تولَّى حقيبة وزارة الإعلام والاتصالات بشارة جمعة أرور.. هل يستطيع إعادة ملفات الإعلام لأصحابها؟
الخرطوم: الطيب محمد خير
شكّل ترشيح بشارة جمعة أرور، الأمين السياسي لحزب العدالة، لتولي حقيبة وزارة الإعلام في تشكيل حكومة رئيس الوزراء معتز موسى التي أدت اليمين الدستورية مؤخراً، مفاجأة للمرة الثانية، وكان تكليفه بحقيبة الثروة الحيوانية مثّل إحدى مفاجآت حكومة الوفاق الوطني الكبيرة، كونه قادماً من حزب صغير، ولم يتوقع معظم المتابعين أن يتولى الرجل حقيبة وزارة الإعلام نظرا للتحديات الجسيمة التي يواجهها منصب وزير الإعلام خلال المرحلة الحالية كونه سيكون ناطقاً رسميا باسم الحكومة في ظل تطور الأحداث التي تشهدها الساحة السياسية والاقتصادية.
وقت عصيب
يقول عضو المجلس الوطني المستقل المنتدب لمجلس الصحافة والمطبوعات د. أحمد صباح الخير إن تكليف بشارة جمعة أرور بحقيبة وزارة الإعلام لم يكن متوقعاً، وصادف وقتاً عصيباً تسعى فيه حكومة المؤتمر الوطني بحرص على تجميل وجهها، ما جعل الجميع يتوقع أن يتولى حقيبة وزارة الإعلام أحد قيادات المؤتمر الوطني خاصة وأن الحكومة مُواجَهة بعمل إعلامي كبير.
ويقول صباح الخير: “لا أعتقد أن بشارة لديه المقدرة المهنية التي تجعله يتولى وزارة مهمة وحساسة في هذا الظرف”.
سيرة ذاتية
تقول السيرة الذاتية لبشارة جمعة أرور، الأمين السياسي لحزب العدالة الأصل إنه من مواليد عام (1966) بمنطقة الكاشا التابعة لمحلية السنوط بولاية غرب كردفان التي درس فيها مراحله الدراسية، وتخرج في جامعة السودان المفتوحة، وحاز على درجة البكالوريوس في التربية قسم اللغة الإنجليزية، وبعدها التحق بالدراسة في معهد سلتي المختص في تعليم اللغة الإنجليزية بالخرطوم وحصل على دبلوم اللغة الإنجليزية.
ويصف العارفون بشارة جمعة أرور بأنه شخصية متطلعة، ويتمتع بقدر عالٍ من الذكاء والجرأة في اقتناص الفرص التي تتاح له في سبيل تحقيق تطلعاته من جهة أنه رجل طموح ويخطط لمستقبله بمرحلية، ويؤكد الذين زاملهم في العمل السياسي بأنه كثير الحديث عن منطقته، ويدعو إلى إقامة تنمية ومشروعات خدمية، ويسعى لإيقاف الحرب وحقن دماء أهله.
بداية الصعود
وكان أول ظهور لبشارة في الساحة السياسية، إبان مرافقته وملازمته للراحل مكي بلايل الذي تجمعه به صلة رحم، بعد خروج بلايل من المؤتمر الوطني وتأسيسه حزب العدالة مع زميليه لام أكول أجاوين وأمين بناني، لكن لم يشغل بشارة أي منصب في التنظيم الوليد، وظل حضوره كسكرتير خاص لبلايل، حتى أغسطس عام (2002)، حيث فارق بلايل زميليه وأسس حزب العدالة الأصل في إطار ترتيبات داخلية وإعادة هيكلة للحزب.
بعد الانشقاق تولى بشارة منصب الأمين السياسي لحزب العدالة الأصل الجديد.
