أحزاني تكذب يا قلبي!!
# غصةٌ نائحةٌ تلازمني.. والدمع المالح متعلق بأهدابي دائماً.. أحياناً أشعر بحاجتي للصراخ, للنواح, للعويل, للانتحاب الطويل.. عساني أغسل روحي من كل هذا الحزن الهائل المتكدس في جنباتها.
أحاول أن أخرج من دوامة الأسى تلك.. أن أنعل شيطان حزني.. وأستعيذ بالله من ضلالتي وقنوطي.. أن أتصالح مع واقعي وأتعايش مع وقائعي وأحمد الله كثيراً على نعمتي العافية والحياة.. أحاول أن أشيع البهجة في قلبي.. أن أفتعل ضحكات مجلجلة عساني أعتاد عليها.. أن أنظر لكل ما حولي ومن حولي بمنظار وردي جميل فتمتهن عيناي التفاؤل.
ولكني.. كلما سدرت في غي سعادتي, باغتتني هذه الدنيا بفاجعة تقصم الظهر.. حتى أنني من فرط تواترها وتواليها لم أعد أصدق أحزاني.. أعمد لتكذيبها والفرار منها وتجاهلها.. فقلبي الصغير لا يحتمل!! وروحي المنهكة شاخت واشتعلت بشيب الشجن.
# كنا نحتفل بزواج الصديق (بهرام).. وكان كل ما حولي يزدهي بروح المحبة والأمل.. وكانت الأنغام العذبة ترغمك على التأرجح.. وأنت تدور في فلك الأحباب الذين يقاسمونك هموم المهنة وضنك العيش وبعض العشم والأمنيات النبيلة للناس والوطن.
كنا نضحك.. ونتبادل أنخاب المرح والفرح والأحلام.. والدائرة تتسع.. والرفاق يتقاطرون.. والأكف ترتفع بالتصفيق.. والحناجر تنطلق بالزغاريد. حتى وجدتني أنفلت من وقاري.. أتمرد على أشجاني.. وأنخرط في بهجة اللحظة.. أتلفت بنشوة عارمة لأمتع ناظري بمشهد التواصل الحميم في أسمى غايات صدقه.
حينها.. وقعت عيناي عليه.. بذات الهدوء والوقار والابتسامة الطيبة المعلقة أبداً على شفتيه.. وذات النظرات الوديعة المهذبة التي تخترق نظارته الطبية المألوفة.. (رامي قسم الله).. صحفي جميل.. مثابر و(شاطر).. يعيش في مدينته الفاضلة بكل سلام.
لم يجمعني به العمل طويلاً ولكني ظللت ألتقيه لسنوات في مناسبات مختلفة.. لم أتعمق في صلتي به ولكن سيماء الطيبة والاحترام والهدوء ظلت أبداً العلامات الأبرز في شخصيته.
شاب يرغمك على احترامه والتأدب في حضرته.. لا أذكر أنني سمعت صوته يوماً يعلو بالكلام أو الضحك.. ورغم المشاكسة والتمرد اللتين اشتهر بهما صديقه الأثير (الزين عثمان) إلا أنهما التقيا على الأصالة وسمو الروح والإيمان المطلق برسالية المهنة.
هكذا.. وفي غمرة البهجة يحييك.. ليهبط بك من أوهام الغفلة لواقع الحقيقة والحياة التي لا تعادل جناح بعوضة.
مات رامي!! والموت هو الحقيقة الوحيدة التي لا يمكننا المجادلة فيها.. سوى أنه يباغتنا أحياناً بحسن اختياره.
رحل في صمت.. لشعل بقلبي حرائق الخوف التي تذيب ثلج الغرور والسخط بأعماقي.. لماذا نحزن ونشكو ونتكدر ونلهث ونختصم ونكيد طالما كان الموت بالمرصاد في كل حين ولا يضع اعتباراً لعمر أو ظروف؟!! أين (رامي) الآن من نظارته وحاسوبه وأوراقه وأحلامه وأمه وزملائه وأصدقائه؟! أين هو من مشاعره وخططه المستقبلية وقمصانه الأنيقة وهاتفه الجوال؟! أين هو من عمره الغض وقوامه الممشوق وعافيته؟!! مات رامي.. مات رامي.. مات رامي!
وتناقل الجميع النبأ باستنكار ووجع مريد.. ولكننا جميعاً لا نملك أن نغير شيئاً من الحقيقة.. لا نملك سوى دموع سخية ساخنة نبكي به أنفسنا أولاً ونحن نمعن في غفلتنا وتعلقنا بهذه الفانية.. نسهب في أحزاننا الكاذبة وادعاءاتنا الباطلة بالأسى والأسف والندم على تفاصيلها الزائفة الزائلة.. إنني لن أصدق بعد أفراحي ولا أحزاني.. (وتف) يا دنيا (تف)!!
#تلويح:
الموت نقاد.. يختار الجياد لهذا يؤخرنا فقط أو ربما يستتيبنا!
(أحر التعازي القلبية لك صديقي الزين ولأسرته ومحبيه ولفنجان القهوة الذي لن يحتسيه أبداً).. والحمد لله
إندياح – صحيفة اليوم التالي