تحقيقات وتقارير

القرارات الرئاسية.. كيف يراها الشارع؟ اقتصاديون: قرار الرئيس خطوة مطمئنة لمعالجة الإحباط والضيق


اتخذ رئيس الجمهورية أولى الخطوات المهمة في خفض الإنفاق الحكومي في إطار معالجة الأزمة الاقتصادية التي ضربت البلاد، وأثرت بشكل غير مسبوق على المواطن في معاشه اليومي . ويتفق جميع الاقتصاديين والمواطنين على أن السودان دولة غنية بالموارد، لكنها منهوبة بوسائل شتى أهمها الزحف نحو السلطة لتحقيق مكاسب مادية مشروعة بقوانين السياسة لكنها غير مشروعة بقانون العدالة الاجتماعية. ولذلك جاء قرار الرئيس البشير مطمئناً وخطوة تصحيحية لمعالجة الإحباط والضيق الذي أصاب الشعب في معيشته.

ويرى كثيرون أن القرارات يمكنها أن تعيد توازن الأوضاع والثقة وتقلل من الفجوة الكبيرة بين شرائح المجتمع لتحقيق نوع من العدالة الاجتماعية.

ويرى خبراء اقتصاديون أن الحل يكمن في خفض الإنفاق العام والتعديل في السياسات التي اتخذت باعتبار أن السياسات حزمة متكاملة حتى لا تتكرر المشاكل ويحدث تضخم. وأكدوا أن هنالك إجراءات اتخذتها الدولة لتخفيض الإنفاق في الآونة الأخيرة كانت أقل من المطلوب، قائلين إن حوالي 70% من الطلب عليه يأتي من القطاع العام، لذا فالمطلوب خفض الصرف الجاري في الدولة “قومية وولائية”.

قرارات جيدة:

“قرارات جيدة وشجاعة تشفي ولا تكفي”، هذا ما أكده عضو المجلس الوطني والخبير الاقتصادي بابكر محمد التوم لـ(الصيحة)، وقال إنها قرارات جيدة جاءت بالوقت المناسب وفيها إزالة للترهل الكحومي الكبير بالجهاز التنفيذي، داعياً إلى أن تشمل الأجهزة التشريعية القومية والولائية، مؤكداً أنها تعمل على تخفيض الصرف الحكومي وتوجيهه نحو الخدمات الأساسية التي يحتاجها المواطن، فضلاً عن مساهمتها في معالجة المشكلات الحالية.

وقال: كنا نتوقع أن يكون التقليص الى أدنى مستوى من الذي أعلن، فثلاثة وزراء بالولايات كافٍ جداً بجانب عدم وجود حاجة لوزراء الدولة البالغ عددهم 15 وزيراً ما عدا وزارات معينة، داعياً إلى تقليص الولايات وليس المحليات، جازماً بأن هنالك ولايات قامت ولا تمتلك مقومات اقتصادية، وإنما وجدت لترضيات سياسية وجهوية. مؤكداً أن الصرف أكثر في الولايات وليس المحليات، مشدداً على ضرورة أن تكون الحكومة الجديدة بأجهزة رشيقة وخبرات فنية، وليست سياسية، لجهة أن السياسيين الموجودين بالوزارات المختلفة أداؤهم السياسي غير مرضٍ، ونادى بأن يكون القطاع الاقتصادي والخدمي من ذوي الخبرات الفنية وذات كفاءات وعدم العودة لتجربة المحاصصة والتصارع الحزبي وغيره في تكوين الحكومة.

