تحقيقات وتقارير

ضحايا الدجَّالين الأفارقة.. بُسطاء يقعون في المَصيدة!!

(أماني)، سيدة في الثلاثينيات من عُمرها، وجدتْ نفسها “ضحية” لشيخٍ مُحتالٍ مارس معها كل “فنون” الدجل والشعوذة، وعندما وصلت إلى طريقٍ مسدودٍ لم يكن أمامها سوى طرق أبواب الجهات الشُرطية، وبحسب تفاصيل البلاغ الأولية، فإنَّ الشاكية قد احتال عليها شخصٌ وأخذ منها مبلغ (200) ألف جنيه كأمانة ولم يردها لها، فاتّجهت للشيخ المُتّهم في البلاغ حتى يتمكّن من إعادة المبلغ لها من الشخص المُحتال، وقالت الشاكية “أماني” للمحكمة إنّها ظلت تُسلِّم الشيخ مبلغ (500) جنيه يومياً، إضافةً لتسليمه عدداً من الخراف، وبعد أن عجز في استعادة المبلغ؛ طالبته باسترداد الأموال التي أخذها منها لكنه رفض، فاتَّجهت إلى تدوين بلاغ في مُواجهته بقسم الشرطة وأُلقي القبض عليه وأُودع بالحراسة؛ ومن ثَمّ انتقل الملف إلى محكمة جنايات بحري وسط التي وجَّهت تُهمة الاحتيال ومُمارسة الدجل والشعوذة للمُتّهم.

(لُبان ضَكَر)

يقول “صلاح” وهو رجُل ميسور الحال لـ (السوداني): إنَّ (طمع) الدنيا جعلني أقعُ فريسة لدجَّال (سنغالي) الجنسية، قضى زمناً طويلاً بالسودان مكَّنه من اتقان اللغة العربية بطلاقة، وحتى أأمنُ مكر الرجل أحضرته في منزلٍ يخُصَّني ولا يوجد به أحدٌ، حيث مكث ثلاثة عشر يوماً، ولأنَّ الغرفة التي نزل بها كانت خضراء اللون فأوَّل ما طلبه هو أن نأتي إليه بـ(ستائر) ناصعة البياض، وكذلك طلب مني قُرابة العشرة أنواع من العطور غريبة الأسماء، قال إنّها تُوجد في العطارات، وبالفعل وجدتُ بعضها لكن بعضها لم أجده مُطلقاً مثل (اللبان الضكر)؛ فأرشدني الدجَّال بأن أذهبُ إلى رجل شهير جداً يعمل في ذات المجال، فذهبت اليه، غير أنّني لم أجد غرضي عنده ونصحني بألا أرهق نفسي للبحث عنه، إلا خارج السودان وتحديداً في اليمن أو السعودية. ومضى صلاح بقوله إنّ من ضمن ما طَلبَ منه الدجال إحضار “زئبق أحمر” وقد وجدته بعد جُهدٍ جَهيدٍ عند الرجل الشّهير المُشار إليه آنفاً، لكنه قال إنَّ سعر الكيلو (3) ملايين دولار، فقلتُ له لو كُنتُ أملك هذا المبلغ فلن أضيِّع وقتي في هذا الطريق الشائك.. واختتم الضحية بأنّ المُحتال قد أخذ منه مبلغاً يُعادل (20) دولاراً ولم يصل معه إلى أيّة نتيجة، ولم يطرق أبواب الشرطة حتى لا ينطبق عليه المثل القائل: (ميتة وخراب ديار).

انتربول

ويقول الخبير الشُّرطي الفريق صلاح الشيخ لـ (السوداني): إن قضايا الدجالين والمشعوذين الذين انتشروا بالسودان تعود إلى أُناسٍ قدموا إلينا من دول غرب أفريقيا، علماً بأنّ الكثيرين منهم لم يدخلوا عبر الطرق القانونية، مُشيراً إلى أنّهم يستخدمون مواداً مؤثِّرة على السمع والنظر ما يجعل ضحاياهم يقعون في الفخ مهما عَلاَ شأنهم في التعليم والثقافة والمسؤولية، لأنَّ المُحتال هُنا يُحطِّم التفكير السليم للضحية قبل أن يفعل به الأفاعيل، وذلك باستخدامه لبخور وطلسانات وغيرهما من (التمويهات) التي تُمكِّن من اصطياد الضحية.. مُؤكِّداً أنّ قضايا الدجل والشعوذة التي يُمارسها الأفارقة بالسودان لا تُحصى ولا تُعد وأنَّ ما يصل منها إلى مضابط الشرطة قليلٌ جداً، فيما يتوارى الكثيرون خجلاً وهُم يكظمون غيظهم.. وقال إنَّ الشُرطة بها كفاءات تستطيع فك طلاسم هذه الجرائم بأسرع ما تيسَّر في حال ورود البلاغات إليها.. مُستدركاً، بأن ثمَّة صعوبات تُواجه الشرطة تتمثَّلُ في تأخُّر البلاغات ما يجعل المُحتالين يلوذون بالفرار إلى بلدانهم، وهُنا تكمُن المُشكلة، لأنَّ دول غرب أفريقيا لا تتعاون في قضايا الجرائم العابرة ولا شأن لها بالانتربول.