خلو الحزب
وظل بشارة يشغل منصب الأمين السياسي، لكن لم تتح له فرصة للظهور بحكم أن شخصية مكي كانت طاغية عليه، وجاءته الفرصة للظهور والخروج للعلن بعد الرحيل المفاجئ لمؤسس الحزب مكي بلايل في حادثة سقوط طائرة تلودي في عيد الفطر المبارك في الثلث الأخير من عام (2012)، ولما كان بشارة كما يصفه العارفون به بأنه رجل يمتاز بطموح ومتطلع ويتمتع بذكاء خارق في اقتناص الفرص التي تتاح له، فقد جاءته الفرصة بخلو الحزب من شخصية تتمتع بكاريزما تقارب شخصية رئيس الحزب، فعمد بشارة إلى تكثيف نشاطه التنظيمي في الحزب لملء هذا الفراغ مستفيداً من موقعه التنظيمي في الحزب كأمين سياسي يمثل واجهة الحزب في علاقاته مع الأحزاب الأخرى، على الرغم من أن الحزب رفّع نائب رئيسه المهندس ياسر يحيى صالح لمجلس الأحزاب لتولي مهام الرئاسة، إلا أن بشارة استطاع أن يغطي على شخصية ياسر بنشاطه في الساحة وظهوره كما يقول المتابعون لمسيرته “بمكنة رئيس الحزب”، خاصة في الفعاليات التي تجمعه مع ممثلي الأحزاب الأخرى.
الانطلاقة الحقيقية
ويرى المراقبون أن الانطلاقة الحقيقية لبشارة في الساحة السياسية، كانت عندما طرح رئيس الجمهورية نداء الحوار الوطني للقوى السياسية بالجلوس لإيجاد حل لقضايا البلد، سارع بشارة بالانضمام لركب الحوار في قائمة التحالف الوطني للتغيير الذي ضم عدداً من أحزاب المعارضة إلى جانب حزبه، ودخوله قائمة الأحزاب المشاركة جعله أكثر قرباً من المؤتمر الوطني الذي أدرج بشارة ضمن الوفد الحكومي لمفاوضات المنطقتين من الجولة السادسة للمفاوضات بين الحكومة والحركة الشعبية شمال، وهي جولة كانت مباشرة بين الطرفين دون وسيط، وأراد المؤتمر الوطني من مشاركة بشارة في الوفد الحكومي كرمزية لشخصية من حزب آخر ومنتمية لمنطقة جبال النوبة، واستفاد من هذه المنطقة من ناحية اهتمام المؤتمر الوطني بإظهار أبناء المنطقتين في مثل هذه المواقف باعتبار أن هناك شريحة ترفض نهج الحركة الشعبية، وظل بشارة مشاركاً في الوفد الحكومي المفاوض.
نجاح وإخفاق
كثير من توقعات ومخاوف المراقبين والخبراء تنبأت بفشل بشارة في إدارة ملف الثروة الحيوانية، إلا أنه أصاب بعض النجاحات والإخفاقات فيه، في مقدمتها مساعيه لتوطيد العلاقات بين السودان وأمريكا خلال زيارته لها في يونيو الماضي، وإجراء مباحثات حول الاستفادة من التجارب والخبرات الأمريكية في مجال الأدوية البيطرية واللقاحات ومشاريع تطوير وإنتاج الألبان ومشتقاتها، بجانب استكمال تنفيذ الشراكة بين الدولتين في مجال الإنتاج الحيواني للمساهمة في تحقيق الأمن الغذائي العالمي.
ومن أبرز الإخفاقات التي تُحسب على بشارة في وزارة الثروة الحيوانية دفاعه أمام البرلمان عن قرار مجلس الوزراء رقم (219) الخاص بتصدير إناث الماشية، ووصفه بأنه “قرار صادر بمسوغات موضوعية”، ووصف ما يدور من جدل حوله بأنه ناتج عن غياب المعلومة الصحيحة، بجانب عجزه عن تنفيذ قرار رئاسة الجمهورية بتوحيد الرسوم الحكومية المفروضة على صادرات الماشية.