خطوة مباركة

الخبير الاقتصادي عبد الله الرمادي، رهن إحكام الإنفاق الحكومي بتخفيض الجهاز الحكومي المترهل، وقال إن تقليص الوزارات والمحليات خطوة مباركة في الاتجاه الصحيح، مشدداً على ضرورة أن تتبعها خطوات مهمة وأن يشمل التقليص المجالس التشريعية، وليس مجلس الوزراء فقط، وأضاف لـ(الصيحة) أن إجمالي المجالس التشريعية بالولايات بلغ 19 مجلساً غير المركزي. وزاد: “لسنا بحاجة إليها”، مؤكدًا أن الولايات تحتاج إلى مجالس بلدية مكونة من 20 عضواً لكل مجلس، مطالبا بأن تستأصل العملية الجراحية كل النمو السرطاني في جسم الاقتصاد وتنظيفه، داعياً إلى سد منافذ التهريب لسلعة الصمغ العربي والذهب والسلع الاستهلاكية، مبيناً أن فاقد السودان من الذهب المهرب يبلغ 7 مليارات دولار، منادياً بوقف استيراد السيارات، وقال إن المتوفر في المعارض يسد حاجة البلاد لأربع سنوات قادمة، بغرض تخفيف الضغط على النقد الأجنبي لتوجيهه نحو الإنتاج والإنتاجية وتحريك القطاعات الكامنة، جازماً بأن 80% من القطاع الصناعي متعطل، داعياً إلى عدم تعيين الوزراء الجدد بالمحاصصة والجهوية ومنعدمي الكفاءة والمعرفة لتقرر في شأن البلاد مما يرجع البلاد الى المربع الأول، وتابع: يجب وضع الرجل المناسب بالمكان المناسب خاصة في القطاع الاقتصادي الذي به أنصاف المعرفة الاقتصادية خاصة في وزارة المالية وبنك السودان المركزي الذين أوردونا المورد المهلك ـ على حد قوله ـ في بلد تمتلك موارد قارة بأكملها، مشدداً على ضرورة مراجعة السياسات وإزالة التشوهات الموجودة والضرب على أيدي الفساد والمفسدين وتصحيح الأوضاع الشائهة، فضلاً عن تصحيح المفاهيم المتمثلة في المثل السائد”إذا خرب بيت أبوك شيل منو شلية”، مطالبا بتشديد الرقابة مثلما حدث في أزمة الخبز التي قضت على تلاعب بعض أصحاب المخابز، وأدت إلى تخفيض الاستهلاك اليومي للدقيق بالولاية من 50 ألف جوال إلى 35 ألف جوال.

تأخرت كثيراً:

فيما قال الأستاذ المشارك بجامعة المغتربين والخبير الاقتصادي دكتور محمد الناير إن القرارات التي اتخذتها الحكومة مؤخراً قرارات مهمة جداً، وكان يجب أن تتخذ في وقت مبكر، مشيراً إلى أن الخبراء الاقتصاديين دعوا الدولة منذ تكوين حكومة الوفاق الوطني بأن تكون حكومة رشيقة وكفاءات، واعتبر تقليص عدد الوزارات الاتحادية بالخطوة المتقدمة جداً أي ما يقارب 34% من تخفيض الوزارات وهو تخفيض مقدر، مؤكدًا تأثيره الإيجابي على حجم الإنفاق الحكومي بصورة كبيرة خاصة عقب تخفيض عدد وزراء الدولة بصورة كبيرة، مطالباً بعدم الوقوف عند تخفيض المحليات التي بلغت 189 محلية بل يجب أن يمتد إلى إلغاء دور المعتمد وأن يتولى المديرون التنفيذيون مهامهم وتسيير أمور المحلية كما كان في الماضي، وقلل من تخفيض عدد الوزارء الولائيين إلى خمسة عدا ولاية الخرطوم بيد أنها خطوة معقولة، واعتبر إلغاء جميع الوظائف التي لا أهمية لها وبدون مهام أساسية مثل معتمدية الرئاسة بالخطوة المتميزة وتسهم في خفض الإنفاق بصورة كبيرة، وقال: صحيح أن البعض ينظر إلى أن هذه المبالغ غير كبيرة لكنها مقدرة وتسهم بصورة كبيرة لجهة أن عدد الذين سوف يتم تقليصهم على مستوى المركز والولايات والمحليات وقيمة السيارات التي تستغل ينتج عنها مبلغ كبير جداً، يمكن أن يتم بيع جميع العربات التي سيتم تخفيض عدد الوظائف الدستورية فيها وعائدها يأتي للخزينة العامة وتوفير الصرف على الوقود والصيانة إضافة الى المجموعة التي تعمل مع الوزير، مبيناً أن الرسالة الأهم أن الحكومة ظلت طيلة الفترات الماضية تتخذ إجراءات تلقي بالعبء الكبير على المواطن فيما يُعرف برفع الدعم وغيرها من القرارات، وأضاف: لأول مرة تتخذ الحكومة قرارات ترشد نفسها وتقلل إنفاقها طوعًا واختياراً بصورة كبيرة جداً.

مستوى معيشي جيد

وحذر الناير أن تكون الخطوة مقدمة لإجراءات أخرى فيما يعرف بالحديث عن رفع الدعم، فالمناخ غير مناسب لمثل هذا الحديث لجهة أن المواطن دفع الفاتورة مسبقاً عبر رفع الدعم عدة مرات، ولم يأت بالنتائج الإيجابية، وكانت الدولة حينها تتحدث عن خفض الإنفاق الحكومي ولا يحدث ذلك، داعيًا الدولة بأن تكون مدركة أن هذه الحكومة بهذه الخطوات جيدة، وفصل المنصبين مجلس الوزراء والنائب الأول، داعياً إلى أن تستثمر الحكومة الجديدة في المناخ الجيد بإعادة ضخ نفط الجنوب وإعادة العلاقات الصينية التي تحسنت جيداً عقب القمة الصينية الأفريقية فضلاً عن العلاقات الروسية والتركية المتميزة مع السودان، داعياً الحكومة الجديدة للعمل على اغتنام الفرص واستثمارها، وأضاف أن كثيراً من جداً من الاتفاقيات والمعاهدات وزيارات رؤساء لا تتم متابعتها بصورة كبيرة، جازماً بأن الحكومة الجديدة لديها فرصة كبيرة أن تخلق مستوي معيشياً للمواطن جيداً خاصة مع اقتراب موعد الانتخابات.

