذبحها ويتخلص من فضلاتها داخل دورة المياه، وكان جيرانه البريطانيون يحبونه لأنهم حسبوا أنه يحب الحمام »لله في لله« ولو علموا بأمره لذبحوه في الشارع ونثروا لحمه للحمام!
ولم يتألم العراقي -النيوزيلندي من ضخامة الغرامة قدر تألُّمِه من ان الانسان في وطنه الأم أقل شأنا من بهائم نيوزيلندا، وتذكر أنه لجأ إلى نيوزيلندا هربا من الذبح على قارعة الطريق، وحمد الله لأنه بعيد عن مرمى نيران الجيش العراقي الباسل الذي يستخدم ذخائر مصابة بالحَوَل، وكلما وجهوها صوب عناصر داعش دشدشت رؤوس مواطنين أبرياء يفترض أنه )الجيش( يقاتل ليوفر لهم الحماية.

زاوية غائمة
جعفـر عبـاس


تعليق واحد

  1. مثل هذه المواضيع يمكن التوقف والامعان فيها لأنها تحمل رسائل مفيدة تعكس واقع حال نظرة الغرب للمسلمين بصفة عامة وللعرب بصفة خاصة، أما مواضيع الكاتب التي تتطرق لحياته في لندن وبعض العواصم العربية التي في الغالب تتطرف للكماليات والرفاهية يستحسن ان تكون موجهة للخارج وليس للسودان لأن فيها نوع من الاستفزاز لواقع حال السودانيين خاصة في هذه الايام