قانون جنائي

ويرى المحامي المعز حضرة، أنّ القانون الجنائي السوداني للعام 1991 وقانون النظام العام بولاية الخرطوم، كافيان للتّعامل مع قضايا الدجل والشعوذة، “فرغم تفاقم الظاهرة فليست هناك ضرورة لإجراء تعديلات على القانون أو سَن مواد جديدة”.
ويقول حضرة لـ (السوداني)، إنّ العُقُوبات الواردة في القانونين هي عُقُوبات رَادعة، تشمل السجن ما بين (5 – 10) سنوات والغرامة، ومُصادرة الأموال والمُمتلكات المُرتبطة بالدجل والشعوذة.
ودعا حضرة لمُحاصرة الوجود الأجنبي في السودان خَاصّةً وجود بعض المجموعات من دول أفريقية، استغلت قيم الشعب السوداني في تعامله المُحترم مع الضيوف فتورّطت في قضايا احتيالٍ كبيرةٍ ساعدت في انتشار الظاهرة وظواهر أُخرى مثل جرائم التزوير والمُخدّرات.
ويضيف معزة حضرة، أنّ ظاهرة الدجل مُرتبطة إلى درجة كبيرة بالمناخ الاقتصادي والسياسي الذي يُفرخ مثل هذه الظواهر، مُشيراً الى أنّ مناخ السودان الحالي والتغييرات الاقتصادية تُعتبر من العوامل التي تدفع الكثيرين للتفكير في تغيير واقعهم السِّياسي والاقتصادي بكل الطرق، حتى ولو بتوهم غيبات وقُدرات خارقة يمتلكها بعض البشر، فيعتقدون بإمكانية مُساعدتهم.

رأيٌ من الدين

ولمعرفة رأي الدين في جرائم الاحتيال عبر الدجل والشعوذة تحدَّثت (السوداني) لفضيلة الشيخ محمد أحمد حسن، فقال: إنَّ قضايا الدجل والشعوذة تنحصر في أربع شخصيات هُم: العرَّاف، الكاهن، الساحر والمُنجِّم. مُؤكِّداً أنَّ الدين الإسلامي منع الذهاب إليهم جميعاً بنص الأحاديث النبوية الشريفة فالرسول صلى الله عليه وسلم قال من أتى عرافًا أو كاهنًا فصدقه فقد كفر بما أنزل على محمد.. أما بالنسبة للذين يذهبون إلى الساحر من أجل ضرر الغير فالنبي (صلى الله عليه وسلم) يقول من ضار مسلماً ضاره الله، ومن شاق مسلماً شاق اللهُ عليه.. وأشار شيخ حسن إلى خُطُورة الذهاب إلى هؤلاء الدجالين والمشعوذين.. منوِّهاً إلى أنّه بسبب (نعيم دنيا) يذهب المُسلم لعرَّافٍ فيسأله عن شيءٍ فتكون النتيجة أنّ ربَّ العزة لا يقبل له صلاة أربعين ليلة.

الخرطوم: ياسر الكُردي
صحيفة السوداني.

تعليق واحد

  1. من المعلوم أن السحر من السبع الموبقات أي المهلكات وقد ورد ذكره في الحديث قبل قتل النفس وأكل الربا ، فكيف يكون 5 أو 10 سنوات سجن وقفاً للقانون الجنائي عقوبة رادعة ؟!! وإذا لم يجد الساحر أن العقوبات في السودان خفيفة لما جاء وإستقر وتتزوج وسكن في الفلل والشقق الفاخرة ، هناك فرق بين قيم الشعب السوداني والسذاجة والإنبطاح ، نعيب دول غرب أفريقيا و العيب فينا .