الإنفاق الحكومي
وبعد دخول بشارة الوزارة، أخذ يدافع عن الإنفاق الحكومي. وفي تعليق له على المطالبة بخفضه في إحدى مقابلاته الصحفية، قال: “الناس يتحدثون عن ضرورة خفض الإنفاق الحكومي وتقليصه، في هذا أقول ترشيد الإنفاق، كم يساوي؟ إذا تتبعنا أي وزير أو مسؤول في الحكومة مهما كان عددهم.. نجد أن ما يصرفه الوزير قد لا يتعدى (500) دولار، إذا عملنا مقارنة بمن حولنا، موظفون عاديون جداً في بعض المؤسسات أو الشركات الخاصة والمنظمات يحصلون على مرتبات أعلى منا”.
حالة ترقّب
منذ إعلان بشارة وزيراً للإعلام، ظل قطاع الإعلام يعيش حالة من الترقب نظراً للعديد من التحديات المرتبطة بشكل مباشر في صناعة الإعلام، وهي متعددة وتشمل التطور المذهل في تكنولوجيا الاتصال والمعلومات وما تفرضه من تحديث لآليات عمل الإعلام التقليدي، وتشابك وتعقد البيئة السياسية الوطنية والإقليمية والدولية التي تعمل في ظلها وسائل الإعلام، والتأثير المتنامي لمواقع التواصل الاجتماعي على أداء وسائل الإعلام التقليدية، والشكوى من تعدد التجاوزات المهنية في الأداء الإعلامي، وتنامي دور الجمهور في صنع رسائل الإعلام.
تحديات
وقال عضو المجلس الوطني المستقل المنتدب لمجلس الصحافة والمطبوعات د. أحمد صباح الخير لـ(الصيحة) هناك كثير من التحديات الكبيرة التي تواجه وزير الإعلام بشكل خاص في هذه المرحلة في مقدمتها الشد والجذب والجدل الدائر حول الحريات التي هي واحدة من القضايا المتفق على توسيع مواعينها في توصيات الحوار الوطني في وقت نجد فيه أن أي مراقب للساحة يرى أن التوصيات الخاصة بالحريات لم تتحقق في الإعلام لأن القانون الخاص بها ظل مُتنازَعاً عليه بين عدة جهات، مضيفاً: هذا ما أعايشه وألحظه من خلال وجودي بمجلس الصحافة والمطبوعات، بداية بمصادرة الصحف، في وقت أن مجلس للصحافة والإعلام مهمته متابعة ومراقبة الصحف، لكن جهات في الدولة لديها قانون تستخدمه.
سؤال وتحدٍّ
وأشار صباح الخير إلى أن وزير الإعلام مواجَه بسؤال يشكل تحدياً كبيراً له، هل سيعمل وفق مخرجات الحوار الوطني التي جاءت به للو وأوصى به في باب الحريات، أم سيذهب في اتجاه ما يراه الحزب الحاكم الذي يُريد تحقيق أجندة بعينها تتناسب مع أغراضه، وهذا يضع بشارة جمعة في طريقين مختلفين، إما أن يمضى في طريق الحريات الذي قررته ورسمته منظومة الحوار الوطني التي جاء عن طريقها أو ينخرط في قاطرة الحزب الحاكم.
أفضل المخارج
ويُطالب صباح الخير وزير الإعلام بشارة أرور بأن يكون شجاعاً، وله المقدرة على التدخل، وأن يضع كل العمل الصحفي والإعلامي تحت مسؤولية مجلس الصحافة، وإبعاد الجهات الأخرى من التدخل، وأن يسعى مع الجهات المختصة لجعل مجلس الصحافة له سلطة حتى يستطيع إبعاد الآخرين من التدخل في الصحافة ويزيد من مقدراته، ويوسع صلاحياته حتى يتمكن من القيام بدوره في الحفاظ على القيم، وعلى بشارة أن يسعى لتحقيق القومية في الأجهزة الإعلامية القومية بصورة أوسع وأن تصبح متاحة للجميع خاصة التلفزيون بأن يبدأ بخلع رداء الحزبية عنه وإلباسه رداء القومية حتى يرى كل السودانيين أنفسهم فيه.
صحيفة السوداني.
الله يعينك و يبعد عنك الوطاويط..