وقال الناير إن الحلول على المدى البعيد تتمثل في زيادة الإنتاج الذي يخلق استقرارًا مستداماً، بجانب زيادة حجم الصادرات وتقليل حجم الواردات لتقليص عجز الميزان التجاري بصورة كبيرة، لافتاً الى أن تحقيق ذلك يحتاج إلى عامين أو ثلاثة خاصة بعد موسم خريفي مبشر بالرغم من العقبات التي اعترضته من نقص الجازولين بسبب سوء الإدارة والتخطيط ونقص في السيولة للقطاع الزراعي، جميعها أوجه قصور، مشدداً على معالجتها وتداركها في المرحلة القادمة.

وأوضح أن جميع هذه العوامل تتطلب من الحكومة القادمة أن تعمل عبر قدرات وكفاءات عالية حتى تستطيع أن توظف جميعها لمصلحة المواطن.

وأضاف: ننتظر إعادة النظر في جميع السياسات الاقتصادية خاصة التي توجد في العام الحالي التي قفزت بالدولار الجمركي لمعدلات كبيرة من 6.90 جنيه إلى 18 جنيهاً الذي انعكس على أسعار السلع والخدمات التي تزايدت بصورة كبيرة، إضافة الى ارتفاع معدل التضخم إلى 65% وعدم استقرار سعر الصرف، جازماً بوجود فرص كبيرة للحكومة الجديدة بأن تخلق فرصة للاستقرار الاقتصادي وفقاً للسياسات التي ذكرت وأن تكون الحكومة أمينة وقوية لمكافحة الفساد بصورة أساسية وأن تعمل على مصالحة جميع من يمكن أن يفيد البلاد مثل العاملين بالخارج ومنحهم حوافز تشجيعية.

معالجة لوضع مختل

ويقول المحلل الاقتصادي، دكتور هيثم فتحي أن الحكومات تقوم بنوعين من أنواع الإنفاق الحكومي من أجل تلبية حاجات المستهلك والمجتمع ككل في المديين القصير والطويل، الأول هو الإنفاق الرأسمالي في القطاعات الأساسية مثل البنية التحتية والتعليم والرعاية الصحية والإسكان والمواصلات والاتصالات، والثاني هو الإنفاق الجاري المتمثل في الأجور والرواتب والمعاشات والمكافآت وبرامج الضمان الاجتماعي والدعم الحكومي بأنواعه للمواد الاستهلاكية.

وقال إن هذه القرارات استندت لمرجعيات محددة في مقدمتها الخطة الثالثة (2017 – 2020) والبرنامج الخماسي للاستقرار الاقتصادي (2015 – 2019) وقرارات وتوجيهات برنامج إصلاح أجهزة الدولة ومخرجات الحوار الوطني وتوصيات مؤتمر تقييم وتقويم الحكم اللامركزي.

تعديلات

ليس سرًا أن وصفات الإصلاح التي جهر بها العديد من المختصين وخبراء الاقتصاد، لم تخل من جزئية تقليص الحكومة وتقليل الصرف الدستوري على جيوش الوزراء والمعتمدين وشاغلي المناصب الدستورية، وهي اعتمادات مرهقة مالياً لخزينة الدولة، وتتوزع بما بين نثريات الحركة والاجتماعات.

منذ مطلع العام الحالي كثرت التكهنات والدعوات لإجراء تعديل أو تغيير على حكومة الوفاق الوطني، وسرت تسريبات عديدة بهذا الخصوص، لكنها في نهاية المطاف لم تسفر عن شيء، حتى كاد الشارع العام والمواطن أن يفقد الثقة في جدية الحكومة حول الأمر، وترافق ذلك مع أزمات طاحنة في معاش الناس والوقود والسبل المواصلات وارتفاع الأسعار.

