تحقيقات وتقارير

بعضها يمثل عبئاً على ميزانية ولايتها المحليات… رسائل (التقليص) والتقصير


“لابد من تقليص المحليات”، هكذا تؤكد الحكومة والتي وللمفارقة هي ذاتها التي صادقت على إنشاء 189 محلية بالولايات الثماني عشرة بعد أن كان عدد المحافظات في أقاليم البلاد الستة قبل انقلاب الإنقاذ في العام 1989 تبلغ ثلاثين فقط، والتناسل الذي حدث في المحافظات عقب اعتماد الفيدرالية نظاماً للحكم في العام 1994 ثم تحويلها إلى محليات في العقد الأول من هذه الألفية، يرى كثير من المراقبين أن سببه يعود إلى انتهاج الحكم لمبدأ الترضيات والمحاصصات، ورغم رفضها الإصغاء إلى الأصوات الرافضة لمسلكها هذا، إلا أنها مضت في منح المزيد من المناطق صفة المحلية، لتعود أخيراً وتعترف بصحة وجهة نظر منتقدي التوسع في المحليات لأنه جاء خصماً على الموارد وتؤكد اتجاهها لخفض المحليات بعد أسبوعين.

أساس قبلي وشكاوى

كان والي كسلا آدم جماع شفافاً حينما تحدث في العام 2016م، عن ضرورة تقليص محليات ولايته التي تبلغ إحدى عشرة محلية، حيث رأى وقتها أن أكثر من ست محليات بلا موارد، تمثل عبئاً على ميزانية الولاية على صعيد الصرف الإداري، وذات الرأي جهر به والي جنوب دارفور آدم الفكي الذي أكد أن 21 محلية تعتبر رقماً كبيراً بولايته، ويجب أن يتم خفضه.

في حديثه لـ(الصيحة)، يقول وزير ديوان الحكم الاتحادي الأسبق بروفسير الأمين دفع الله، إن الأهداف التي وقفت وراء إنشاء عدد كبير من المحليات يعود إلى تقصير الظل الإداري وتسهيل إيصال الخدمة إلى المواطن، الذي بات شريكاً في اتخاذ القرار بتواصله مع الجهات المسؤولة عن إدارة شؤونه بداعي قربها الجغرافي والمعنوي منه، ولكن الأمين دفع الله يعترف أنه وبمرور الزمن حدث ترهل بزيادة عدد المحليات وأعداد الدستوريين، وهذا الأمر أحدث ربكة، ويعيد الربكة إلى أن إنشاءها كان طابعه سياسياً، وقد حدث انتقال غير متدرج ولم يحدث تقييم في ذلك الوقت للتجربة، فكان أن تحولت المحافظات إلى محليات، وارتفع عدد الأخيرة فأسهم في إضعاف التجربة وعدم تحقيق مقاصدها الكاملة.

انتقادات

المطالبة بخفض المحليات جاءت في مؤتمر تقييم الحكم الاتحادي، وعلى ذات الطريق مضى أكثر من مسؤول حكومي رفيع، منهم مساعد رئيس الجمهورية الدكتور فيصل حسن إبراهيم الذي شغل من قبل منصب وزير الحكم الاتحادي، حيث أطلق انتقادات شديدة اللهجة للحكم المحلي بوجود فراغ دستوريّ في البنية التشريعية على مستوى الحكم المحلي، مؤكداً أن 189 محلية بالولايات تفتقر للأسس التشريعية المنتخبة.

وجاءت مداخلة شورى المؤتمر الوطني توافقاً من قبل أعضاء اللجنة السياسية الذين طالبوا بضرورة تقليص عدد المحليات والوزارات الولائية والاستغناء عن مناصب وزراء الدولة ودمج الوزارات الاتحادية باستثناء الوزارات السيادية، وتحولت تلك المداولات لتوصية دفعت بها اللجنة لختام مؤتمر الشورى، وجرى تكتم عليها وتم إعلانها ضمن توصيات البيان الختامي.

ضرورة

ويعود البروفيسور الأمين دفع الله ويضيف: ظروف محددة هي التي فرضت إنشاء الكثير من المحليات منها خصوصية بعض الولايات، ولكن معايير الإنشاء معروفة منها الكثافة السكانية التي تم تحديد رقمها إضافة إلى التجانس القبلي أو المجتمعي، عطفاً على توفر الموارد اللازمة والمساحة، وإذا تمت مراجعة هذه المعايير سيتم تقليص الكثير من المحليات التي يجب مراجعتها، والدولة وفي إطار مراجعتها وجدت تضخماً في الصرف وضعفاً في الخدمة، وكان طبيعياً أن توقف إنشاء المزيد من المحليات، ولكن بعد ذلك تم تحويل أمر تصديق المحليات إلى الولايات، وباتت من صميم مهامها، ورغم ذلك فقد توقفت التصديقات بإنشائها، ويرى أن التقييم في حد ذاته يعتبر أمراً إيجابياً، ورغم أنه تأخر بعض الشيء، إلا أنه جاء شاملاً ودقيقًا بمشاركة علماء وأصحاب تجارب مختصين، وقد أوضح الإيجابيات والسلبيات، ولكن أعتقد أن أهم الملاحظات الجديرة بالاهتمام، الإشارة إلى الحكم المحلي الذي أعتبره من أهم الحلقات التي لعب عدم الاهتمام بها سبباً مباشراً في حدوث إخفاقات في التجربة، فهو يعتبر المرتكز الأساسي.

قنبلة موقوتة

قد تبدو نوايا الحكومة صادقة في تقليل المحليات استناداً على عدد من الدوافع، ولكن بحسب مراقبين، فإن هذا الأمر لن يتم بسهولة لجهة أن معظم المحليات تم إنشاؤها على إساس قبلي، حتى باتت لدى عدد من القبائل مكسباً لا يمكن التنازل عنه، ويرون أن هذا يعني ضرورة قيام الدولة بخطوات استباقية تهدف إلى إقناع مواطني المحليات التي يتوقع إلغاؤها.

الخرطوم: صديق رمضان – الصيحة


تعليق واحد

  1. تجربة المحليات اججت الصراعات في المجتمعات الحضرية والريفية بفتحها بابا للعطالى والنرجسيين ليتقمصوا شخصيات رجال دولة وخدمة مدنية زايفة ، اتضح انها مطية للاهواء ووسيلة لاستغلال المال العام لتحقبق رفاهية شخصية وامجاد في غفلة من الزمان ،
    فترك المعلم مهنته ولبس البدلة والكرافتة ةتدثر بدثار السلطة والحصانة ، وترك الطبيب والمهندس والمزارع والراعي مهنهم ويمموا صوب المكاتب الانيقة والسيارات الفارهة والمخصصات بدل المرتبات ، كل يحيك مؤامرة ضد الاخر ليوقع به ليحل محله ،
    اصرفوهم ليذهبوا ويتعلموا سبل كسب العبش كباقي خلق الله الشرفاء ،