خطوة كبيرة

ووصف المحلل الاقتصادي، الدكتور محمد الناير تقليص الوزارات بأنه “خطوة كبيرة جداً” في اتجاه تقليل الإنفاق الحكومي، وتوقع أن يأتي التخفيض بفوائد اقتصادية عديدة، لافتاً إلى أن شمول التخفيض حكومات الولايات لـ “5” وزراء فقط يعتبر مناسباً قبل أن يستدرك أن “5” وزارات نفسها عدد كبير، مشيراً إلى أن هيكلة الوزارات سيؤدي لتوفير عوائد مالية ضخمة كانت تخصص كمنصرفات للوزراء ومكاتبهم والسكرتيرين والحرس والسيارات، وغير ذلك من بنود، وأوضح أن الفوائد تمتد لتوفير المركبات الحكومية وتقليل الصرف الدوري عليها في جوانب الوقود والصيانة، وقطع بأن التخلص من كل تلك المطلوبات يؤدي مباشرة لتحقيق هدف “خفض الإنفاق الحكومي” وتحسين الأداء العام، وقال إن هذه هي المرة الأولي التي ترشد فيها الحكومة نفسها وتقلل من إنفاقها، وتابع: الاستمرار في هذه الخطوات الإصلاحية سيكون أفضل للحكومة وللمواطن، ودعا طاقم الحكومة الجديدة التي ستعين لأن تدرك بأنها ستكون مرجواً منها دور كبير في تحسين مستوى معيشة المواطن وزيادة الدور الإنتاجي.

وقال: من الأفضل للحكومة أن تترشح للانتخابات المقبلة وهي تعمل لصالح المواطن عوضاً عما حدث خلال الفترة السابقة من أزمات بسبب سوء الإدارة وسوء التخطيط، ودعاها لأن تعالج مشكلات ارتفاع سعر الصرف لمستويات كبيرة وخفض معدل التضخم الذي وصل إلى “65%”.

ترحيب وتفاؤل

وفي الشارع العام، ووسائل التواصل الاجتماعي، كانت رد الفعل على خطوة التقليص الوزاري مرحبة مع قدر كبير من التفاؤل عقب شهور من الإحباط والمعاناة من التقصير الحكومي في مجالات متعددة، نحن هنا في غنى عن حصرها لكونها معلومة بالضرورة للكافة.

ويرى المواطن أمير يوسف، أن التغيير الوزاري سينعكس إيجاباً على المواطن، وأرجع ذلك إلى خفض الصرف الحكومي على الجهاز التنفيذي المترهل، وقال لـ “الصيحة” أمس، إن الخطوة ستمكن من توفير موازنة الصرف على الدستوريين وطواقم العمل التي ترافقهم في مؤسساتهم، وأشار إلى أن “21” وزارة تعد منطقية ووصفها بـ “النسبة المقدرة”، وتوقع أن تسهم بصورة واضحة في خفض معدل الصرف الحكومي، مشترطاً توظيف تلك الفوائد على معاش المواطن بشكل مباشر وتحسين الخدمات.

واستحسن المواطن عيسى عبد الله قيام الحكومة تخفيض إنفاقها العام الأمر الذي يؤكد جديتها في الإصلاح الاقتصادي، ويقول: لابد من أن ينعكس ذلك على “قفة الملاح”.

ويرى أن المواطن سئم من القرارات السابقة، وازداد الحال سوءاً وركن المواطن جانباً، واستسلم للواقع ما أدى إلى هروب كثير من الكفاءات من الوطن إلى دول أقل موارد من السودان، كما هرب كثير من الناس بأموالهم إلى الخارج لاستثمارها هنالك، وهذا بالتأكيد أفقد البلاد كثيراً .

إشارة للجدية

أما المعلمة هدى بركات فترى أن إجراءات رئاسة الجمهورية بتخفيض إنفاقها والبدء بنفسها إشارة لجديتها، خاصة وأن خطاب الرئيس يؤكد المتابعة الدقيقة خلال المرحلة المقبلة، وترى أن الضائقة المعيشية هي الأمر المهم للمواطن، فإذا توفرت كل السبل المعيشية المهمة، فإن ذلك يعطي المواطن دافعاً كبيراً للبقاء داخل البلاد ويرضى عن نفسه أولاً ومن ثم سوف ينسحب ذلك على الكل.

ولكن الطالبة بجامعة النيلين، إسراء ميسرة ترى أن كل المشاكل الاقتصادية التي ضربت أرجاء السودان كانت بسبب غبن المواطنين الكبير ، وهم يرون بأعينهم الترهل الحكومي الكبير ما أدى إلى تخريب اقتصادي متعمد لموارد البلد، وظهرت آفة التهريب والسوق الموازي، وانتفى التعامل بالضمير، وأصبح الكل يعمل ضد الآخر ولا تهمه مصلحة البلد بشيء إلا أنها تقول الأهم من ذلك هو الإصلاح المعيشي الاقتصادي بجانب توفر الخدمات الأساسية مثل التعليم والصحة والمواصلات، وتهيئة البنية التحتية بالأحياء والطرقات الرئيسية، وقالت: ذلك يكفي تماماً وليس هنالك أحد يطلب أكثر من ذلك، فإذا توفرت سبل المعيشة والراحة للمواطن السوداني، فإنه لا يملك إلا أن يدفع بجهده مع الحكومة إلى الأمام .

الخرطوم: مروة كمال: جمعة عبد الله – الصيحة